على الرغم من كون رواتب الأطباء تحتل مراكز عليا في تصنيف سلالم رواتب الموظفين فلا زالت غير مرضية ولا مقنعة للسواد الأعظم منهم. وقبل أن يشن على هجوم لاذع من أرباب المطالبين بزيادة الرواتب وتوحيدها وتعديل آلياتها فكيف أقول هنا باحتلال رواتب الأطباء مراكز عليا وهم المظلومون ورواتبهم أقل من غيرها مقارنة بغير السعوديين وبأصحاب مهن أخرى وليسوا من ذوي الطبقات العالية ولا يقارنون بأصحاب الثروات والمهن الإستثمارية حتى بعد الزيادات الأخيرة فلقب طبيب لا يدخلك قائمة الأثرياء فإني أقول مهلاً فليس لذلك علاقة بما أعنيه هنا. فتساؤلي الذي أثار فضولي عندما وجدت الحال ينطبق على معظم الأطباء كان حول الراتب، وليس الثراء هو جوهر تساؤلي فمن تطبب ليثرى فقد ناقض واقعاً أوهم الكثير بحقيقته ولكن التساؤل حول بركة المرتب المحسود عليه غالب الأطباء والذي هو محل شكوى لا تنتهي من الأطباء أنفسهم. تساؤل أعاد لذاكرتي موقف ذلك الزميل الذي بدل مع زميله إحدى المناوبات مقابل أن يعوضه إياها في الشهر المقبل وهو ما لم يتم لإنتقال الزميل الذي ناوب لمستشفى آخر وقد ودعه بمسامحته عن تلك المناوبة فما كان من صاحبنا إلا أن أصر على إعطائه مبلغاً يعادل عمل تلك الساعات وبعد رفض صاحبه تصدق بذلك المبلغ!!. وزميل آخر لم يحضر عيادته لخطأ في التسجيل لم يكن خطئه وبعد علمه بذلك قبل إجازته اقتطع يوماً من إجازته لقضاء الدين الذي عليه دون مطالبة إدارة أو إجبار مسئول، وقد أدت شدة حرصه إلى أن فوجئت الموظفة المسئولة عن توزيع البطاريات لأجهزة "البيجر" بوقوف هذا الدكتور أمامها وفي يده بضعة ريالات وقبل سؤالها له بادرها بأن البطارية التي صرفت له من المستشفى لاستخدامها ل"البيجر" أخذها معه للبيت واستخدمها ابنه دون علمه لجهاز"الريموت كنترول" فأتى ليدفع قيمة البطارية التي لم تستخدم لغرضها الذي صرفت له!!. وآخر لم أكن لأصدق لولا أني شهدت ما فعل بنفسي عندما تصدق براتبه كاملاً عن فترة تقاضى راتبها وهو لم يعمل بتلك الفترة، وآخر لا يخرج من المستشفى حتى ينتهي الوقت المحدد نظاماً حتى لو كان قد أنهى عمله. ولا يتصفح في شبكة "الإنترنت" التي وفرتها إدارة المستشفى إلا ماله علاقة بالمستشفى والمرضى والبحث الطبي ويتحرج من التصفح للاستخدام الشخصي!!. ولا يستخدم الأغراض التي يوفرها المستشفى كالطابعة والأوراق والأقلام والهاتف لأمور تخصه دون العمل. وحينما يأتي الحديث عن النقيض فهو واقع الغالبية منا, وليس النقاش عن ما ينبغي وعن ما لا ينبغي وأن تلك المواقف صحيحة أو غير صحيحة فمثل هذا الطبيب أو ذاك في نظر البعض "موسوس" وفي نظر البعض "مبالغ" وفي نظر البعض "نادر" أوقد بالغ في المثالية وقد يوصم من البعض بأنه "مريض" ولكن الأهم أنه بمنظار نفسه قد جعل الله عز وجل رقيبه في أدق أمور عمله وأتفهها حتى يكون راتبه مباركاً. ولعل ملامح الإجابة عن تساؤلي بدت ترتسم بتمعن ما استطاعت ذاكرتي استدعائه من مواقف وبما سأختم به من قصة الرجل الذي جاء لأبى حنيفة رحمه الله، فقال له أن ما يتقاضاه من عمله لا يكفيه وهو خمس دنانير فقال له اطلب من رب العمل أن يعطيك أربع دنانير فتعجب الرجل وذهب فجاء لأبى حنيفة وقال أن الأربعة دنانير لا تكفيني فقال له خذ ثلاث دنانير فجاء الرجل بعد فترة وشكره فقال لماذا أمرتني بذلك يا أبا حنفية فقال إن عملك لا يستحق إلا ثلاثة دنانير فاختلط الحلال بالحرام فضيع الحرام بركة الحلال.. *إستشاري مساعد طب الأسرة - مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني-الرياض الهيئة العالمية لأطباء عبر القارات