وزير الإعلام:الدكتور محمد عبده يماني خلاصة فريدة للشخصية الاجتماعية المكية أكد معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة حرص القيادة ورعايتها لرجالاتها المخلصين على اختلاف مواقعهم العملية وكذلك مفكريها وأدبائها نافياً انتهاء هذه الرعاية والتقدير بعد ترك مواقعهم الوظيفية مدللا بذلك على ما كان يجده وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد عبده يماني الذي غادر الوزارة منذ ما يقرب على ثلاثة عقود ومع ذلك كان يحظى بتقدير لوجاهته وشفاعته لدى قيادات البلاد سواء خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله أو سمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أو سمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز أو سمو نائبه الأمير محمد بن نايف وقال الوزير خوجه: إن الراحل محمد عبده يماني كانت طلباته وشفاعاته لا ترد بل إنها كانت موضع حفاوة وتقدير من القيادة الكريمة وكشف وزير الثقافة والإعلام أن سمو النائب الثاني كان يسر له، إن طلبات الراحل يماني كانت مصدرا مفيدا وخادمة لهم باعتبارها معرفا جيدا وناقلا أمينا لأحوال المواطنين. قيادتنا تحتفي دوما بمفكريها ومثقفيها ورجالاتها المخلصين على اختلاف مواقعهم ونوّه الدكتور خوجة خلال محاضرته التي خصصها عن وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد عبده يماني وألقاها صباح أمس بدارة العرب بمنزل الشيخ حمد الجاسر بلمحات الوفاء التي يجسدها مجتمعنا السعودي من قمة هرم القيادة إلى أبسط مواطن نافياً أن يكون الاهتمام محصوراً على رجالات الدولة فقط وإهمال المفكرين والمثقفين والرواد الذين خدموا البلاد في جوانب مختلفة كما جاء في مداخلة الدكتور منصور الحازمي. وقد استهل وزير الثقافة والإعلام الدكتور خوجة محاضرته بتأكيده على قيمة الوفاء قائلاً: فليس من قيمة تفوق الوفاء، وليس من خلق كالمعروف، مأثرتين عظيمتين نعتز بهما، ونحن نجتمع من أجل الحديث عن رجل كان من أخص خصائصه الوفاء والمعروف، والوفاء لوطنه ولشيوخه ولأصدقائه، والمعروف لمن يعرف ولمن لا يعرف، وذلك الرجل هو معالي أخي الحبيب الدكتور محمد عبده يماني الذي اختاره الله - تبارك وتعالى - إلى جواره، بعد حياة حافلة بالمهمات العظيمة لوطنه وأمته. وأضاف: ها أنا ذا في منتدى الخميسية التي تشرف بحمل اسم رمز من رموز الثقافة العربية في عصرها الحديث وهو العلم العلامة الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله تعالى -، وكان في علمه ومؤلفاته ومركزه الثقافي وأبنائه البررة مصداقاً للحديث الشريف: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له»، فشكراً للقائمين على «خميسية الجاسر» وشكراً على هذا الوفاء. وزير الثقافة: حين بلغني نبأ وفاة محمد عبده تذرعت بالصبر الجميل وما أزال الملم نفسي في غيابه وأشار الوزير خوجة إلى صعوبة الحديث عن الراحل يماني مشيراً إلى أنه ليس من اليسير لمن عرف الدكتور محمد عبده يماني معرفته به أن يتحدث عنه في ساعة أو بعض ساعة، فأنا ما أزال الململم نفسي متذرعاً بالصبر الجميل في أخ وصديق وزميل كنت آنس به، وأقصده في الملمات والنوازل فأجد فيه الناصح المشفق، والرجل الحكيم، ولكم سبقت يدي إلى سماعة الهاتف كي أتحدث إليه ثم لا ألبث أن أثوب إلى نفسي، فالرجل في رحاب الله. وسبحان الله ما أعز الصبر وأعظمه فهو ترياق النفوس