من منا لا يعرف الحب أو لا يعرف مايحمله هذا الاحساس من نشوة رائعة وعذاب مميت. كلمة حب منذ الأزل وهي لم تتغير ولكن تفاوتها كبير جدا. وكم من محب تمنى أن يجد كلمة تعبر عن معنى حبه بأكبر من هذه الكلمة. ساقص عليكم قصتي مع الحب. كنت شابا يافعا لم يتجاوز عمري 19 عاما واهتماماتي كاهتمامات الشباب في سني من مشاهدة الأفلام ومتابعة كرة القدم وألعاب الفيديو وتصفح الإنترنت لأغراض ترفيهية بسيطة. كانت البراءة تحيط بي من كل الأتجاهات وعندما أنهيت دراستي في الثانوية العامة وذهبت إلى الجامعة لألتحق بأحد الكليات لأتابع مشوار حياتي، فكان ذلك اليوم هو نقطة التحول في حياتي الوجدانية. دخلت الجامعة وبعيني رأيتها، معرفتي بها سطحية، وتساءلت أجدية هي أم أنها عادية؟، أتستحق العناء والتفكير؟ أم أن مجرد التفكير فيها غباء؟. قررت التقرب منها، لكني خفت من صدها. سألت أحدهم "من هذه؟" فقال :"أجننت.... لا تفكر بالمجازفة". علمت أنها صعبة المنال فازددت إصراراً بأن لا يكون أمرها محال. وفكرت في اليقضة والمنام، واصبحت مشغولا بها وبذكرها بالصمت وبالكلام. فكرت أن أذهب إلى أهلها، وأخبرهم بأني أود أن أكون رفيق دربها، فذهبت أسأل عنهم فأخبروني بمكان وزمان تواجدهم. أنتظرت بشوق وبخوف، فالموقف باعتقادي تتفرق له الصفوف. ذهبت لموعد المقابلة، فرأيت أمامي ثلاثة، قلت في نفسي "أمممم .... لها ثلاثة اخوان، تظهر عليهم الهيبة والإتزان". نظرت إليهم فارتفعت الاجفان، ولكن للأسف لم يتضح المقال بمجرد العنوان. وبعد التحية والسلام، ابتدأ الحديث والكلام، وعرفوني بأنفسهم، فأنست قليلا بكلامهم. كبيرهم يدعى مشاري، والثاني يقال له مخلص، والصغير منهم اسمه معين. كيف عرفتها؟ سألوني، ومنذ متى أفكر بها؟ ناقشوني. كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ومن؟ ولم؟ وكل أدوات الاستفهام استخدموها، حتى ظننت أنهم لي لا يريدوها. وبعد الجهد في الإجابة واستغرابي للتفصيل والإطالة، طلبوا مني الذهاب لرؤيتها، فسبقتني أفكاري وقالت "إني لها". ذهبت فرحا ملهوفا وكأن الموقف سيكون مألوفا. رأيتها من بعيد، فأصبحت نبضات قلبي تزيد. أهو خوف؟ أم فرحة؟ لا أعلم. ولكن لن أترك للخوف فرصة، وخطيت بكل قوة. اقتربت حتى اتضحت لي ملامحها، فيا سبحان خالقها. دققت في كل تفاصيلها، فعلمت بأن كل جميل يوجد أجمل منه فيها. ليس في الحسن وجمال الشكل وحسب، بل وفي الشموخ والهيبة التي تهز القلب. أخبرتني الكثير عنها، ومن أشياء لا بد منها. أخبرتني بأنها صعبة المنال، وأنه للوصول إليها لا بد أن يتوفر الكثير من الجهد وأنه لا مكان للإهمال. وأخبرتني عن اخوتها الثلاثة فقالت: مشاري أكثر شخص يعرفني ويفهم مابداخلي من أسرار، أما مخلص فهو أقرب إلي ولكنه يحتاج للعون ليحل مافي من ألغاز، ومعين أكثر من يلازمني ويشقى كي يرضيني لكنه لايزال قليل الخبرة لقراءة مافي الأذهان. عملت أن ضالتي لدى مشاري، وقد ألجأ لمخلص في كثير من الأحيان، وساستفيد من مرافقة معين لها أكثر الأزمان. أحببتها من كل