بقلم:الدكتور/سلمان حماد الغريبي اتفق الجميع بلا إستثناء على أن التقاعد ليس نهاية الحياة..بل العكس هو بدايتها لمرحلة وتجربة جديدة ومثيرة.. فأي مرحلة مهما كانت قبل التقاعد أو بعده لها إيجابياتها وسلبياتها وجمالها وكيفية التأقلم معها…ولكن وللأسف الشديد الأكثر منا وخصوصاً في مجتمع كمجتمعنا تواجههم مشكلة أساسية مهمة تكمن في كيفية التعايش مع مرحلة مابعد التقاعد وخصوصاً من تعود على برستيج معين ومستوى مالى عالي…وفجأة فُقدت منه كل هذه المميزات في لمحة بصر دون أن يكون مهيئاً ومستعداً لها نفسياً ومادياً ومعنوياً. كُلنا في يوم من الأيام لامحالة متقاعدين…ولكن هل استعدينا لهذا اليوم وهيئنا أنفسنا لذلك براحةٍ ورضى نفس دون الخوض والتفكير فيما سبق وفيما سوف يكون بأفكارٍ سوداء ونضع انفسنا بأنفسنا تحت طائلة ثلاثي الإكتئاب في بداية هذه المرحلة المهمة في حياتنا إبتداءً من القلق على مستقبلنا المادي والمعنوي مروراً بالفراغ والملل الذي سوف نواجهه كل يوم وإنتهاءً لاقدر الله بالإكتئاب وماسوف يصاحبه من أمراض العصر وعلاجات وجلسات نفسية لم تكن في الحسبان والختام علمه عند الله. أذكر..عندما كنت أحضر مؤتمراً في لندن عاصمة الضباب عن رفع مستوى الجودة بأقصر طريق وبأقل وقت وجهد في المنشئات الصحية…سيدةً في العقد السابع من عمرها كانت تحضر يومياً وتجلس وحيدة آخر القاعة وبيدها دفتر صغير تدون فيه بعض ملاحظاتها ثم تغادرها بكل هدوء قبل انتهاء الجلسة بدقائق دون ان تسأل او تشارك وكأنها مستمعة فقط…ثم كنت أُلاحظها في بهو الفندق عندما نغادر قاعة المؤتمر تحتسي كوب من الشاي مع حبة كورسون او قطعة كيك…وفي اليوم الأخير من المؤتمر غادرت كعادتها ولكنها ظلت واقفة بجوار باب القاعة من الخارج وكأنها تنتظر احداً وفعلا كان ذلك فقد أخذت تحاور بعض الأطباء والمتخصصين عند مغادرتهم قاعة المؤتمر والذين قدموا أوراق عمل وكان من ضمنهم أخي العزيز الدكتور/خالد مدني…وكانت تركز في أسئلتها عن مسألة الوقت وأهميته وكيفية إستغلاله ولفت إنتباهها في ورقة أخي الدكتور/خالد بربط هذا بديننا الإسلامي وكيف يحث على هذا والأمانة التى حُملنا إياها والحرص على استغلال هذا الوقت بكل أمانة وإخلاص للخروج بعملٍ ذا جودةٍ عالية وإبداع…ثم إستئذنت للجلوس معنا بعض من الوقت في بهو الفندق لرغبتها في أخذ أكبر كم من المعلومات عن ذلك وبعد انتهاء هذا الحوار الذي كان يدور حول ورقة العمل الخاصة التي قدمها الدكتور/خالد.. باغتها بسؤال جانبي عن عدم مشاركتها لنا في الحوار أثناء إنعقاد جلسات المؤتمر… قالت: أنا سيدة متقاعدة تعديت السبعين من عمري وخالية من جميع امراض العصر كالسكر والضغط ولإكتئاب وخلافه(مع الرغم لم يكن ذلك واضح عليها وكأنها في الأربعين من العمر)…واستغل وقتي في المشاركة في مثل هذه المؤتمرات كمستمعة فقط طبعاً بعد أخذ الإذن بذلك من المشرفين على هذه المؤتمرات(تذكرت