أجمع اختصاصيون شرعيون واجتماعيون على أحقية المرأة بالخطبة لنفسها ممن ترى فيه الخلق ومقومات الرجل المناسب، واعتبروا ذلك جزءاً من حقوق المرأة التي أباحها لها الدين الإسلامي وتخوف منها المجتمع، منوهين ضرورة وجود الوسيط لحفظ مكانة المرأة . وأكد عضو رابطة علماء المسلمين والأستاذ بالفقه المقارن الدكتور عبد العزيز عرب في حديث إلى «الحياة» أن الشريعة لم تحرم خطبة المرأة لنفسها مشيراً إلى أن ذلك يمكن حدوثه مع وجود بعض الضوابط الشرعية. وقال عرب : «حين تقوم المرأة بالخطبة لنفسها على من يناسبها مباشرة أو تعريضاً من أصحاب الدين والخلق فإن هذا الأمر لم تمنعه الشريعة، وإنما سكتت عنه بل وقع ذلك لنبي صلوات الله عليه وبعض أصحابه ولكنها حالات فردية وقعت ولم تكن بصفة العموم» ونوه إلى أن حياء المرأة يمنعها من الخطبة لنفسها وحتى لا يظن بها سوء إذ غلب على الكثير منهن في هذه الأيام أن تخطب من يناسبها لجماله أو لماله وجاهه أو لميل عاطفي فهي بهذا لم تخطب الكفء، لذا كثر حينئذ الانفصال والمشكلات لمن سلكت هذه الطريقة، لذا لم ينصح بهذا مع جوازه وعلل ذلك بأن من أقل أضراره أنه سيساء بها الظن ولن يفهم فعلها أحد وقد يسقطها في أمور هي في غنى عنها. وأضاف: «المرأة التي تخشى على نفسها من الانتظار والفتنة إن وجدت رجلاً صالحاً ذا خلق ودين وغلب على ظنها الموافقة وحتى تأمن بألا تتهم بالفسق وقلة الحياء والوقوع في علاقة محرمة، يفضل الوسيط كما ذكر الله سبحانه عن الشيخ الصالح والد فتاتي مدين حينما خطب لأحدهما موسى عليه السلام فهذا يؤكد أهمية الولي أو الوسيط كما حدث مع السيدة خديجة ولا تتبعها المرأة إلا في أضيق الحدود حتى يكون الله في عونها». فيما طالب المحكم القضائي الدولي المعتمد في وزارة العدل ومأذون الأنكحة الشرعية المعتمد في محاكم جدة البروفيسور حسن سفر، بإيجاد جمعيات في أحياء المدن تهدف إلى التعرف على الراغبات في الزواج والنظر في حاجاتهن. وأضاف : «الأصل في العلاقات أن تبنى على أسس وقواعد بينتها إحكام الشريعة الإسلامية في نظام الأسرة من هذه القواعد الرضا بين الطرفين بنفس الوقت ضرورة وضع الولي كصمام أمان للمرأة لكن ولايته ليست مطلقة إذ كان من المهم رأي المرأة موضحاً أن سيدنا عمر بن الخطاب كان يخطب لابنته وبناء على ذلك بين العلماء باب جواز خطبة المرأة لنفسها وأشاروا إلى هذه القاعدة لأهمية وجود الولي وبناء على هذا كان وجود الولي صمام أمان يحمي المرأة ولا يلغي رأيها فأن رغبت واستشارت وليها الذي يتحرى عن الرجل بصدق بعدها يخطبه لابنته أما أن تكون مباشرة منها ففيه محاذير متعددة». وشدد أستاذ القضاء حسن سفر على أن تحكم المرأة عقلها ولا تحكمها عاطفتها فتندفع إلى رجل قد يُعيرها ذات يوم بأنها هي من عرضت نفسها وقال : «لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لكائن من كان أو تصرح برغبتها مباشرة بل تلمح عن طريق أقاربها أو أصدقاء لها وإن كان في محيط عملها ورأت من ترضاه زوج ويتصف بالخلق والاستقامة وكان ليس لها ولي فالقاضي وليها». وشدد على أهمية إيجاد من تثق به وتخبره أنها تريد الزواج من فلان رغبة منها أن تعف نفسها، حينها يذهب هو ويلمح لرجل لا يصرح ولا يقول فلانة معجبة إذ أن بعض الكلمات لابد من الحذر منها حتى لا تكون باباً لدخول خطوات الشيطان، مبيناً أن من حقها بعد ذلك إن كان هناك رغبة صادقة لزواج من الطرفين أن تتحادث معه وتراه نظرة شرعية أما أن كان هذا فقط للفرجة واللعب في بنات الناس فهذا لا يجوز وله عواقب لقول الرسول في الحديث (ثلاث حق على الله عونهم منها الناكح يريد العفاف) وعملاً بالقاعدة الفقهية أن الأمور بمقاصدها وحلاً لهذه المعضلة وظاهرة الطلاق والخلع والعنف فقد فضل أن تكون هناك جمعية في كل حي تشكل لاستقراء الرغبات وتبادل الحاجات بين الأحياء لعرض فكرة زواج الراغبات بالعفاف. من جانبه، الباحث في مشكلات الأسرة والسلوك الاجتماعي الدكتور عادل جمعان أن خطبة المرأة لنفسها من الأمور الإيجابية نظراً لأن المرأة تكون على دراية ومعرفة جيدة بالرجل الذي اختارته شريكاً لحياتها وقال : «جميل أن تخطب المرأة لنفسها وهذا يكفل لها حق الاختيار إذ إن في كثير من المناطق لا يتاح للمرأة اختيار الزوج موضحاً أهمية أن يكون العرض بأسلوب وطريقة معينة». وأضاف: «لو نظرنا في ظل أجواء العمل المختلطة كان هناك الكثير من الزيجات التي كانت المرأة بها المبادرة الأولى بالحديث مع الرجل وتم الزواج وهذه المسألة سهلت الكثير من الأمور»، ولفت إلى أن بعض أفراد المجتمع يرفضون أن يكون للمرأة رأي في الزواج فكيف يتقبلون فكرة أن تخطب لنفسها بل إن الكثير منهم يقاوم فكرة أن يتزوج الرجل من زميلة له بالعمل ويتحرجون من تلك الفكرة. وأشار إلى أنه قد يُقدم رجل على الزواج بصورة تقليدية ويظل في داخله نادماً على هذا القرار بينما هذه الفكرة سليمة لأن غايتها نبيلة تتمثل بعفاف كل منهم والرضا الكامل بالآخر، ليس فقط لتبادل النظرات وينتهى الموضوع، وأكد على أهمية زيادة الوعي والتثقيف والنظر إلى ازدياد حجم مشكلة العنوسة والطلاق التي حملتها موروثات ثقافية ليس أكثر، معتبراً أن اختيار المرأة وخطبتها لنفسها فكرة نجحت لدى كثير من الناس وممّن أعرفهم شخصياً. وطالب بدراسة وضع الرجل والفارق الوظيفي أو الاجتماعي والعمر تحديداً والأهم وجود الوسيط ويكون مصدر ثقة حتى إن لم يكن هناك قبول من أحد الطرفين تنتهي المسألة كما بدأت أما إن تم القبول لابد من التواصل معه وليس التواصل المعروف الذي يخل بالقيم الدينية وهذا يحكمه انضباط شرعي وسلوكي ناضج»