التعاون يواصل التعثر في «دوري روشن» بالتعادل مع الخلود    موسم للتشجير الوطني بنجران    المملكة تعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف بالسودان    30 جهة تشارك في المنتدى الحضري العالمي بالقاهرة    أودية ومتنزهات برية    مخالفو الإقامة الأكثر في قائمة المضبوطين    بالإجماع.. إعادة انتخاب عبدالله كامل رئيساً لإدارة مجلس «عكاظ» ل 5 سنوات    ميقاتي يتابع قضية اختطاف مواطن لبناني    حين تصبح الثقافة إنساناً    جدة: القبض على 5 لترويجهم 77,080 قرص «أمفيتامين» و9,100 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    "فيفا" ينهي تقييمه لملف ترشح المملكة لإستضافة مونديال 2034    فرع الصحة بجازان ينظم مبادرة "مجتمع صحي واعي" في صبيا    وزير الإعلام يرعى ملتقى المسؤولية المجتمعية الثاني في 20 نوفمبر    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    المملكة تُعلن عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية في البحر الأحمر    فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    دبي.. رسالة «واتساب» تقود امرأة إلى المحاكمة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    حدث بارز لعشاق السيارات وعالم المحركات، المعرض الدولي للسيارات    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد بن سعيد: القنوات الدينية مأوى للتناقضات والصراعات
نشر في أنباؤكم يوم 30 - 03 - 2010

نقلا عن صحيفة " الحياة " : يجمع الدكتور أحمد بن سعيد بين الأكاديمية والمهنية، مارس التدريس والبحث، وكتب المقالات الصحافية وقدم البرامج التلفزيونية، يملك موقفاً ورأياً لا يرضى به كثيرون، يحاول أن يتمرد على القوالب ويبحث عن البدائل بل ويصنع المتغير حواليه..له نجاحات عدة لكنها لا تدوم طويلاً بسبب حرصه على عدم انتهاك كينونته، يجد في منصب أستاذ الجامعة رضا يجعله لا ينتظر أي منصب آخر.من المناصرين للإعلام الجديد والمبشرين به، تحتار كثيراً في أجندته وحيرتك هذه تجعله يتميز أكثر، يعتب على الإسلاميين ويناقش الليبراليين، ويحتفظ لنفسه بخطوط تماس مع كل فريق، كانت له تجربة مع الشيخ ابن باز (رحمة الله) مثيرة للجدل، وله تحفظات خاصة على تفشي الإرهاب في مجتمعنا..
فإلى تفاصيل الحوار
تعتز بلقب «التميمي»، ألا ترى أن في ذلك قبلية لا تليق بشخص تنويري مثلك؟
- أضافت أسرتي كلها اسم التميمي، وكنت آخر من أضافه اضطراراً، لكني لا أقدم نفسي به، لأنني عرفت باسم العائلة الأخير. هذا أكبر دليل على براءتي.
هل عاش جيلكم كل الفرص فاستطاع أن يصنع شيئاً؟
- من يستمع إليك يظن أنني من جيل الستينيات أو السبعينيات. ما زلت فتى غض الإهاب طري العود. إنما الشيخ من يدب دبيبا.
ظاهرك هادئ لكن تسكنك شراسة لا حدود لها.. كيف تكونت هذه المعادلة؟
- المحيط يبدو وادعاً، ثم تصطفق أمواجه، والبركان يبدو ساكناً، ثم يقذف الحمم. لست بدعاً من المحيطات ولا البراكين.
مشاكساتك ومناكفاتك، هل حرمتك من شيء؟
- نعم، حرمتني مما لا يهمني، أو كما قال بديع الزمان: مما يضرني ولا يسرني.
ما الفرق بين بريطانيا وأميركا في الفلسفة الإعلامية؟ ولماذا حرصت على التنقل بينهما في دراساتك العليا؟
- بريطانيا بلد عريق في الصحافة، وتجربتي فيها ثرية وماتعة، ولكن تجربتي في أميركا أجمل وأرحب وأغنى، وقد استفدت من المدرستين. كنت أتمنى فقط أن أستزيد منهما، وربما لن يكفيني ذلك، وكما قال لسان الدين بن الخطيب: وطرٌ ما فيه من عيب سوى/ أنه مرَّ كلمح البصر.