حينها آباؤنا حفظ الله من كان حياً منهم ومتعه بالصحة والعافية وأمد بعمره وأحسن له الختام وارحم من مات منهم واجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنة بدون حساب اوعقاب وأجزل لهم جميعاً يارب الأجر الثواب…عندما كانوا يتشفعونا لنا عند ادارة التعليم ومدراء المدارس قبل ان نصل للسن القانونية لدخول المدارس بسنة تقريباً للإلتحاق بالمدرسة كمستمعين فقط فجزاهم الله عنا خير الجزاء.. فقلت في نفسي ياسبحان الله نحن هنا ندخل معركة الحياة قبل التقاعد كمستمعين كي نشق طريقنا للنجاح بكل حيوية ونشاط وهم كمستمعين ايضاً ولكن بعد التقاعد للإستمرار في هذا النجاح الذي صنعوه قبل التقاعد بكل حيوية ونشاط وهذا هو الفرق بيننا وبينهم هم يستمرون ونحن وللاسف الشديد نتوقف عند هذا الحد حد إستلام خطاب التقاعد)… ثم ألحقتها بسؤال ثاني عن سر هذه الحيوية والنشاط والتفاؤل الذي تعيشه… فقالت: الحياة يابني رائعة بكل مقاييسها ومعانيها وأنا من تفاؤلي اود ان يكون اليوم اكثر من اربعة وعشرين ساعة كي استمر في إنجاز اعمالي واهدافي التي أرسمها لنفسي في كل يوم وهي نتيجة طبيعية ومنطقية لما يسود ويدور في حياتي من تجديد وتحديث مستمر بعد أن تسلمت خطاب تقاعدي الذي كُنت أتوقعه من حينٍ لآخر… ولقد رسمت اهدافي وركزت في قرأتي في الفترة الاخيرة قبل تسلمي خطاب تقاعدي عن موضوعات مابعد التقاعد وماقاله علماء النفس والمتخصصين في هذا المجال عن مابعد التقاعد كي لا أدخل في دوامة الإكتئاب مروراً بالقلق والفراغ والملل. فحدد لنفسك يابني هدفاً او اهدافاً معينة لتخلق لك الحافز للوصول لها مهما اصابك من متاعب او قلق اثناء ذلك… فمواجهة هذه المتاعب والتغلب عليها ومعالجتها لن تشعرك بهذا الفراغ والملل ابدا"… فأستمتع بدنياك ولاتنسي غيرك…فالمتعة الحقيقية أن تكون مصدراً يُثق بك لسعادة غيرك من الناس…فإنك ان شعرت بذلك بحبك للأخرين وحبهم لك ومساعدتك لهم والسؤال عنهم من حين لآخر فتلك هي قمة السعادة الرائعة والدنيا الجميلة والتي لن يستطيع القلق والفراغ والملل ان يتسرب لها ولا لحياتك الخاصة والعامة… فالحب قادر على صنع المعجزات فكن دائماً بشوش الوجه والضحكة لاتفارق شفتاك…فقد اثبتت التجارب أن الإنسان الذي يضحي من أجل الاخرين ويتمتع بإبتسامة يستطيع ان يسيطر على همومه ومتاعبه في الدنيا كلها… أما الإنسان العابس الغير متفاءل فأنه سوف يدفن نفسه تحت أثقال من التوتر والقلق وسينهار لامحالة تحت وطأة هذه الأثقال وسيصل لمرحلة الإكتئاب…كما انه لابد لك ان تسعى دائماً لإكتساب صداقات جديدة فالإنسان كائن إجتماعي بطبيعته ولن يفرط فيها إلا اذا اكتئب والعالم بلا اصدقاء اوفياء كغابة موحشة مظلمة تدعو للقلق وللفراغ والملل..كما لابد لك ان تستمتع بهواياتك وان لم تكن لك هواية تعلم هواية واستمتع بها على ان تكون قريبة لسنك وصحتك ومارسها دون تردد او خجل..