قلبي وعشقتها عشق الرجل للماء عندما يكون جداً عطشان، ولازمت تفكيري حتى أني نسيت ماهو النسيان. أراها داخل الجامعة، ونظراتها لي ساحبة، فقتلتني بهذه الإطلالة، وإن نفسي لها جامحة. حيرتني بغموضها، وبتعقيد أفكارها، وأرهقتني كثرة طلباتها. فماديا أفلست، وللفراغ في الوقت أشتقت، حتى أني عرفت معنى المثل "مايعجبه العجب". فكرت في مشاري وبحثت عنه في كل مكان، علمت صعوبة إيجاده ولم أسأل ما السبب فلن يفيدني أياً كان. حددت مواعيد عدة معه ولكنه لم يكن يحضر في أكثرها، وكان يطلب من مخلص أن يأتي بدلاً عنه حتى ينهيها، ومخلص يأمر معين بأن يأتي بدلا عنه ليس في بعض الأحيان بل في معظمها. استمريت على هذا الحال فترة طويلة من الزمان، تفكير، وحزن، وألم، ومشقة لا تحتملها الأذهان. يئست من مشاري ومن بعده عني والذي كنت أبني عليه الآمال، ومخلص لم يكن شغوفا بملاقاتي لأنه يكلمني فقط لأن مشاري هو من قال، أما معين فقد رأيته كثيراً ولكنه مسكين مابين ارضاء حبيبتي وبيني ومع هذا لازلت لا أخطر لها على بال. حضر الأخوة الثلاثة لملاقاتي وعلى راسهم مشاري قليل الاتصال. وسألني عن حبيبتي وان كنت قد طلت مايفترض بي أن أطال، فعجزت عن الإجابة عن أكثر أسئلته، لأنه لم يخبرني أحدهم عما أصبح الآن يقال. كان مشاري يوبخني دائما ويصفني بالإهمال، على الرغم بأنه يعلم ما أنا به من حال، وكنت أيأس أحيانا وأفكر حتى بالإنسحاب، ولكن عندما أتذكر حبيبتي سرعان ما أغير فكرتي وأغلق هذا الباب. كان يحصل بيني وبين حبيبتي واخوتها بعض أنواع الخلاف والتي تحصل غالبا في مثل هذه الأحوال، ولكن الفرق هنا بأني دائما أكون في نظرهم مخطئ ولا يحق لي النقاش بل استمع فقط لما يقال، وكانوا دائما يبالغوا في حكمهم علي ويحطموا فيّ الآمال. وبعد هذا كله عرفت مامعنى كلمة "ان الحب عذاب". مرت سنون عديدة وأنا على هذا الحال، وأصبحت أحسد كل من يضحك أو ينام مرتاح البال. تعلمت كل شيء عن حبيبتي (كما كنت أظن)، وحان الوقت كي أقول لمشاري بأني أتقنت هذا الفن، وتناقش معي كثيرا في أمور تعلمتها مؤخراً وأخرى في السابق، كنت في مستوى أعلى بكثير من الفارق، لكني لم أكن ذاك الحاذق، فأخبرني بأنه على فهمي وتعلمي موافق، ولكن لايزال هناك مايجب أن أتعلمه في وقت لاحق. رأيت حبيبتي مبتسمة، وكنت أنظر إليها بطريقة مبشرة، فأخبرتني بأني لم أتعلم سوى أساس في الحب وبأن هناك كثير ليمتلئ القلب. وأخبرتني بأنه وقت الفراق، وأني أصبحت الآن مستعداً ومن دون أي نفاق لأجد عشيقةً جديدةُ وأدخل في نوع آخر من السباق. خرجت فرحاً بما تعلمته من حب باحثاً عن عشقي الجديد في أرض مليئة بالحب، وحزيناً لمفارقتي أول من أكننت لها بالحب. خرجت مودعاً حبيبتي كلية الطب، ومتذكراً مواقفي مع مشاري الاستشاري، وبعض أساليب الدعابة مع مخلص الاخصائي ومشقة معين الطبيب المقيم داعياً له بأن يعينه الله لأداء أمانته، وتعلمت أن الحب (الطب) هو فن وأخلاق وتعامل حسن قبل أن يكون مجرد علم. * نائب رئيس تحرير صحيفة عناية للشؤون الإدارية