الأخطاء الطبية .. مستقبل مخيف ولكن ... ابدأ بمقولة (القابلية لفعل الخطأ هي من طبائع البشر , وقد يكون من الصعوبة تغيير طبائع البشر ولكن يمكن تغيير الظروف التي يعمل تحتها البشر) . قبل سنوات كانت قضية الطفلة رزان والتي توفت بعد نسيان قطعة شاش في بطنها , وبعدها بسنة تم نسيان مقص بطول خمسة انش في بطن مريضة بعد عملية قيصرية , وهناك قضية رهام الشهيرة ثم خلال ثلاثة اشهر مضت طالعتنا الصحف بخبر الطفل الذي دخل ليعمل عملية لوز فانتهت العملية بقطع لشرايين العنق الرئيسية , وخبر مريضة اللوز والتي انتهت بعملية لشرخ شرجي !! . ثم قضية المريض الذي جاء ليأخذ ابرة فولتارين لتخفيف الم في ظهره فانتهت بشلل للطرف السفلي بعد اصابة العصب المغذي للقدم !! كانت ردة فعل الاعلام قوية وكانت تهديدات ووعيد المسؤولين اقوى وكانت العقوبات اكثر قوة ولكن هل تم حل كابوس الاخطاء الطبية وهل نقص معدلها ام هو في ازدياد وكيف هي ثقة المواطن في الخدمات الصحية ؟؟ . عندما يغلب الحماس على العقل وتطغى الحلول الارتجالية على مبدأ التبصر والتعقل نجد انفسنا ندور في حلقة مفرغة . وهناك معلومة مؤكدة فإنه مع افتتاح المستشفيات الجديدة ودخول نوع جديد من الخدمات والعمليات المتقدمة واستقدام اطباء متوسطي الخبرة فإن الاخطاء الطبية سترتفع في المنطقة , ويمكن تفسير ذلك بأن الاخطاء الطبية في الولاياتالمتحدةالامريكية رغم تميزها طبيا هي اضعاف الاخطاء في دول الخليج مجتمعة . ففي امريكا يتم سنويا اجراء اكثر من (ثمانية ملايين عملية ), يتعرض فيها ما يقارب تسعون الف مريض لأخطاء طبية قاتلة ويتعرض مليون شخص لعاهات طبية مستديمة . وعلى الرغم ان عدد الوفيات لا يزيد عن حالة وفاة في كل مئة الف شخص في حالات حوادث الطيران والسكك الحديدية والقوة النووية والمصانع الكيميائية والأمراض البيولوجية كالفيروسات , فإن هذا العدد يرتفع في حالات الرعاية الصحية !! فلماذا ؟؟؟ سأتحدث هنا بمنطق العقل عن اسباب حدوث الاخطاء الطبية وكيف هو التصرف الشائع مع الاخطاء الطبية وكيف يجب ان يكون التصرف الامثل للحد من وقوعها .في دراسة بجامعة هارفارد تم اجرائها على اكثر من ثلاثين الف مريض وجدوا أن 5% توفوا بسبب حوادث عرضية من الطاقم الطبي وأن 50% من هذه الحوادث الطبية كان يمكن تلافيها , كذلك فإن 18% من المرضى حدثت لهم مضاعفات خطيرة بسبب الادوية ؛ وعندما نراجع الاخطاء الطبية في دولة مثل امريكا نجد ان 50 % من الاخطاء هو بسبب الجراحات ثم الادوية ثم اخطاء التشخيص وخطة العلاج بينما في السعودية تظل امراض النساء والولادة هي الاكثر بنسبة 37%. متبوعة بالجراحات ونفتقد الى وجود معلومات موثقة عن أثر الأدوية ، وإلى دراسة عملية لمتابعة أداء الأطباء من حيث عملية التشخيص وبناء خطة العلاج . والغريب في دولة مثل استراليا فإن الاخطاء في التشخيص وخطة العلاج تفوق اخطاء الجراحات التي تحتاج لمهارة فائقة بنسبة كبيرة !!! وهناك اتفاق أن المرضى الاكثر عرضة للأخطاء الطبية هم المرضى الذين يخضعون لجراحات القلب والأوعية الدموية والجراحة العامة والقيصريات , كذلك فأن المرضى الذين يعانون من امراض مزمنة كالضغط والسكر وحالات طبية حرجة كحالات السرطان يجعلهم اكثر عرضة للأخطاء الطبية .كذلك لاخلاف ان الحالات الطارئة والحالات التي يتم متابعتها من اطباء اقل خبرة هي اكثر عرضة للخطأ الطبي . ولكي نجيب على سؤال ؛ لماذا تحدث الاخطاء الطبية ؟ فعلينا ان نتذكر ان الطبيعة التي تؤكد وجود الانسان هي مقدرته على ارتكاب الخطأ, يضاف غلى ذلك فإن علم الطب معقد ومبهم وليس واضحا وبسيطا كما تعتقد الغالبية, و معظم الاخطاء هي بسبب خللل الانظمة ونقص التدريب والعمل لساعات طويلة تحت الجهد والارهاق , وضعف عملية المراجعة والتشييك على الاجراءات التي تم اتخاذها للمريض .وقليل جدا من الاخطاء بسبب الاهمال واللامبالاة . إ إن الرعاية الصحية العالمية لم تتخذ خطوات فاعلة للوصول لحالة آمنة من حدوث الأخطاء الطبية؛ وما أعنيه وجود نظام صحي فاعل ، وعليه يجب ان يكون الاعتقاد ان الخلل في النظام , وان اصلاح النظام هو حجر الزاوية في تقليص الاخطاء الطبية وتخفيف تبعاتها .واصلاح النظام يتطلب تخفيض التعقيدات والاجراءات الطويلة والعمل بحكمة ورؤية بعيدة عن العواطف والانفعالات ووضع ضوابط وقيود لمنع حدوث الخطأ اصلا وكذلك الاهتمام بالتدريب والتحسين المستمر. وإن بناء نظام صحي امن يتطلب مراجعة المبادئ والاسس وتصحيح السياسات والاجراءات الحالية وتفعيل الممارسة الامنة المبنية على مبدأ الطب المبني على البراهين ومشاركة المريض في اتخاذ القرار .إن العلاج الفعال يتمثل في تجويد السلامة والبحث عن افخاخ الاخطاء الطبية وإزالة العوامل المسببة للخطأ ومنع وقوعه . ان تجريم وتوبيخ المخطئ لن يحل المشكلة ولن يمنع تكرارها والدليل ان اخطاءنا تتكرر وتزداد , كذلك فإن التجريم والتوبيخ سيجعل الممارس الصحي يخفي اخطاؤه مستقبلا وهذا ما يحدث فعليا في صحتنا حاليا .كذلك فإن التجريم والتوبيخ سيؤدي الى وقوع ضحية ثانية للخطأ وهذه الضحية هي الممارس الصحي نفسه .