بعد تخرجي من أو في كلية الطب وعندما بدأت العمل لقضاء سنة الامتياز في العام 1405 هجريه كنت وزملائي الآخرين نستعمل أو (نشخص بالبيجر) ونضعه مع السماعة الطبية في جيب البالطو الأبيض.. والبعض يضع البيجر في الجيب العلوي الأمامي للبالطو جنباً إلى جنب مع القلم.. والسماعة الطبية من نوع (لتمن) تطوق عنقه أو تتدلى منها.. وهي صورة قريبة من صورة المسلسل التلفزيوني 37 درجة.. وكان البيجر أو البليب حدثاً طارئاً في مجتمعنا السعودي آنذاك لا تجده إلا مع الأطباء.. ولم أتخيل إذ ذاك انه سيتبعه ثورة في عالم الاتصالات تتطور يوماً بعد يوم.. إلى ماهي عليه الآن من انترنت وقوقل ويو تيوب.. مع بقاء البيجر رفيق عمل الطبيب أينما حل إلى الآن.. وكيف كان (بعض) الأطباء يشعرون بالزهو والعُجب عندما يدق بيجر أحدهم وهو في مكان عام أو بين أهله وأصدقائه.. ليقوم لأقرب هاتف ثابت بالرد على البيجر الذي قد يستدعيه للطوارئ أو قسم التنويم في المستشفى الذي يعمل فيه.. ويطلب حضور ذلك الطبيب فوراً.. ومن حوله يستغرب هذا الجهاز السحري الصغير عندما يصدر صوته ذي النغمة الحادة والمزعجة للطبيب الذي يحمله (بييب) ولكل طبيب ذكريات مع العمل في رمضان.. وبالأخص مناوبات الطوارئ قبل أذان المغرب وأثناءه.. ومن خلال عملي (النوبتجيه) في رمضان.. أذكر انني كنت أفطر في المستشفى وبالذات في قسم الطوارئ عندما أقوم بمباشرة حالة إسعافية في الطوارئ في أحد مستشفياتنا التي عملت فيها في الرياض أو (شعبة حادثات) في مستشفى ميو هوسبتال في لاهور.. فأجد العزاء لجوعي وتعبي من الصيام بأنني أخفف عن مريض يتألم.. ولا يزال راسخاً في ذاكرتي أثناء عملي في جراحة المسالك البولية وهي فترة اختيارية في سنة الامتياز التدريبية.. لا أنسى مريضاً كان يُعاني من تضخم في البروستات نتج عنه احتباس حاد في البول (رتنشن أف يورين) مع ألم شديد (فدق البيجر) في جيبي وأنا أستعد (لفك الريق) قبل المغرب بقليل.. وعندما قمت بالقسطرة لتفريغ المثانة كاد المريض أن يقبل رأسي شكراً وامتناناً.. ومرضى تضخم البروستات يعرفون جيداً آلامها المبرحة عندما تضغط على عنق المثانة.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله.