وصف وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، الراحل الدكتور محمد عبده يماني بأنه صنف مختلف بين وزراء الإعلام، ملمحاً إلى جهوده في حلحلة كثير من العوائق البيروقراطية المتعلقة بالرقابة والنشر والكتاب. وقال وزير التجارة الأسبق الدكتور سليمان السليم إن يماني بالغ في تحرير الصحافة والإعلام، ويسجّل له أنه أطلق الأفكار، «إذ بدأت الأقلام تكتب ما لم نتعود عليه من قبل». فيما أشار خالد المالك أثناء إدارته ندوة احتفائية أقيمت صباح أمس في «خميسية الجاسر» تحدث فيها خوجة وحضرها إلى جانب السليم جمهور كثيف ملأ قاعات دارة العرب من المسؤولين والأدباء والمثقفين والإعلاميين، إلى أن الكتّاب لم يشهدوا مثلما شهدته فترة يماني من نصرة لهم وسماح لهم عن كتاباتهم، واصفاً وزير الثقافة الحالي بأنه كان حلقة وصل بين رؤساء التحرير ووزير الإعلام الأسبق يماني حينما كان خوجة وكيلاً له للشؤون الإعلامية. من جهته، أشار الدكتور منصور الحازمي في ندوة الاحتفاء بيماني في الرياض، إلى ضرورة الاحتفاء بالأدباء جميعهم وليس رجالات الدولة فقط، وعقّب عليه خوجة بأن ندوة الوفاء هذه ليماني ليس لأنه رجل دولة وحسب، بل لجهوده الأدبية والإنسانية والاجتماعية، مشيراً إلى أنه غادر عمل الدولة منذ 3 عقود. في الندوة تحدث خوجة عن يماني وقال: «أحاول لملمة نفسي بعد فاجعة رحيله بالصبر الجميل في فقد أخٍ صديقٍ وزميل كنت أقصده في المُلِمات والنوازل فأجده فيها الناصح المشفق، والرجل الحكيم». وأشار قبل أن يلقي أضواء عن يماني إلى أنه تعمّد الحديث عن بعضها رغبةً في إثراء النقاش حوله من مداخلات الحضور. وبدأ خوجة حديثه بأن الكلام عن الراحل محمد عبده يماني ليس يسيراً، لأنه عاش حياة عظيمة وقدّم لأمته ووطنه الكثير، واصفاً حياته بالكتاب المفتوح الذي يقرأه كل الناس، وكأنّ لمعرفتهم به قصة مع كل منهم. وركز في كلمته على خصاله الكريمة في التواضع وحب الفقراء والضعفاء والمساكين ومساعدتهم، ولفت إلى أن الفقيد أخذ من أم القرى أخصّ خصائص أهلها من مروءة وشهامة وخفة الظل، متمثلاً القيم الرفيعة التي جُبل عليها المجتمع المكّي، حتى فاضت عليه بسمة التواضع ولين الجانب. وأضاف: «لم تَغْوه يوماً ما وظيفةٌ كبرى بلغها، ولا درجة رفيعة حازها، وكنت تراه يهشُّ، في مجتمع القوم للكبير والصغير، ويحدُبُ على الفقراء والمستضعفين، ويأنس المحيطون به بقدرته على إذابة الفوارق بألوان من الكلام العذب المشفوع بالعبارات المكيّة التي ألفها أبناء مكة في حاراتها وشعابها، وكأن لسان حاله دوماً: أنا واحدٌ من هؤلاء». وتحدث خوجة عن طلب يماني العلم في الحرم المكي، وعن مشايخه الأجلاء ووفائه لهم جنباً إلى جنب مع أصدقائه، قبل أن يعرّج للحديث عن تاريخ علاقته بالراحل في مراحل حياتهما الجامعية ومزاملته دارساً ومعيداً في جامعة الرياض، ثم وكيلاً ومديراً لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، مشيراً إلى نباهته ونشاطاته المتعددة وثقافته العالية وقال: «كان أنموذجاً للإنسان البسيط الذي ملأ قلبه حب الناس»، قبل أن يضيف أنه يكاد يقول إن مفتاح توفيقه هو برُّه بوالديه حتى وسط انشغالاته في مهماته التعليمية والإدارية والوزارية. كما أشار خوجة إلى إسهاماته في تأسيس جامعة أم القرى. وألمح إلى أن يماني كان راسخاً في مجالات الأدب والقصة والكتابة، مستشهداً بقصصه ورواياته مثل «فتاة من حائل» التي لاقت صدى طيباً لدى النقاد، وقال: «لو أنه تفرغ للأدب لحقق شأناً كبيراً وريادةً، لكنه فضّل الانشغال بهموم وقضايا أمته الإسلامية ووطنه على رغم اشتياقه لصنوف الأدب والكتابة»، وأضاف: «نحن بحاجة لمعرفة يماني المفكر والأديب والشاعر». وختم متوقفاً عند تلقيه خبر رحيل يماني، وذكر قصة وعد باللقاء بينهما لم يتم إلا والراحل في غيبوبته قبل رحيله بساعات. في تقديم الندوة وصف المالك يماني بأنه رجل اجتماعي بامتياز وصاحب مواقف، مشيراً إلى أنه لم يغب بعد انتهاء عمله الوزاري عن الناس، وقدّم أعمالاً إنسانية واجتماعية جليلة. فيما تحدث أدباء من بينهم الدكتور أحمد الضبيب، الذي أكد أنه من الصعب حصر مآثر يماني في محاضرة، مشيراً إلى تشجيعه تنظيم مؤتمر الأدباء السعوديين الأول عام 1394 ه، وتأسيسه المجلس الأعلى للإعلام. ووصفه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بأنه كان تركيبة من الإنسانية وعمل الخير، وقال إنه «كتاب متعدد الفصول والمباحث». وقال عنه الدكتور عبدالله الشهيل: «إنه رمز وطني»، وطالب مع مثقفين آخرين بأن تحمل مؤسسة ثقافية رسمية اسمه. ووصف الدكتور سعد البواردي يماني بأنه «قمة وقامة وقيمة»، فيما طالب عضو مجلس أمناء مركز حمد الجاسر الدكتور عزالدين موسى وزارة الثقافة بتنظيم ندوة كبرى عنه بالتعاون مع «الخميسية». وذكر الأديب حمد القاضي أن يماني يمتاز بثلاث خصال هي العطاء والوفاء والسخاء، وقال الدكتور عائض الردادي إن «أكثر ما يستوقف عند يماني هو إنسانيته وعطفه على الفقراء والمساكين»، مشيراً إلى تعامله الرائع مع الإعلاميين، وأضاف: «دخل الوزارة بتواضع وخرج منها بتواضع»، كما لفت إلى موقفه النبيل من «مجلة العرب» التي كانت ستتوقف لولا دعمه لها إبان وزارته. فيما تحدث آخرون في مداخلاتهم عن مواقفهم مع يماني، وأشار بعضهم إلى إسهامات إسلامية له، منها تأسيس جامعة إسلامية في أميركا، وتأسيس «مؤسسة اقرأ». وشهدت الندوة مشاركات نسائية تحدثت عن بُعد نظر الفقيد وقدرته على معرفة هموم الناس وآلامهم، وأشارت مي الجاسر ابنة الشيخ حمد الجاسر إلى شهادة أبيها عن يماني، إذ قال عنه «إنه رجل كريم ونبيل وفاضل».