-1- هل لحياتي من بعدك عنوان يا أماه ؟ أماه...رحلت يا أماه قبل أن أقبل جبينك القبلة الأخيرة ... كنت أتمنى تلك القبلة وأنتِ تشاهديني ، ولكن أبى الموت إلا أن أقبلك وجسدك مسجى على النعش كنت مذهولاً ... كنت لا أعرف نفسي ... كنت أنا لا أنا ... حينما قبلت رأسك قبل الصلاة ... توقف الزمن ، وأنا أرى جسدك النظرة الأخيرة ، كان زمناً صعباً ذاك الزمن ، وأنا أمامك وأنت أمامي ولكن كلانا لا يستطيع أن يعمل شيئاً للآخر ، قبلت جبينك وأنا أعلق أن هذه القبلة سأتمناها يوما ما ، لم أستطع أن أرفع رأسي عن جبينك ، وكأني أصرخ بك يا أماه ، أرجوكِ لا ترحلي ، لا تتركيني هنا لوحدي ، ولكن حكم القدر أن تتركني أمي وترحل ، وأن أتركها وأرحل ... وعدت يا أماه إلى داري ، لا أرى الأشياء كما هي ، فهناك قطعة كبيرة قد استأصلت من جسدي شعرت إني يتيم ، مشرد ... تائه ... مسروق ... شعرت أن الحياة ناقصة ، وحين دفنتك بيدي شعرت أن حياة ستمضي ناقصة حتى يدفنني من يدفنني !... عاهدت نفسي يا أماه أن أقبل جبين من قبل جبينك في حياتك، لعل ما تحبين يا أماه أشتم منهم رائحتك رغم بساطة أمي فقد رحلت، رحلت وتركت كل شيء خلفها، رحلت وتركتني أساهر الفقد وأبكي لوحدي، رحماك ياالله ففي موت أمي قد سقط سقف بيتنا، وضاع الأمان، رحماك ياالله فكل الوجوه التي لم تفتر حين تراني تبتسم هي نفس الوجوه التي كشرت بعد موتي أمي ، رحماك الله فلن أشتكي لغيرك وأمي قد رحلت إلى رحمتك ... ماتت أمي وبدأت كل الحكايات ، فمن يفقد الأمن والسعادة كيف له أن يجابه الحياة بابتسامة ؟!.. في حياتها لم أفارقها أبداً ، واليوم أرى نفسي قد فارقتها ، كم أنا قاسي القلب ، كم أنا عاق بأمي ، فأمي هناك تحت الثرى لوحدها ، يأتي عليها الظلام لوحدها ، وأنا هنا لست معها ، ما أقوى قلبي على العقوق ، فكيف أعيش بهذه الحياة وأمي هناك تعاني الوحدة لوحدها !... -2- قد تكون هذه الأحرف رسالة من إنسان تربى على الفقد وعاشر الحزن بصمت ... وقد تكون أحرفي هذه مجرد هلوسات لرجل تاه في طريق يعرفه جيداً ... وقد تكون رسالة إلى المجهول ، ليقرأ وصية لرجل لم يخن الحزن ويبتسم للفرح ... ولكنها أحرفي لا أنكرها ، فلا خوف على أحرفي من أحد، سأكتبها بعدما مسحت الدمعة الأولى من خدي ليلة البارحة ... هي رسالة وسأكتبها وبعد ذلك لست مسؤول عنها ، فمن يقرؤها ستعجبه دمعتي، أو ربما يمزقها ويرميها على الأرض، وأبداً لن تسحب دمعته لتواسي دمعتي ... -3- إن أحببت يوماً ... فأمي هي الوحيدة التي أحببتها ... وإن فرحت يوماً ... فبسمة أمي هي سبب فرحتي ... وإن حزنت يوماًً ... فأمي التي أحزن لفقدها ... وإن بكيت يوماً ... فأمي ليست بجانبي! ... -4- أتعبتني الأيام بفقد أمي، وفقدت كل طرق الحياة وأنا أبحث عن صوتها، وعضضت أصابعي ندماً حينما تذكر حزن أمي وتضايقها من شيء ما ليس لي فيه سبيل . يوما ما طرق الموت بأبي وأخذ أمي ... وهدوئي . وراحتي ... وبسمتي !... وتركني أبحث عن أمي وهدوئي وراحتي وبسمتي ، وأنا أعلم جيداً من يأخذه الموت لا يمكن أن يعود ، لذا لا تسألوني عن هدوئي وراحتي وبسمتي ، واسألوني فقط عن أمي لأنها تعيش مع نبضات فؤادي ومع مسرى الدم في عروقي !....