الحمد لله رب العالمين , الحمد لله الذي قضى القضاء, فكتب على نفسه البقاء , وعلى عباده الفناء, وقال في محكم التنزيل : {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} [الرحمن : 27], تفرد –سبحانه –بالدوام, وجعل الموت نهاية كل الأنام, وأصلى وأسلم على من قال فيه ربه –سبحانه-: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[ الأنبياء:34] وقال له –جل وعلا- { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [ الزمر:30] , صلى الله وبارك عليه , وعلى آله الأتقياء الأنقياء, وصحبه بدور الأهتداء, وأنجم الاقتداء, والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء , وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد: فبمزيد من الإيمان بقضاء الله وقدره, وببالغ الحزن والأسى أبوح وفي الحلق شجن وشجى بهذه الكلمات الباكيات, والأنَّات المُقِضَّات, من قلب حزين مهموم, وعقل شارد موجوم , وصدر محشرج الصُّعداء , وأعين مكلومة دمعاء, تجود بألوان البكاء, فقد جاءني نفير, ينعى سمو الأمير , فأهاج الزفير. طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا شرقت بالريق حتى كاد يشرق بي **** رحلتم فكم من أنَّةٍ بعد زفرة مبينة للناس شوقي إليكم وقد كنت أعتقت الجفون البكا فقد ردها في الرق حزني عليكم فإنا لله وإنا إليه راجعون, ولا حول ولا قوة إلى بالله , أي قول أقول , بعدما أعتمت الأيام , واغتمَّ الغمام, وتكاثرت الخطوب , ووقع الخطب العظيم , وأَلَمَّ المصاب الجسيم , وفجعنا بنبأ وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود, رحمه الله رحمة الأبرار , وألحقه بالمصطفين الأخيار, وأنزل عليه شآبيب العفو والغفران, والرحمة والرضوان, وأعلى درجاته في المهديين , وخلفه في عقبه في الغابرين. وخفض جأشي أن كل ابن حرة إلى حيث صرت لا محالة صائر وأن سوام الموت تجري خلالنا روائح من أحداثه وبواكر أيها الإخوة الأكارم: إنها سنة الله في الكون { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62], {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } [فاطر:43] فالموت كأس وكل الناس شاربه , تحسَّى مرارته الأنبياء , والأولياء, والعلماء والزعماء, والنبلاء العظماء. كل ابن انثى وان طالت سلامه يوما على آلة حدباء محمول ومع فداحة المصيبة, وعظم الفجيعة , فإننا لا نملك إلا التسليم لأمر الله , والرضا بالقدر والقضاء, والتدرع بالصبر والدعاء. فلله ما أعطى ولله ما جزى وليس لأيام الرزية كالصبر وإن لأميرنا المحبوب , وولي عهدنا المشبوب –رحمه الله وطيب ثراه-صفات حميدة , وأفعالاً مباركة مجيدة , فلله دره ما أجمل صنائعه ومفاخره , وما أجل مكارمه ومآثره. هو قامة عظمى, ورمز كبير, وطراز فريد, وركن ركين, ورجل الأمن الأول. لعمرك ما وارى التراب فِعاله ولكنه وارى ثياباً وأعظُما لقد خصه الباري –سبحانه –بصفات عديدة , وشمائل مديدة, من الحزم والشجاعة , والحلم والحكمة والقناعة, والحنكة في المواقف السياسية المتأزمة, والأحداث الشائكة, فقاد منظومة العمل الأمني في البلاد, وجعلها-بفضل الله-واحة أمن وأمان, ودوحة سلام واطمئنان, ترنوا إليها أبصار كل محبٍ مستهام, وتهوي إليها أفئدة الأنام, خصوصاً ما يتعلق بأمن المعتمرين والحجيج وخدمتهم, واستقرارهم وراحتهم, وحنكته الأمنية التي ناهزت على النصف قرن من الإنجازات التاريخية العظيمة, تنعم بها المملكة تَنَعُّم المنيف, وتعيش في ظلها الوريف, ولا أدل على ذلك من رئاسته لجنة الحج العليا ,وانشائه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية التي أصبحت قلعة شماء, ومنارة قعساء , وصرح شامخ , وحصن من