من بدايةِ العُمُرِ الطويل بلا ملامِحِهم .. رحَلُوا عن أساطيرِ الكلامِ المُنمّقِ وتركونا نحتفلُ بِغصّةِ الفَقْدِ فينا.. نُعَلّقُ في أفواهِنا شَهْقةَ المَوت وفي جَوْفِنا رياحينِ النُواح.. رحلوا بعدما استعادوا دموعُنا فيهِم رحلوا ليُشاركونا صيحةً عِمْلاقةً في سُقوفِ سَماءِ قُبورِهِم.. .. لم يُصِبِ الأكْفانُ أيّ سَوْءْ هبّتْ نسائِمُ فَجْرُهَا وخَلّفَتْ فِينَا نشيجًا بِلونِ الموْت.. صَنَعُواْ حِكاياتَهم لنا ومَزّقوا صُوَرَ البَقَاءَ فِينا.. رحلوا ليَتْرُكونا سُفُنًا بلا بحرْ نُجَفِفُ حُزْنُنَا بالرملْ.. ... أيها المَوْتُ المُسجّلُ في شَهادةِ عُمْرِنا قُلْ لَنَا كَمْ مَرّةً سَتُبْكيكَ الليالِ ستَنفينا لآخرِ الرّمقِ * المُطرّزِ بالفراغِ المالحِ؟ كم مرةً ستخِر ُ قوانا أمام رائِحَتك ستثورُ الأرضُ من صمتكَ الملكي؟!.. ... هذا الجحيمُ هو الفراغ تَعَلّمَ أن يزْرَعَ شَوْكَهُ في كَفَنُنَا ويُشَطّبُ الألوانَ من ضَحِكاتُنا ويَنفينا كالملوك المنزوعة من عروشها.. ويأخذنا في آخر الأمر إلى سفرٍ على صخورِ نشيجي.. ... رحلوا بَعْدَ أن ركلوا الوجود حولَنا رحلوا وبقينا كالنخيلِ نسْنِدُ بَعضَنا والرطب يتساقط حولنا.. والأرض تحك جذورنا لكنهم رحلوا لنبقى نجمع سعفئنا ونصعد بجذوع الخوف فينا.. لكنهم رحلوا جميعاً لنبقى نحن نُعد أكفان الوداع ونرمم فجوات الريح فينا.. ... رحلوا وتغيرت أصوات النوافذ حولنا تيبست شراشف الليل وتعفرت وجوهنا بالدمع.. رحلوا لنركض في صحراء غربتنا لا جمال تحملنا لا أنهار تروينا.. رحلوا لنسقط كالنيازك بعدهم وندخل في ملهاة البؤس ونهزمُ كالغزاة.. رحلوا لنغرق في بحرِ رحيلهم دون أن نحضى بقبلةٍ منهم تخفف خوفنا.. رحلوا لآخر الجبل المدبب بالنشيج رحلوا على أطراف وجهتنا القديمة للحياة.. النص 2 أتذكرُ أنيّ ولدتُ بوجهٍ شاحبْ فَمِيَ الصغير وأصابعُ قدمي الأصغر.. أتذكر بأني كنت أُمسك بيد أمي بقوة الرطوبة التي فيها اتذكرها.. ... أنا قمحية سمراء شاحبة أنا اللونين والدمُ والماءْ.. لقد ولدت غِضَة ببقع الدم على وجهي ابْتَلَعَ الفجر صوتي وابتاع والدي لي صوت.. ... في زجاجة مستطيلة وضعتني الممرضة وعلى سرير نحاسي تنام أمي.. ومن أنابيب شفافة أُلقم مُري وعبر لمبة ضوء ساطع أُشعلت ثورتي أبكي بلا صوت حين تغرس الإبرة في جسدي وجسدي هش كجناح فراشة. ... عام بعد عام أنا على جنب الشمس سماري يحرق الوقت لا أحد يعرفني رائحة حلوى بالزعفران تحيط بي والأحلام مثلي لا صوت لها... ... لقد ولدتُ شاحبة منذ حبات البرد وسبعة كواكب يحطن رجل شرقي بترت الأرض بياضه وصرخت الأفلاج تحية له.. وغنت الجدات بحنانٍ له. ... كيف حال ياسمينة بيتنا القديم يا أبي.. هل أصابها العطش وحطمها البكاء في العراء..