بعض الناس يستنكر «عباءة الكتف» ويعتبرها غير لائقة في الأماكن العامة. المجتمع ربط بعض التصرفات بالشكل الخارجي متغاضياً عن الجوهر. كنت أرتدي «اللثمة» فتعرضت لمضايقات وتعليقات سيئة بحجة عدم اقتناعهم بما أرتدي. سبب انتشار حالات التحرُّش هو عدم نشر الثقافة حول العقوبات وانعدام الرقابة الذاتية. يتبنى المجتمع غالباً فكرة مضايقة أي شخص من الممكن أن يخالفه في المعتقدات، وقد يطال هذا مضايقة المرأة حول طريقة لباس الحجاب الشرعي، وفرض الرأي المتزمت، ومحاولة تغيير الرأي المغاير، سواء كان منكراً، أو لا، بالإجبار. ويختلف هذا الأمر من منطقة إلى أخرى بحسب اختلاف العادات والتقاليد، بالإضافة إلى أنه لا توجد أنظمة صادرة، ولا غرامة مالية كعقوبة ضد أي متحرش، بل تقع تحت مظلة التنظيم العام، وفي ظل غياب تنظيم التحقيقات تطول الإجراءات. اللثمة تذكر عبير علي (22 عاماً) من منطقة حائل موقفاً حدث لها في أحد الأماكن العامة، فتقول “ذهبت مع عائلتي، وكنت أرتدي (اللثمة)، إلا أنني تعرضت لمضايقات، وتعليقات سيئة، بحجة عدم اقتناعهم بما أرتدي، ولا أرى أي سبب يدعوهم لمثل هذا التصرف. هنالك ضوابط في الأماكن العامة، ومن حقي أن أسير دون مضايقة، حتى وإن لم يتقبلوا غطاء وجهي. أصبحت أكره الذهاب بمفردي، وحرصت بعدها على أن يرافقني أخي". العباءة وتروي ليلى راشد (28 عاماً) موقفاً آخر “كلما ذهبت إلى السوق مع أهلي، أو مع صديقاتي، أجد مضايقة، والسبب تعليقات بعضهم على عباءتي مثلاً، فهم يستنكرون (عباءة الكتف)، ويعتبرونها غير لائقة لمثل هذه الأماكن، رغم أن شكلي غير لافت. أكره هذا النوع من المضايقات التي أتعرض لها، وأعتبرها نوعاً من التعدي على حقوقي. ولم تكف المضايقات حتى اضطررت إلى تغيير العباءة. أرى أن الأماكن العامة هي للجميع، وليس من الحضارة تعرض الفتاة للمضايقات في الأماكن العامة". ثقافة الحوار وقال الاختصاصي الاجتماعي النفسي وليد الزهراني “مضايقة المرأة في الأماكن العامة، إذا كانت ترتدي الحجاب بطريقة يخالف فيها معتقداتهم، تعود إلى اختلاف تفكير المجتمع، فبعض الناس يفتقر إلى التفكير العقلاني، وإلى ثقافة الحوار، فغياب الحوار من الممكن أن يؤدي إلى النفور من فئة المراهقين، فيعود عليهم سلباً، تزمتاً وعناداً، وعدم إطاعة الأوامر والعدوانية، فالمجتمع حالياً لديه مفهوم الربط السلبي والتعميم، وفي بعض الحالات النساء يقمن بإساءة استخدام الحجاب، أو اللثمة، بتصرفات خاطئة، والمجتمع ربط هذا التصرف بالشكل الخارجي، متغاضياً عن الجوهر، وهو الأهم، حتى أطلق اتهامات من قبيل “غير محافظة"، و"غير متدينة". وأضاف الزهراني “مجتمعنا محافظ، ويتمسك بالعادات والتقاليد، وفيه شريحة كبيرة متدينة ومهتمة بالدين، ومنهم فئة تجهل أسلوب الحوار والنقاش، ويصل الأمر إلى التزمت، وفرض الرأي، وأي شيء يخالف معتقداتهم يعتبرونه عدم احترام، وتصرفاً غير محافظ، ومنهم من أخذ تعاليم الدين بشكل خاطئ، فيعتقد أنه حالما يرى منكراً فيجب عليه تغييره، حتى لو كان بالإجبار، والأسلم أن يقوم بالنصيحة، فلا يصح أن يحدث هذا بشكل همجي، وأمام الناس، وهناك فئة أخرى تقوم بهذا التصرف، لكن الهدف هو التحرش، فالمظهر الخارجي ليس معيار الحكم على الإطلاق، فمن يخالفك في الرأي ليس عليك أن تعاديه، ولابد من وجود القبول". ويقول الزهراني “يختلف التفاعل باختلاف المناطق، واختلاف العادات والتقاليد، والحل يكون في الحوار، وعدم فرض الرأي، حتى لا ينشأ جيل محطم نتيجة مواجهته مشاكل كثيرة". قواعد شرعية عامة ويرى المحامي د.