المؤمنة المطمئنة فرحمك الله أبا ياسر وجمعنا بك في مستقر رحمته. واستطرد الوزير خوجة حديثه بنبرة مؤثرة وحزينة وقال: إن الحديث عن رجل بقدر معالي الدكتور محمد عبده يماني ليس بالحديث اليسير، وذلك أنه عاش حياة عريضة، وكانت حياته لوطنه وللعمل العام وللناس الذين عمل معهم، وحياته كتاب مفتوح يقرأه كل الناس، وكأنه لمعرفتهم به له قصة مع كل أمرئ منهم، وأضاف: أما أنا فقد جمعني به عمر وصداقة وصهر، وكان في كل أدوار حياته أخاً ناصحاً، ومستشاراً مؤتمناً، وزميلاً عظيماً. جانب الطرفة في الوزير الأسبق حول الانتقاد الموجه إلى وزارة الإعلام إلى محل للنكتة والتندر بعدها استعرض الدكتور خوجة معرفته بالراحل في مكةالمكرمة ونوّه بخصائصه وسماته وأخلاقه التي قال إنه أخذ من أم القرى أخص خصائص أهلها: المروءة والشهامة وخفة الظل، ويكاد يجمع من التقى به أن يعرف فيه هذه السمات، فلقد كان في كل أطواره متمثلاً لتلك القيم الرفيعة التي جبل عليها المجتمع المكي، وفاضت عليه تلك القيم بسمة التواضع ولين الجانب وحب الفقراء والمستضعفين، ولم تغوه، يوماً ما، وظيفة كبرى بلغها، ولا درجة رفيعة حازها، وكنت تراه يهش، في مجتمع القوم، للكبير والصغير، ويحدب على الفقراء والمستضعفين، ويأنس المحيطون به بقدرته على إذابة الفوارق بألوان من الكلام العذب المشفوع بالعبارات المكية التي ألفها أبناء مكة الكرمة في حاراتها وشعابها، وكأن لسان حاله دوماً: أنا واحد من هؤلاء! وزير الثقافة لحظة وصوله الدار وأكد الوزير خوجة في معرض سرده لحياة الراحل يماني جازماً أن الدكتور محمد عبده يماني خلاصة فريدة للشخصية الاجتماعية المكية، فهو وإن تخصص في علوم الأرض، يوم آثر التخصص العلمي، فإنه مثال للحياة العلمية المكية، تلميذاً في الكُتَّاب، تراه متأبطاً لوحة قاصداً الكُتَّاب لكي يحفظ سوراً من القرآن الكريم، ويتعلم القراءة والكتابة والحساب، وما إن يعود إلى بيته حتى ينصرف إلى شؤون أبناء الحارة، حيث الشغب اللذيذ، والحياة العابثة التي يأنس لها الأطفال آنذاك، من غير خروج على جليل الخلق وعظيمه، ثم ما هي إلا سنة أو بعض سنة عرف طريقه إلى حلقات العلم في المسجد الحرام، يتلقى ألوان العلوم على شيوخ أجلاء في الدين واللغة، ولعل الكثير ممن عرف الدكتور محمد عبده يماني يعجب للغته العالية، وبيانه الآسر، وذاكرته الملأى بالشعر والحكمة، وما كان له ذلك لولا أولئك الشيوخ العظام الذين حببوا له ولزملائه جليل القول، فوعى قدراً عظيماً من الشعر والحكمة. ويواصل الوزير خوجة حديثه المتأثر عن الراحل يماني قائلاً: عرفت أخي أبا ياسر في مكةالمكرمة، ثم اجتمعت به كثيراً في أثناء دراستي الجامعية بالرياض، وكان وقتها معيداً على طلاب كلية العلوم، وكنت آنذاك، في سنتي الجامعية الثانية، ولكم كانت السعادة حين التقيت به في الرياض، تجمعني به الصداقة والاحترام، وقد حباه الله - تبارك وتعالى - بصفات فريدة، أبرزها أنه كان عالماً محباً للعلم الحديث، مطلعا على بحوثه الجديدة واكتشافاته، وكان محل إكبار أساتذته في جامعة الرياض آنذاك. ونوّه وزير الثقافة والإعلام بموسوعية الدكتور محمد مشيراً إلى أنه مع حبه للعلوم كان مثقفاً ثقافة عربية وإسلامية فريدة، وهو من الجيل الذي لم يكن ليجد غرابة في أن يجمع تليد العلم وحديثه، وكان أساتذته وزملاؤه وطلابه ينبهرون بذلك الشاب الذي يتحدث في العلوم الخالصة، ثم لا يلبث