حصون المملكة الحصينة. لقد كان-رحمه الله وطيب ثراه- قامة شامخة في الغيرة الدينية, والخبرة السياسية , والكفاءة الإدارية , والمهارة الأمنية , والرحمة الإنسانية. ومن أياديه الشاهدة-رحمه الله-الشمس الساطعة التي أزجاها للعلم الإسلامي المتمثلة في جائزة الأمير نايف بن عبد العزيز لخدمة السنة النبوية وعلومها, وجائزة نايف بن عبد العزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية, ثم مسابقة نايف بن عبد العزيز لحفظ الحديث الشريف. تحيا النفوس بحق في مآثرها وإن تغيبت الأجساد لم تزل يجزيك ربك ما قدمت من حسن من واسع الفضل والإحسان والنول وإن من لمع جهده المبرور, ومناقبه التي سطرها التاريخ بمداد النور, تمسكه الشديد بثوابت الدين والتصدي للمغرضين المشِّغبين, وتصديه للجريمة والإرهاب والمخدرات, فيأتي تأكيده دائماً على تحكيم الشريعة, والعناية بالعقيدة الإسلامية الصحيحة والسنة القويمة وربط الأمن بالإيمان, والاهتداء بهدى القرآن, ومنهج السلف الصالح, وتعزيز الأمن الفكري, والوسطية والاعتدال, ولجان المناصحة, وأعمال الإغاثة , ودعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والدفاع عنها وعن رجالاتها , والتأكيد على خصوصية المرأة المسلمة في هذه البلاد المباركة , سائراً في كل ذلك على ما ورثه من والده المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه, وما تعاقب عليه إخوانه الذين سبقوه من ملوك أماجد, رحم الله ميتهم , وحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين لا يزال بالحق مسددا موفقا, ومن المولى مؤيدا. ذلك هو معقد الكياسة والفراسة, والتمرس بمضائق السياسة, والتحقق بإدراك الواقع , والعلم النافع , إضافة إلى ما انطوت عليه قلوب الرعية من محبته وتقديره ,والاعتزاز به وتبجيله. غاب عنا ولن تغب ذكرها طيب الله قبره وثراه أريحي السمات طلق المحيا أبداً يملأ القلوب هواه وهكذا كانت جهوده المشرقة التي تند عن الحصر –رحمه الله رحمة الأبرار. فيا راحلاً عنا رحيلاً مؤبدا عليك من الله مال صبح أشرقا إلى الخلد في دار البقاء منعماً تروح وتغدو في الجنان محلقا وإننا بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره لنرفع أحرّ التعازي , وأصدق المواساة إلى مقام ولاة أمرنا –وفقهم الله – خادم الحرمين الشريفين-حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية-والأسرة الكريمة, وسمو وزير الدفاع الأمير سلمان-وفقه الله- وأبناءه الكرام: سعود ومحمد وإخوانهم. وأحفاده وأبناء هذه البلاد خاصة , وأمة الإسلام عامّة, سائلين الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يلهم الجميع الاحتساب والصبر , وأن يعظم لهم المثوبة والأجر, وألاّ يُرِي الجميع مكروهاً في عزيز لديهم, كما نسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحم فقيدنا , ويجزيه خير الجزاء كفاء ما أبدى, ولقاء ما أسدى , وجزاء ما قدّم وأعطى , وأن يجمعنا به في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إنه خير مسؤول وأكرم مأمول. اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد وإذا أتتك مصيبة تشجى بها فاذكر مصابك بالنبي محمد وصدق الله العظيم القائل:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة:155-157] لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى, والحمد لله على قضائه وقدره, وإن القلب ليحزن, والعين لتدمع, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, إنا لله وإنا إليه راجعون. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام والرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي