جاء الحبيب صلى الله عليه وسلم بالمنهج الوسطي (الإسلام الحق) , فساد وبلغ مشارق الأرض ومغاربها فما دخل مصر من الأمصار إلا تمسكوا ببقائه حتى من غير المسلمين , فقد وجدوا فيه العدل والإنصاف واحترام الإنسان لإنسانيته , فجميع الأحكام التي فيها اظهار عزة الإسلام لم تكن على العامة من غير المسلمين , بل كانت على الطغاة والمحاربين له والخائنين للعهود والمواثيق التي عقدها المسلمين معهم , فلم يستعبد الإسلام المعتزلين للحرب ولم يقاتلهم , ولم يقتل شيخا ولا امرأة ولا معتزل لحرب حتى وإن كان قويا , ولم يحرمهم من حقوقهم وأموالهم بل منع المسلمين من أذيتهم والاعتداء عليهم في عقائدهم وتجارتهم الخاصة بينهم حتى وإن خالفت الشرع المطهر . من تلك العدالة العظيمة والوسطية الحقة انتشر الإسلام في كثير من الأمصار دون جهاد , فغاية العامة وهم السواد الأعظم من البشرية هو العدل والإنصاف وهو ما وجدوه في المنهج الإسلامي بوسطيته الحقة , لا وسطية التيارات الفكرية التغريبية أو الإسلامية , التي جعلت معيارها المصلحة الخاصة التي تخدم التيار لا الأمة . وفي العصر الحديث انتفت تلك الوسطية لتسيطر وسطية الغلو والتطرف , فالغلاة يرون الوسطية فيما يقومون به , كذلك التيارات المنحلة ترى الوسطية فيما تقوم به , وكل يرى وسطية الإسلام بمنظور تياره الذي ينتمي له لا بمنظور النصوص والسنة الفعلية للحبيب صل الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده , فنشأ ذلك التباين والتخبط الذي جر المجتمعات للابتعاد عن الوسطية الإسلامية الصحيحة , فالتيارات المنحلة باعتدائها على الثوابت صنعت تيارات مضادة , بلغ بها الغلو مبلغة غيضا على ثوابتها , كذلك الغلاة صنعوا تيارات مضادة خرجت من الكبت لا يهمها إلى أين تخرج ولكن يهمها الخروج بأي طريقة , فرأينا الإلحاد يقع في صفوف من تربوا على الإسلام والإنتماء للتيارات الفكرية التغريبية ... . وقد ساهمت تلك التيارات المتضادة في ايجاد مبرر في الواقع للإساءة إلى الإسلام والمسلمين , فلم يعد يصعب على المسيئين للإسلام والمسلمين البحث عن مشاهد مركبة , بل ينقل عن تلك التيارات المخالفة للإسلام وينسب أفعالها للإسلام ويصوره بتلك الصورة البغيضة التي تنفر الناس منه . 1