أن يضمن كلامه بطرف من معرفته بالعلوم العربية والإسلامية، دون أن يفوت على نفسه وعلى الآخرين سوق نكتة بلدية خالصة، وهو في كل ذلك أنموذج فريد للإنسان البسيط الذي يمتلئ قلبه حباً للناس. أدباء ومثقفون قبل بدء المحاضرة يماني كان يضحك كثيراً من نعت القناتين الأولى والثانية ب(غصب واحد) و(غصب اثنين) وأضاف بنبرة لا تخلو من ألم : لكم - أيها الأصدقاء - أن تتذكروا أن كلامي هذا يعود إلى ما يزيد على نصف قرن من الزمان، ولكم أن تعلموا أن جامعة الرياض، وقتذاك، لم تكن تضم إلا مجموعة يسيرة من الطلاب، فما بالكم أن يختار أحدهم ليصبح معيداً في تلك الجامعة، في مجتمع لم يألف صورة الأستاذ الجامعي، فما زاد فقيدنا الغالي ذلك إلا تواضعاً ولين جانب، فكنت تراه يتحدث إلى طلابه القادمين من كل مناطق المملكة، يخفف عنهم روعهم، ويطمئن عليهم، ويسأل عنهم، ويلاطف صغار الموظفين من المراسلين والفراشين ويحنو عليهم، في أخلاق ندارة قوامها روح الإسلام وثقافة هذه الأرض الطيبة. بعدها استعرض الوزير خوجة بعض سمات الدكتور يماني وصفاته الخلقية منوها ببره لوالديه قائلاً: وأخي الدكتور محمد عبده يماني بارٌ بأبيه، ويعرف له أصدقاؤه في مكةالمكرمة هذا البر بأبيه، وكان قدوة للكثير من الشباب، ولم تكن مشاغله في إدارة الجامعة، ولا في وزارة الإعلام لتمنعه من السؤال عن والده، وكان يبديه على كل أموره. ومضى خوجة في تعداد مآثر الوزير الأسبق يماني العملية في خدمة وطنه منذ أن كان في رحاب جامعة الملك عبدالعزيز، وقد كان مديراً لها، حيث استطاع فقيدنا الغالي أن يخطو بالجامعة خطوات واسعة نحو العمل الأكاديمي الجاد، والتوسع في الكليات، واستشهد خوجة بمثال في أثناء عمله معه عميداً لكلية التربية بمكةالمكرمة - أنه كان دائم السؤال عن أحوال الطلاب والطالبات والأستاذة، في صلة مباركة ألقت بظلالها على المكان ومن فيه، ولطالما جمعنا حوارات وحوارات عن مستقبل التعليم في بلادنا، وأثمر سعيه ولفيف من أبناء مكةالمكرمة إلى تأسيس جامعة أم القرى، وأتاحت له علاقته الفريدة بالملك خالد بن عبدالعزيز - يرحمه الله - وقد كان المليك يحبه ويرعاه، بالتمهيد لذلك. إحدى المداخلات أما وزارة الإعلام فأكد الدكتور خوجة أن الجميع يعرف ممن عمل معه، وهو واحد منهم أنه كان صوتاً مختلفا، فمعالي الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله - إداري من الطراز الرفيع، يتمتع برؤية إعلامية واسعة، وساعدته معرفته العميقة بطبيعة مجتمعنا على تكييف وزارة الإعلام مع إيقاع العصر، وأفادته صلته بالساحة الثقافية والصحفية على معرفة أكثر بهموم زملائه من الكتاب والمثقفين والصحفيين، وذلل كثيرا من العوائق البيروقراطية التي تحول دون نشر الكتاب، وخفف من سطوة الرقابة على الكتب والمصنفات الفنية والإعلامية، وحدثت في عهده طفرة في حركة نشر الكتاب المحلي، وما كان ذلك ليحدث لو لا أنه محيط بحركة المجتمع الثقافي في بلادنا، وكان جانب الطرفة فيه يحول الانتقاد الموجه إلى وزارة الإعلام إلى محل للنكتة والتندر، وأذكر أنه كان يضحك كثيراً إذا ما سمع أحداً يسمي القناتين الأولى والثانية، آنذاك: ب(غصب واحد) و(غصب اثنين)! ومضى الوزير خوجة في التنويه بمناقب الراحل مؤكداً أن معالي الدكتور محمد عبده يماني وجه ثقافي وأدبي أصيل في الأدب والثقافة، منذ شبابه الباكر، وهو حين اختيار العلوم تخصصاً أكاديمياً له كان قد استكمل طرفاً صالحاً من الثقافة، وكان قد أصابته حرفة الأدب، فعرفته صحف تلك الفترة كاتباً وقاصاً من ألمع القصاصين والكتاب، ورفده ذلك نهمه للعلم والثقافة والمعرفة، فكان سبيله في ذلك زياراته الدائمة لمكتبة الحرم، ومكتبة المولد الشريف، والمكتبات المحيطة بباب السلام، أحد أبواب الحرم الشريف، فنشط للقراءة العميقة، والتف حول الأدباء الرواد، وتأثر بهم وقرأ إنتاجهم الأدبي، واطلع على أخص خصوصياتهم، وكان له من ذلك ثقافة قبشها من الكتب، وعرفها في أشخاصها ورموزها، وقد كان قريباً منهم. وكان الدكتور محمد عبده يماني وفيا لشيوخه وأساتذته، وكان باراً بأستاذه وأستاذ جيل من أبناد الوطن الأستاذ السيد إسحاق عزوز، رجل التربية الكبير، والرمز الفلاحي العظيم، نسبة إلى مدرسة الفلاح - يسأل عنه ويزوره إلى أن توفاه الله، وكان يجلس من أستاذه وهو الوزير والمسؤول الكبير مجلس التلميذ، في أخلاق أحوج أبناءنا اليوم إليها، ففيها أدب الدرس، وأدب الحياة، وكذلك شأنه مع شيخ النقاد الأستاذ الكبير عبدالله عبدالجبار فهو دائم السؤال عنه، ينتهز المناسبة تلو المناسبة لكي يزوره ويسأل عنه، في أدب جم عظيم. وكذلك شأنه مع أصدقائه وما أكثرهم، ولا سيما رفقاء الصبا والشباب، ولطالما سحبه لكي يزور الصديق الوجيه السيد أمين عطاس في جماعة من الأصفياء والأنقياء، وحيث يلتقي فليس إلا الكلمة الطيبة، وليس ثمة إلا المروءة، وليس ثمة إلا النكتة والطرفة. وأكد الوزير خوجة أنه ليس من شأن هذه الكلمة أن تحيط بحياة الدكتور محمد عبده يماني في العمل العام، في وزارة المعارف، وفي جامعة الملك عبدالعزيز، وفي وزارة الإعلام، وزيرا معتبرا أن حياته فيها ضرب من الإبداع والإنجاز والتميز، وهي حياة يعرفها من اقترب من هذا الرجل وعرف أسلوبه في التناول والمعالجة والإدارة، وأحسب أننا، ونحن في منتدى ثقافي، في حاجة إلى أن نعرف الدكتور محمد عبده يماني الأديب والمثقف والمفكر الإسلامي المستنير والداعية، وهي صفات لا أدعي الإحاطة بها في تفاصيلها، فهي في حاجة إلى دارس يستقصيها في أصولها حتى يرسم لنا صورة لأدبه وفكره. ثم عاد وزير الثقافة في حديثه إلى الإشارة إلى الجوانب الأدبية من حياة الراحل يماني قائلاً: إن الدكتور محمد عبده يماني عرف قاصاً، فقد كان مولعاً بالقصة، ومن يرجع إلى صحافة الأفراد يقف على القصص القصيرة التي كان ينشرها في صحافة تلك الفترة، ويستطيع أن يرصدها ويتتبعها، وكان من غرامه بالقصة والرواية أن أخرج «اليد السفلى»، و«فتاة من حائل»، وهما عملان لقيا عناية طيبة من النقاد والدارسين، ولكن نفسه التي لا تحدها حدود الأجناس الأدبية خرجت به إلى آفاق أخرى في العمل الفكري والإسلامي، فهو كاتب مهموم بهموم أمته ينافح عنها، ويقرب معالم حضارتها في أعلامها إلى قرائه، وزاده في ذلك عقل جبل على التسامح ونبذ الفرقة، فكانت مؤلفاته الرائعة التي أحبها قراؤه، ودعا الوزير خوجة إلى ضرورة تعليم الأبناء محبة النبي محمد عليه السلام «علموا أولادكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم»، و«علموا أولادكم محبة آل البيت» و«خديجة بنت خويلد»، و«إنها فاطمة الزهراء»، ودفاعه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم وأرضاهم، في «إنهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم»، ومؤلفاته عن الإسلام والدعوة في أفريقيا، وهذا باب فريد في مسيرته - رحمه الله - يستحق الدرس والبحث، فله فيه صولات وجولات. وأضاف خوجة: أن الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله - أديب متمكن، استكمل أدوات الأديب، روحاً وخيالا وأداة، وكان بإمكانه - رحمه الله - لو تفرغ للأدب والقصة والرواية، أن يحقق إنجازاً واسعاً في هذين الفنين، ولكنه آثر التضحية بموهبته إيماناً برسالته في بث روح التسامح والوسطية في المجتمع، وبلهجة تنضح بالألم قال الدكتور عبدالعزيز خوجة: غادر الدكتور محمد عبده يماني الأدب ولم يغادره، فهو خطيب مفوه يسحر بخطابته وبلاغته العقول، وهو كاتب مقالي ممتاز، يعرف قيمة الكلمة وشرف العبارة وجرس الأحرف، ويعرف له مشاهدو قناة (اقرأ) ذلك، فهو المتحدث الذي يستطيع التأثير في القلوب، وما إطلالته العذبة في قناة (اقرأ) إلا ضرب من رسالته التنويرية التي أخذ نفسه بها، متحدثا إلى الأمة في ألوان من القول المشفق المحب، وكان دائب الاهتمام بكل ما يلم بالأمة الإسلامية يشغله أمرها ومشكلاتها، ولعلكم تتذكرون مقالته التي نشرت يوم وفاته - رحمه الله تعالى - في جريدة الجزيرة عن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - للم شمل ألوان الطيف السياسي في العراق. وأضاف الدكتور خوجة: لن يكتمل حديثي عن أخي الحبيب الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله - إن لم أقف وقفة يسيرة على جانب من أعظم جوانب حياته، فبدونه لن نستوفي حياة هذه الشخصية الإنسانية الفذة، ألا وهو قربه من الناس، وبالأخص الفقراء والمستضعفون منهم، فالرجل يمتاز بأن الله - تبارك وتعالى - بارك له في وقته، فكان ينفق الجانب الأغظم منه في خدمة الناس، والسؤال عنهم، وأحسب، وقد فارق هذه الحياة الفانية، أن بالإمكان الإلماح إلى هذه الصفة الإنسانية فيه، وهي مساعدة الناس، وبذل جاهه لخدمة الفقراء واليتامى والأرامل والمستضعفين، ومد يد العون لهم، وكنت تراه، أبداً، حفياً بالمسلمين الجدد، وبإخوتنا المسلمين في أفريقيا، يزورونه في مكتبه في برج (دلة البركة) ويهش لهم، ويحتفي بهم، ويدل الموسرين من أهل الخير في مجتمعنا إلى الأسر التي أخنى عليها الدهر، وتجده في كل المناسبات الامة التي فيها خير الناس البسطاء الذين أحبهم وارتبطت حياته بهم، وكان يجد في الحديث إلى الناس البسطاء ما يغني حياته بعظيم المثل والأخلاق، ويتواضع لهم، وكان دوماً يبغض التكبر والاستعلاء. ووجه الوزير خوجة حديثاً خاصاً للفقيد قائلاً: أبا ياسر: حين بلغني نبأ وفاتك استرجعت، وتذرعت بالصبر الجميل، واستعدت حياتك منذ النشأ حتى وفاتك، فكنت الأخ والصديق والأستاذ، وأحسست بالفقد، وما فقد الأصدقاء بيسير، ووجدتني أفزع إلى شاعرنا العظيم أبي تمام، أفيء إلى شعر بكى فيه محمد بن حميد الطوسي، كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر. أدعو الله - تبارك وتعالى - أن يرحم الفقيد الغالي أخي الدكتور محمد عبده يماني، وأن يبارك له في أولاده وذريته، والشكر أخلصه وأجزله لخميسية الجاسر، خميسية الوفاء والنبل وكريم الأخلاق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكانت المحاضرة التي شهدت حضوراً كبيراً ونخبوياً من المفكرين والكتاب والأكاديميين قد بدأت بتقديم من مديرها الزميل خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة أشار فيها إلى علاقته بالدكتور محمد عبده يماني والدكتور عبدالعزيز خوجة، مشيرا إلى