عبدالحكيم الخرجي أن دستور المملكة العربية السعودية قائم على الكتاب والسنة، ولا توجد أنظمة صادرة في هذا الشأن، بل تقع تحت مظلة التنظيم العام، فالأمر يكون وفق قواعد شرعية عامة، مثل “لا ضرر ولا ضرار"، و"منع الزنا"، وما تؤدي إليه الخلوة والدخول على النساء غير المحارم، وغيرها. وعقوبة أي متحرش تكون إما السجن، أو الجلد، وهذا يحدد حسب اجتهاد القاضي، ولكن لا توجد غرامة مالية، كعقوبة للمتحرش المنصوص عليها نظاماً، هذا بالإضافة إلى أن كل إمارة تصدر تعاليم خاصة بها". ويضيف الخرجي “لا يوجد تنظيم في هذه الجزئيات، وعندما يبلغ عن أي متحرش لفظياً لا نشهد تعاوناً من قبل الشرطة، فتفاعلهم روتيني، ولا يوجد تنظيم في التحقيقات، وقد تطول الإجراءات، أما في حالة التحرش الجسدي فنجد تفاعلاً من قبلهم بشكل نسبي، كما أن انتشار حالات التحرش راجع إلى عدم نشر الثقافة حول العقوبات، وعدم نشر ثقافة الرقابة الذاتية والدينية، وعدم تفعيل الأنظمة، وعدم تفاعل الجهات المعنية في نصرة المظلوم، والتقصير في تطبيق العدالة في إيقاع العقوبات". رأي المذاهب الأربعة حول غطاء وجه المرأة قال الطحاوي في شرح “معاني الآثار": أبيح للناس أن ينظروا ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله تعالى. وفي مذهب المالكية: سئل مالك “هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها، أو مع غلامها؟ فقال مالك ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال، فقال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله". قال الباجي في “المنتفي شرح الموطأ": “يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح، لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها". وفي كتاب “البيان والتحصيل" لابن رشد الجد، عن مالك، أنه سئل عما يظهر من وجه المرأة، فأدار عمامته تحت ذقنه، وفوق حاجبيه، معلناً بذلك جواز ظهور دائرة الوجه. وفي مذهب الشافعية: قال الإمام الشافعي في كتابه (الأم) “وكل المرأة عورة، إلا كفيها ووجهها وظهر قدميها عورة". وفي مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة في المغني “ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والعطاء". وقال المرداوي في “الإنصاف": “الصحيح من المذهب أن الوجه ليس بعورة. وعليه الأصحاب وحكاه القاضي إجماعاً"، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية قال العلماء رحمهم الله “وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها". وقال ابن عبدالبر في التمهيد (6/364) في المرأة: وقال أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث “كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها"، ثم رواه بإسناد عنه. ثم قال “قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف، ذلك كله منها تباشر الأرض به". وأجمعوا على أنها لا تصلي متنقبة، ولا عليها أن تلبس قفازين في الصلاة، وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة، وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه". وأما القول في الأمر بأن لا تخمر المحرمة وجهها، ولا تلبس القفازين، دليل على أنها كانت تفعل ذلك في غير الإحرام، فهو قول باطل، وإلا فهل يعني أمر الله الحجاج بتعرية رؤوسهم في الإحرام دليل على أنهم كانوا يغطونها وجوباً في غير الإحرام؟ وهذا ليس من قول أهل الفقه والنظر، ولا أهل الظاهر والأثر. وأما حديث “المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان). رواه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، فهو حديث ضعيف، لأن كل طرقه المرفوعة فيها قتادة، وهو مدلس من الطبقة الثالثة، وقد عنعن بها، ولذلك رجح ابن خزيمةفي صحيحه ألا يكون قتادة قد سمع هذا الحديث.