توجه إلى الطبيب يشكو من صداع، ففحصه ملياً، وبعد قياس ضغطه تبين أنه مرتفع، فحرر له علاجاً لخفضه. مر أسبوعان على العلاج والصداع ما زال على حاله لم يتغير، ولكن شيئاً جديداً حصل له هو أنه بدأ يشكو من الدوخة التي لم يعرفها من قبل. استشار طبيباً آخر، وبعد الفحص والتمحيص والتقصي قال له: أشك أنك تعاني ارتفاعاً في ضغط الدم، وللتأكد من الأمر عليك أن تأتي مرات عدة لقياسه. وبالفعل التزم المريض تعليمات طبيبه، وبعد قياسات عدة لأرقام الضغط استغرقت بضعة شهور، تبين أن المريض لا يعاني ارتفاعاً في ضغط الدم، وبالتالي لا لزوم لدواء كان يتوجب عليه أن يأخذه مدى حياته، ما يعني أن التشخيص كان خاطئاً منذ البداية، والسبب يعود إلى خوف المريض الذي يطلق العنان لهورمونات الغضب التي ترفع الضغط موقتاً. إنه مثال من أمثلة كثيرة عن الأخطاء الطبية التي باتت مشكلة كبيرة، خصوصاً في البلدان الفقيرة، فلا يخلو بلد، مهما تقدم في العلم، من الأخطاء الطبية القاتلة، وفي هذا الإطار كشفت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت تشان أن الأخطاء الطبية المرتبطة بالرعاية الصحية تنال من مريض واحد من بين عشرة في كل أنحاء العالم مؤكدة أهمية العمل على إيجاد الوسائل الكفيلة بمنعها. وعن الأخطاء الطبية يقول ويليام دونادسون رئيس التحالف العالمي من أجل سلامة المرضى بإشراف منظمة الصحة العالمية، إن الحلول التي تتعلق بكيفية الحد من الأخطاء الطبية أثبتت فاعليتها، ولكن نسبة حدوثها عالمياً ما زالت على حالها، حتى في المستشفيات الراقية التي تحاول كسر هذه النسبة نحو الهبوط. إن الأخطاء الطبية ليست موضوعاً جديداً، فهي مشكلة تجتاح كل بلدان العالم بما فيها التي تملك أنظمة صحية متطورة جداً، وهي موجودة من زمن طويل، ولكن الانشغال فيها لم يبدأ إلا في نهايات السنوات الأخيرة من القرن العشرين، وتحديداً في العام 1990 في الولاياتالمتحدة حيث حققت السلطات في قضية خطأ طبي، وبعد سنوات قررت تشكيل منظمة مستقلة لتحليل الأخطاء الطبية وسلامة المرضى، وبالتالي طرح التوصيات المتعلقة. وما إن أتى الشهر الثاني من العام 2000، حتى أصدرت المنظمة تقريراً تضمن أن عشرات الآلاف يموتون سنوياً بسبب الأخطاء الطبية، وأن مئات الآلاف يتضررون من جرائها. فكم من الوفيات تسجل في خانة القضاء والقدر وسببها أخطاء طبية واضحة وضوح الشمس؟ وإذا كانت الدول المتقدمة تنشر تقارير رسمية عن معدل الأخطاء الطبية التي ارتكبت فيها، فإنها في بلدان الشرق الأوسط شبه معدومة، إن لم تكن معدومة كلياً، والتي غالباً ما نسمع قصصاً عنها في وسائل الإعلام. وحتى في الدول المتطورة، فإن الأرقام المنشورة عن الأخطاء الطبية لا تعكس الواقع لأسباب كثيرة منها عدم الإبلاغ عنها، وعدم وجود نظام محدد للإبلاغ، وعدم وجود طريقة تساعد على التصريح. وفي الولاياتالمتحدة يموت سنوياً أكثر من 100 ألف