أن الفقيد كان رجلاً اجتماعياً بامتياز، وصاحب مواقف إنسانية خالدة، وعبر مسؤولياته أستاذاً ومديراً بالجامعة ووكيلاً للوزارة ووزيراً في الوزارة كان يتصرف ويمارس مسؤوليات الوظيفة بشكل جسر هذه العلاقات لتبقى لصيقة باسمه حياً وميتاً منوها بكونه كان كاتباً ومثقفاً قبل أن يدلف بوابة الوزارة، فقد كانت من أولويات اهتمامه إطلاق حرية الكلمة وخلق بيئة صحية لها، وتشجيع وتحفيز الكتاب ووسائل الإعلام عليها، والحرص على حماية فضاءاتها الجميلة من أن يصيبها التلوث، أو أن يعتريها المرض فضلاً عن أن يمسها ما يقوض هذا الاهتمام الكبير بها مؤكدأ أن محمد عبده يماني لم يغب عن أنظار مجتمعه، ولم يتوار عن أنظار الناس بانتهاء علاقته بالوظيفة الحكومية، فقد بقي قلباً نقياً ينبض بخدمة الناس وتلمس احتياجاتهم، وعقلاً يفكر دائماً بما يمكن أن يقدمه من أعمال إنسانية واجتماعية لخدمة وطنه وإخوانه المواطنين، وظل صديقا للكتاب قارئاً ومؤلفاً، وصوتاً حاضراً بقوة في المنتديات ومنابر الرأي بالكلمة الجميلة التي تتميز بالصدق والموضوعية والهدوء. المداخلات: بعدها فتح باب المداخلات التي استهلها الدكتور أحمد الضبيب أشار فيها إلى أن الراحل يماني كان شخصاً متعدد الجوانب والمناحي في التفكير والعمل منوهاً بالتكامل الإنساني في شخصيته وتمنى في مداخلته أن يكون المحاضر قد سلط الضوء على الجانب الروحاني في شخصيته، أما الدكتور عبدالرحمن الشبيلي فاعتبر أن شخصية الدكتور يماني تركيبة معقدة وخليط من الأشياء ففيه تركيبة من عمل الخير لا يختلف عليها أحد مؤكدا في الوقت نفسه أن الدكتور محمد كان وطنيا مخلصا وذي انتشار مجتمعي مميز ولفت إلى أنه شخص نقي وبريء من الإقليمية كما أن عهده شهد تحولات في الإعلام خصوصا بعد حادثة الاعتداء على الحرم المكي الشريف. وفي مداخلة أخرى دعا الأستاذ عبدالله الشهيل إلى ضرورة الاهتمام بالرموز الثقافية والفكرية وكل من خدم الوطن والاحتفاء بهم وأن تحمل أسماءهم مؤسسات ثقافية ومعالم حضارية أو شوارع رئيسية وأن يعاد نشر نتاجهم ليبقوا حاضرين في فكر الأجيال وختم الشهيل بتأكيده أن الراحل يماني لم تحل دراسته العلمية عن أن يكون موسوعياً في ثقافته وفكره، أما الأديب سعد البواردي فأكد على أن الراحل قيمة وقمة وقامة إنسانية متواضعة وأيد سياسة الإعلام بكياسة فيما علق الدكتور منصور الحازمي على ضرورة الاهتمام بالأحياء وتكريمهم وعدم قصر ذلك على الميتين متسائلاً: لماذا يكثر الضجيج والنحيب على رجالات الدولة فقط رغم وجود شخصيات حية ومعطاءة. من جهته طالب الأستاذ حمد القاضي بتكريم الراحل من خلال مشروعات ثقافية وخيرية أما محمد رضا نصر الله فأشار إلى أن الفقيد علم من الأعلام وجهوده في جامعة الملك عبدالعزيز وغيرها واضحة ولا تنسى فيما استعرض الأستاذ محمد القشعمي جوانب من بدايات الراحل يماني مع الأدب والكتابة وطالب بضرورة دراستها كما شهدت المحاضرة مداخلات أخرى من الأستاذ محمد الأسمري وسعاد يماني وصلاح الدين طاهر والدكتور عايض الردادي والدكتور ابراهيم الشتوي جميعها تناولت مآثر الفقيد ومناقبه وجهوده الخيرية لتختم المداخلات بشهادة لوزير التجارة والمالية الأسبق الدكتور سليمان السليم امتدح فيها انفتاح الدكتور يماني وثقافته التي أثرت الحركة الإعلامية مسجلا للفقيد أنه أطلق الأفكار من عنانها وبدأت الصحافة في عهده تكتب وتمارس النقد المجتمعي. 1