فقد تشعر بادي الامر بعدم جدواها وانها مضيعة للوقت ولكنك سوف تُحبها بالفعل لقتل الفراغ والملل وتشعر بسعادة وحيوية ونشاط وتفتح لك مجالات اوسع لتكوين صداقات كثيرة وجديدة من نفس العمر تشاركك هواياتك وتزيح الفراغ من طريقك والملل عن كاهلك.. كما انك لاتلتزم بأشياء نمطيةتقليديةتفعلها يومياً بطريقة تخلو من التغيير فغير من جلستك مثلا" في المنزل من جهة لاخرى اقرأ كتب لمواضيع مختلفة ومتنوعة غير الصحيفة التي إعتد قرأتها كل يوم والقلم الذي تكتب به والكرسي الذي تجلس عليه وغير في محتوى الغرفة وأضف عليها لمسات جديدة راقت لك واستحسنتها وارتحت لها دون تردد او أخذ رأي اي شخص مهما كان في ذلك التغيير الذي قمت به. وآخر نقطة واهمها يابني..خذ كفايتك من النوم وخصوصا في هذ المرحلة الهامة من عمرك من سبع الى ثمان ساعات في اليوم على أقل تقدير فانها سوف تساعدك كثيراً لصفاء الذهن ونشاط البدن وتجعلك مستريحاً مرتاح البال طوال يومك ويساعدك ايضاً في تحديد ومصدر اي قلق ينتابك فجئة وحله بكل سهولة ويسر… وايضاً لاتسرف في النوم فإنه يعطيك نتائج عكسية كالشعور بالتعب النفسي ويزيد من القلق والمعاناة ويدخلك تحت وطئة التأفف والنفرزة والغضب والفراغ والملل. ■وأخيراً■تغريدتي: سألني احد الزملاء الأفاضل في مهمة حج هذا العام1438 لماذا لم تكتب حتى الآن مقالة عن شعيرة حج هذا العام..؟! فقلت له: ماذا أُسطر؟! وماذا اقول؟!…وهناك ملايين الصور تُعبر عن نَفسِها بِنفسِها وعن نفس كل مسلم صادق ومايلج فيها من فخرٍ واعتزاز… فهناك اكثر من مئة الف مشارك من عسكريين ومدنيين اوفياء ومن شركات ومؤوسسات طوافة تأهبوا بكل امانة وصدق وإخلاص لخدمة ضيوف بيت الله والسهر على راحتهم وحفظ امنهم وأمانهم بعد الله سبحانه وتعالى لأداء مناسكهم بكل سهولة ويسر… وهناك مئات المشاريع التي نُفذت وسُخرت لخدمة ضيوف الرحمن من توسعة للحرمين الشريفين وإنشاء طرقات وجسور وانفاق وقطار وتوسعة مطار وغيرها…وهناك ضيوف خادم الحرمين الشريفين اللذين تعدوا العشرة آلاف من أُسر الشهداء من خارج المملكة من فلسطين ومصر والسودان واليمن إضافة لجميع الحجاج من إخوتنا من دولة قطر…أي بوصف أدق هناك امور كثيرة تحتاج لشهود وشواهد كي تُظهر جزء من حقائقها…ولكن هنا شهودها وشواهدها منها وفيها و شهادات ممن عاصروها من المسلمين الصادقين الاوفياء التي تثبت دون الحاجة لبراهين كل ماذكرناه ولا تحتاج لمقالات إلا لزيادة في التوضيح وتسليط الاضواء على حدثٍ جديد ما فقط ليس إلا. فاللهم إحفظنا وإحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين وغدرهم ورد كيدهم في نحرهم…واحفظ ضيوف بيتك من الحجاح بحفظك وارعاهم برعايتك وردهم لديارهم وأهلهم مجبورين الخاطر فائزين غانمين ونقِهم من الخطايا والذنوب كما يُنقى الثوب الابيض من الدنس ويرجعون كيوم ولدتهم امهاتهم بعفوك وكرمك وإحسانك يارحمن يارحيم ياارحم الراحمين.