شخص بسبب الأخطاء الطبية، وفي بريطانيا تعتبر الأخطاء الطبية القاتل الثالث بعد السرطان والأزمات القلبية. صحيح أن الكادر الطبي من البشر غير المعصومين عن الخطأ، ولكن عندما تكون نتيجة الخطأ فقدان روح، أو إصابة الشخص بعاهة دائمة، فإن هذا الخطأ هو جريمة يعاقب عليها القانون. والأخطاء الطبية ليست محصورة بالأطباء فقط بل بالمستشفيات، ودور التمريض، والعيادات الخاصة، والصيادلة، وغرف الطوارئ، ووحدات الإسعاف المنزلي. ان الأخطاء الطبية متنوعة، وهي حصيلة عوامل عدة مجتمعة، وفي ما يأتي نعرض أكثر الأخطاء شيوعاً: أخطاء في التشخيص، وهذه قد يكون سببها المباشر الطبيب، أو قد تنتج من سلسلة من المعلومات الخاطئة، سواء من المختبر، أو من معمل الأشعة، أو حتى من المريض نفسه، أو من أشخاص آخرين، أو قد تكون الأخطاء ناتجة من عدم توافر الإمكانات التشخيصية. إن التشخيص الخاطئ قد يؤدي إلى تفاقم الحالة المرضية، أو قد يسبب الوفاة. وتفيد دراسة أميركية بأن حوالى 5 في المئة من مرضى المستشفيات الذي قضوا نحبهم كان يمكن أن يبقوا على قيد الحياة لو تم تشخيص أحوالهم في شكل صحيح. أخطاء في وصف الدواء، مثل إعطاء المريض دواء خاطئاً، أو إعطاء جرعات تنقص أو تقل عن الحد، أو إعطاء دواء غير مرخص به، وغير ذلك. أخطاء بسبب عدم وضوح الوصفة الطبية. أخطاء التواصل ونقل المعلومات الطبية سواء بين الفريق الطبي في القسم الواحد، أو بين أقسام الطب المختلفة. أخطاء في التخدير أو في إعطاء جرعات الأدوية المخدرة. أخطاء تقنية، مثل وضع اسم مغلوط على العلبة الحاوية للدواء، أو وضع فصيلة دم مختلفة على كيس الدم. عدم توافر الإمكانات الطبية. إجهاد الكادر الطبي، كأن يعمل فوق طاقته. أخطاء ناتجة من المريض كأن يصل متأخراً إلى المركز الطبي. أخطاء خاصة بالعمليات الجراحية. أخطاء تتعلق بالولادة. نقل الدم. عدم توافر الخبرة الكافية. سوء استعمال الأدوات والآلات الطبية. عملية التلوث البسيط في المستشفيات بسبب عدم قيام العاملين فيها بالحد الأدنى من النظافة، وهو غسل الأيدي، الأمر الذي يؤدي إلى إيذاء الملايين من الأشخاص يومياً. السؤال المطروح هو: ما السبيل إلى معرفة أن الموت كان بسبب خطأ طبي أم لا؟ إن تشريح الجثة يعتبر عملية اساسية لكشف ما إذا كان المريض تعرض لخطأ طبي أم لا، وإذا لم يتقدم أحد بشكوى، فإن الخطأ الطبي سيدفن مع المتوفى من دون أن يتمكن أحد من رصده. إن وجود جهة رقابية تهتم برصد الأخطاء الطبية والشكاوى المقدمة في شأنها يساهم كثيراً في الحد من هذه الأخطاء وبالتالي الأخطار المترتبة عنها. ولكن يجب ألا يغرب عن البال أن هناك من يتقدم بشكاوى طبية كيدية غايتها الأولى والأخيرة الابتزاز فقط. كما يجب التنويه بنقطة تعتبر في غاية الأهمية وهي أن هناك ما يعرف بالمضاعفات الطبية التي لا علاقة لها بالأخطاء الطبية، لا من قريب ولا من بعيد. [email protected]