بطء الإجراءات فرصة ذهبية لفرار مرتكبيها و"المضاعفات" تقلق مديريات الشؤون الصحية في الوقت الذي تسعى فيه وزارة الصحة لوضع حلول قطعية للحد من انتشار الأخطاء الطبية المتسببة في حصد أرواح العديد من الأشخاص، لم تعط بعض الحلول التي بدأت في تنفيذها بالفعل النتائج المرجوة منها، خاصة في ظل انخفاض قيمة الغرامات التي تفرضها الوزارة على المستشفيات والأطباء أثناء ارتكاب الأخطاء الطبية بحق المرضى، مما دفع بعض مديري الشؤون الصحية في مناطق المملكة لتشكيل لجان للتفتيش على المرافق الصحية من أجل ضبط المخالفة وإغلاقها كإحدى الطرق التي قد تخفف من ارتكاب الأخطاء الطبية داخل المنشآت الصحية. رقابة مباشرة ووفقا لما أشار إليه مدير الشؤون الصحية في جدة الدكتور سامي بادواد فإن الجولات التفتيشية التي تنفذها إدارة الرخص الطبية بأمر من الشؤون الصحية تساهم في التقليص من حدوث الأخطاء الطبية داخل المنشآت الصحية، موضحا أنه منذ شهرين ولجنة الإغلاق بإدارة الرخص الطبية تباشر جولاتها اليومية على المرافق والمنشآت الطبية الخاصة بجدة، للكشف عن مخالفات صحية جديدة مما حدا بها إلى إغلاق أكثر من منشأة صحية مخالفة منها مجمعان طبيان وجدت اللجنة خلال جولاتها أن أحدهما يعمل دون تراخيص مهنية للأطباء العاملين فيه بالإضافة إلى تشغيل عيادة النساء بطبيبة عامة وعدم وجود أخصائية متخصصة في تخصص النساء والتوليد كما أن قسم الأشعة يعمل دون وجود أخصائي أشعة ولا يوجد به سوى فني للأشعة وهذه مخالفات تستدعي الإغلاق التحفظي لهذا المجمع إلى أن يقوم مالكه بتصحيح أوضاعه ودفع الغرامات المترتبة عليه التي تحددها لجنة المخالفات الصحية بصحة جدة. وأردف باداود بأن إغلاق مجمع العيادات الآخر كان بسبب انتهاء ترخيص المجمع منذ أكثر من عامين دون تجديده، كما أن الترخيص الممنوح للمالك كان على أساس أنه مجمع للعيادات العامة ولكنه خالف ذلك بتشغيل المجمع كعيادات لعلاج وتقويم الأسنان وبالتالي فإن هذه المخالفات أوجبت إغلاقه التحفظي إلى أن يتم تصحيح أوضاعه. وأكد مدير صحة جدة أن إدارته ماضية في تنفيذ حملاتها التفتيشية التي بدأتها بهدف منع حدوث مثل هذه المخالفات الصحية التي تتسبب في إحداث الضرر بصحة المواطنين والمقيمين ووعد في ذات الوقت بأنه لن يتهاون في تطبيق الأنظمة المعمول بها من قبل وزارة الصحة في هذا الجانب على الجميع ودون استثناء. رؤية خاصة وذكرت مصادر من وزارة الصحة ل"الوطن" أن الوزارة تسعى إلى تطبيق مفهوم حديث خاص يعمل على تطوير الخدمات الصحية في جميع أنحاء المملكة، يعرف ب"الرؤية الخاصة الإلكترونية" حيث سيعطى كل مريض يسجل عن طريق الموقع رقما سريا خاصا يستطيع من خلاله الاطلاع على الخدمات الصحية المقدمة في كافة المستشفيات بالمملكة، والحفاظ على خصوصيات المرضى من العبث بها، فهدف البرنامج السعي إلى التأثير الإيجابي على حياة المرضى في المرافق الصحية من خلال الخدمات الصحية التابعة للوزارة، وأضافت المصادر أن تطبيق هذا النظام سيعمل على توفير الوصول إلى المعلومات الصحية الموثوق فيها عن طريق الإنترنت ورسائل الجوال، ويعمل النظام على تسهيل الوصول للخدمات الصحية المرغوب فيها من خلال الإنترنت وذلك عبر موقع تخصصة الوزارة، والهدف من ذلك هو اختصار الوقت والجهد، والحصول على التشخيص السريع عند الحاجة إلى العناية الطبية والتقليل من فترة انتظار المرضى للمواعيد الطويلة، بالإضافة إلى التغلب على الإجراءات الروتينية غير الضرورية، وسيوفر النظام عرض المعلومات الصحية الخاصة بالمريض وفي أي وقت والقدرة على معرفة الأشخاص المطلعين عليها ولأي غرض. كذلك يتيح النظام إمكانية إضافة المعلومات الصحية من قبل المريض التي يرغب في تسجيلها كالوضع الصحي أو الأعراض أو المؤشرات