يقول الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم:﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي أن الأرض والسماء كانتا متصلتين ففتقناهما أي رفعنا السماء وتركنا الأرض في محلها ،وفي ذلك عدة أقوال للمفسرين ، وهذا يعني أن الأرض كلها لله من صنعه وتكوينه , وفيها سر الحياة ويكمن سر الحياة في التكوين وتحمل المسؤولية التي أرادها الله لعباده في الأرض فيعمروها ويعبدون الله تصديقاً وتفكيرًا والتزاماً ، وبذلك حملهم المسؤولية، وماكانت المسؤولية دون قوة معنوية تنمو بنمو الهدف بروح العدالة وحماية الحق. ولذلك كان اهتمام الباري عز وجل قبل خلق آدم أبو البشر بتكوين الأرض والسماء وتنظيم الكون بالأسس الصحيحة في إيجاد من يعمر هذا الكون ويؤكد ذلك في قوله عزوجل : )وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وبعد هذا التكوين أراد الله أن يخلق آدم عليه السلام ليعمر الأرض وذريته فقال للملائكة :(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) فالله سبحانه وتعالي يثبت أهمية التعليم فقام بذاته بدور المعلم لآدم – عليه السلام- فخلق منه زوجه وأسكنه الجنة ، فكيف يسكنه الجنة وهو يقول لملائكته إني جاعل في الأرض خليفة ؟ والتعليم مهماته صعبة ولو لم تكن للمعلم أهمية كبرى لما خلق منه زوجه وأسكنه الجنة ، ولما علمه الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة ولما حذرهما من إبليس حين أسكنهما الجنة. وبآدم وزوجه تكونت أول أسرة علمها الله في الجنة حتي إذا هبطا إلي الأرض سعياً إلى تعميرها بالأصول التي عرفاها وتعلما منها. ولذلك فإن أول مهمة تلقياها هي مهمة التكوين الأسري الذي ينشأ عنه المجتمع القبلي أولاً ثم المجتمع المدني وهذه لا تنشأ إلا عن إرادة تقوى بالعزيمة الصادقة على التنفيذ أولاً والتنفيذ لا يتم إلا بالعمل ، والعمل هو الإثبات للتقرير. فبداية التلقي هو التعلم ، ولهذا لا بد من تكوين المتعلم ليعلم، وهذه المهمة لتؤدي نتائجها السليمة لا بد وأن تكون على قناعة تامة بالهدف وتحمل المسؤولية بما يتفق مع طبيعة الخلق، والمعلم الناجح لابد وأن يتحلى بالمعرفة الصحيحة ، وبالهدوء والاتزان وأن يكون وسطياً معتدلاً بما يكون له من تأثير فعال على المتلقي وأن تكون لديه مساواة في الحقوق والواجبات بين المتلقين ، ولكي يكون معلماً ناجحاَ ومتميزا لابد أن يراعي جانبين مهمين للتلقي في نفوس المتلقين. الجانب الأول – الإيمان والقناعة وحب الاستفادة مما تلقاه من علم ليعلم المتلقي بهدوء وروية على الوضع الصحيح بما يشمل ذلك من علم وخبرة. الجانب الثاني – وهو الجانب النفسي ومراعاته بما يشمل من سلوك ومعاملة وتخطيط وعمل وصبر. كما يجب على المعلم أن يكون مطلعاً على الجوانب الاجتماعية والأسرية في المجتمع الذي يحيط به وأن يراعي أثر ذلك حتى يتمكن من علاج المشكلات وتثبيت المعلومات الصحيحة في نفوس طلابه وغرسها في أفكارهم . والمعلم الناجح هو صاحب رسالة وغاية وأهداف سامية ونبيلة هو وحده من يدرك هذه المفاهيم الصحيحة عبر العصور ولاترتقي الأمم بحضارتها الا برقي معلميها. بقلم الأستاذ / أحمد حمزة فوده