الحيوية أو أي معلومة قد تهم موفري الخدمة، وسيمنح البرنامج المريض الثقة بموفري الخدمة لحصولهم على التدريب والمهارات اللازمة والمعرفة القائمة على الممارسات والبراهين الطبية، بالإضافة إلى أنهم يخضعون لمتابعة وقياس قدراتهم وكفاءاتهم العملية، مع الوثوق بسرية المعلومات الطبية وعدم تمكين الأشخاص غير المصرح لهم من الوصول إليها، وتوفير المعلومات الطبية الشخصية للمريض عند الحاجة إليها أثناء السفر داخل أو خارج المملكة عن طريق الإنترنت وذلك بعد إدخال الرقم السري الخاص والمعتمد لتصريح الوصول الآمن والشعور بالأمان لمعرفة أن النظام الحاسوبي للصحة الإلكترونية لوزارة الصحة والمستخدم من قبل موفري الخدمة يساهم في الحد من الأخطاء الطبية والحوادث مثل التداخلات الدوائية. اقتراحات بمواجهة حاسمة ومن جهته كشف عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئية الدكتور عبدالله زبن العتيبي ل"الوطن" أن عدم وجود توثيق لقضايا الأخطاء الطبية يعود لعدة أسباب منها ضعف آلية رصد الأخطاء وطريقة التبليغ عنها، ولذلك فإن إيجاد مدونة للأخطاء الطبية يساهم في دراسة أسباب وقوع هذه الأخطاء والعمل على إيجاد حلول إيجابية لنزع جذور هذه المشكلة، ولذلك تقدمت لجنة الشؤون الصحية والبيئية لمجلس الشورى بطلب لإيجاد "مدونة للأخطاء الطبية" يتم من خلالها توثيق حالات الأخطاء الطبية عن طريق حصر عددها في جميع المستشفيات الحكومية والأهلية. وأوضح العتيبي أن التقرير الذي قدم لمجلس الشورى يوصي بإيجاد سجل وطني أو مدونة توثق هذه الأخطاء. وأضاف أن المقترح وجد قبولا من قبل أعضاء مجلس الشورى الذين رفعوا به إلى المقام السامي ووزارة الصحة، وما زلنا في انتظار صدور قرار من وزارة الصحة لإيجاد هذه المدونة. وأكد العتيبي أن قضايا الأخطاء الطبية في المستشفيات من القضايا الشائكة وذلك لعدم وجود سجل يوثق عدد الأخطاء الواقعة في المستشفيات أو الأسباب المؤدية لها، وتوجه اللجنة الصحية في مجلس الشورى لإيجاد هذه المدونة يسهل وضع آلية تساهم في إيجاد حلول إيجابية للقضاء على الأخطاء الطبية مستقبلا ومنع حدوثها. إبلاغ فوري أوضح مدير الشؤون الصحية سابقا في منطقة القصيم الدكتور عاطف سرور أن وزارة الصحة حريصة على وضع أنظمة وتطبيقها في ظل توفير خدمات طبية راقية، تحرص على خدمة المرضى لذلك تم استحداث برنامج يعرف بالأحداث الجسيمة ويعمل به من منذ سنوات وأدرج ذلك ضمن مجموعة من الأنظمة الإلكترونية الخاصة التي تعتمد على تسجيل البيانات وسرعة نقلها، حيث يرتبط هذا البرنامج بخدمات البوابة الإلكترونية التابعة لوزارة الصحة، ويتم من خلاله تسجيل جميع مستشفيات وزارة الصحة ومستشفيات القطاع الخاص، مؤكدا أن برنامج تسجيل "الأحداث الجسيمة" سيساعد على وضع تحليل الأسباب الجذرية وتطوير الوسائل الوقائية التي تحول دون تكرار الحدث أو مسبباته. وأشار إلى أنه عند حصول حدث جسيم في المستشفى يسجله مستخدم النظام المصرح له، ليباشر بعد ذلك بشكل فوري إرسال رسالة نصية تصل إلى قيادات الوزارة عبر هواتفهم الجوالة تشير إلى ذلك الحدث وتاريخه ومكانه، ويتم بعد ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة فيتم الاتصال بالمستشفى لأخذ المعلومات كاملة بالإضافة إلى مطالبة المستشفى بإرسال نتائج تحليل الأسباب الجذرية وراء الحدث الجسيم، مشيرا إلى أن وزارة الصحة شددت على القطاع الخاص أو المستشفيات التابعة لها بالتسجيل الفوري للأحداث الجسيمة وسوف تكون هذه المنشآت تحت المجهر في حال التباطؤ في التسجيل أو عدم إجراء التحليل الجذري للحدث الجسيم، وذلك لتحقيق الهدف المرجو من البرنامج وهو رفع مستوى الجودة في تقديم الخدمات الصحية للمرضى. الأخطاء والمضاعفات ومن جهته قال مدير مستشفى الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور محمد المبارك: لا بد من التفريق بين الأخطاء الطبية والمضاعفات، فهناك شكاوى تأتي إلى وزارة الصحة وبعد التحقيق فيها يتضح أنها مضاعفات وليست أخطاء طبية، وهذا لا ينفي وجود أخطاء طبية فهي موجودة، والتغلب عليها يتطلب تفعيل ما يعرف ب"أهداف سلامة المرضى الدولية" التي تطبق في كافة المستشفيات في أنحاء العالم، وتطبق في مستشفيات السعودية ولكن الأمر يحتاج إلى متابعة أكثر حتى يتم تفعيله بشكل إيجابي، وتشتمل تلك الأهداف على ستة محاور منها تعريف المريض من خلال توثيق معلوماتي وتحديد الطريقة في التعريف عن المرضى بالتفاصيل، والتواصل الصحيح بين العاملين داخل المستشفى، والتحريز الشديد على الأدوية شديدة الخطورة، وعند إجراء أي عملية لا بد من وضع علامة على المنطقة المراد إجراء العملية عليها، بحيث يتم تحديد المنطقة بلون لا يتم مسحه حتى يستطيع الجراح معرفة الجهة الصحيحة في إجراء العملية، والتقليل من حدوث عدوى المستشفيات وذلك من خلال تقليص فترة إقامة المرضى في المستشفيات، والمحافظة على المرضى الذين لديهم ميول للسقوط أثناء إقامتهم في المستشفيات كالمرضى كبار السن. وأوضح المبارك أن توفير الشروط الستة تجنبنا ارتكاب الأخطاء الطبية، مشيرا إلى أن الجولات التفتيشية التي يقوم بها بعض مديري الشؤون الصحية عن طريق إدارة الرخص الطبية للكشف عن المنشآت المخالفة تحد بشكل كبير من الأخطاء الطبية لأن هذه الجولات تكشف جانبا القصور الذي تعاني منه هذه المنشآت وتمكن من القضاء على النواحي السلبية. ردع قانوني من جهته ذكر رئيس الهيئة الصحية الطبية الشيخ عبدالرحمن العجيري أن هناك عددا من الحلول الإيجابية التي قد تساهم في وضع رادع للأخطاء الطبية من خلال تخصيص محاكم للأخطاء الطبية للنظر في هذه القضايا وسرعة البت فيها، وذلك لعدم تفرغ أعضاء الهيئة الشرعية وقلة عددهم. وطالب العجيري بأهمية وجود جهة من قبل وزارة الصحة يكون اهتمامها متابعة الأخطاء الطبية للتحقيق في مسبباتها، كاشفا أنه في حال ترك أحد أعضاء الهيئة موقعه سيستغرق البحث عن بديل آخر وقتا طويلا لعدم رغبة العديد من الأطباء والأكاديميين في الالتحاق بالهيئة الشرعية الطبية حتى لا يتم الالتزام بالعمل فيها بصفة مستمرة، وأشار العجيري إلى أنه يجب على وزارة الصحة الإسراع بإيجاد آلية سريعة للقضاء على الأخطاء الطبية فأرواح البشر تحتاج منا كل التعب والجهد لنحافظ عليها. وأكد أن إغلاق المنشآت المخالفة من خلال الجولات التفتيشية وتكثيفها من قبل الشؤون الصحية في كل منطقة قد يسهم إلى حد ما في القضاء على المخالفات داخل هذه المستشفيات والمنشآت الصحية. ودعا إلى أهمية إعادة تشكيل اللجان الشرعية بتخصيص أعضاء متفرغين للهيئة وأهمية ربط معلومات الأطباء بكافة المستشفيات عن طريق الحاسب الآلي، بحيث تكون هناك مرجعية يتم من خلالها ربط الهيئة الشرعية بموقع يضم جميع معلومات الأطباء ويتم من خلاله معرفة مسيرة عمل هؤلاء الممارسين للطب والأخطاء الطبية التي ارتكبوها خلال فترة عملهم بالمستشفيات بمختلف مناطق المملكة، وأكد أن هناك ما يقارب 4 أطباء تمكنوا من الهروب خارج المملكة بعد ارتكابهم أخطاء في حق مرضى أودت بحياتهم. وأرجع تمكن هؤلاء الأطباء من الهرب لضعف الرقابة من قبل وزارة الصحة على مرتكبي الأخطاء الطبية، ولعدم وجود رادع يمنع سفر الأطباء المطلوبين في قضايا الأخطاء الطبية المختلفة، وطالب بإيجاد عقوبة رادعة للأطباء الهاربين خارج المملكة والمتسببين في حدوث أخطاء طبية قد تكون قاتلة للمرضى داخل المستشفيات، وأشار إلى أنه لا بد من إيجاد عقوبات صارمة على مالكي المستشفيات الذين يمكنون الأطباء من العمل وإجراء عمليات جراحية دون الحصول على تراخيص طبية.