أميركا منحتك بعض الأبجدية الإعلامية، إلا أنك سيف مسلط عليها، ألا تستحق منك بعض البر والعرفان بالفضل؟
- لست سيفاً مسلطاً على أميركا، ولكني أنتقد سياساتها الخارجية القائمة على العنف والإرهاب، ويشاركني في ذلك وطنيون أميركيون نغرد معاً في سرب التعايش والتخلي عن عقلية التدخلات والاحتلالات وبث القواعد العسكرية في أرجاء الكوكب، من أمثال نوعم تشومسكي، وتم رابنز، ونانسي سنو، والراحل هوارد زن، الذين لا يشهرون سوى أقلامهم، ولا يقاتلون إلا بأصواتهم، داعين بإخلاص إلى إنقاذ أميركا من نفسها، وإنقاذ العالم من شهوات الغزو وأحلام التوسع الإمبراطوري.
ما مدى رضاك عن الصورة الإعلامية لبعض مشايخنا؟
- يمكن أن يكون الجواب بهذه الصيغة: لست راضياً عن تعامل الصحافة مع بعض المشايخ، ولا عن تعامل بعض المشايخ مع الصحافة.
هل تشعر أن الإعلام بقنواته أغرق بعض علمائنا، وجعلهم في واد غير ذي زرع؟
- يعتمد الجواب على مفهومك «للغرق». من ناحية، بعض المشايخ أدركه الغرق، وبعضهم يتشهَّى الغرق، وبعضهم يفر من الغرق. وقد يكون الفاعل الذي يقوم بالإغراق راغباً في الإصلاح، وقد يكون مرتكباً لجريمة مع سبق الإصرار والترصد. أما دفع بعض العلماء إلى واد غير ذي زرع، فقد يكون هذا الوادي هو المصير العادل الذي ينتظره شيخ ما، وقد يكون لشيخ آخر مبشراً بتدفق الماء وطلوع الثمر.
منصب المتحدث الإعلامي في بعض المؤسسات، هل خدم المؤسسة أم خدم نفسه أكثر؟
- بناء هوية مؤسسية أو شركاتية (corporate identity) قائمة على غرس صورة ذهنية إيجابية أهم من صوت المتحدث الإعلامي، لكن يبقى دور هذا المتحدث مهماً.
نظريات الاتصال تتعدد وتتكاثر، هل تشعر أننا نصل بها إلى الجماهير؟
- النظريات والمقاربات السائدة يتم تجييشها وتوظيفها على كل الصعد ومن كل الأطراف. من جانب، هناك صحافة رسمية تطبق نظريات ومقاربات مثل «المغربل» و"ترتيب الأولويات»، و"الإغراق»، والأدلجة والتصنيف. ومن جانب، هناك متلقون يطبقون نظريات «التعرض الاختياري» و"الاستخدامات والإشباعات»، و"الجمهور النشط»، وآليات «التحليل النقدي للخطاب».
لكن السؤال المهم هو: هل ما زالت نظريات مثل «المغربل» أو «حارس البوابة» تتحكم في ظهور معلومات أو أشخاص في الصحافة، وهل ما زالت نظرية «ترتيب الأولويات» تؤدي دوراً مفتاحياً في رسم اهتمامات الجمهور؟ الجواب هو أن ما يعرف بالإعلام البديل أو إعلام المواطن ربما أضعف إلى حد كبير أثر توظيف هذه النظريات، ومكن الأفراد العاديين، لأول مرة في التاريخ، من اختراقها وتحجيمها. أعداد متزايدة من الناس يلوذون بخيمة الإعلام البديل مقاومين بأظافرهم استبداد الصحافة المهيمنة، ومحيلين عدداً من البدهيات والمسلمات إلى الرفوف.
الديموقراطية والإعلام الجديد
هل هذا هو ما عنيته ببحثك الذي عنوانه: «الإعلام والجمهور النشط: من مقاومة السائد إلى إنتاج البديل».. هل تنحاز إلى خيار البديل؟
- البديل كلمة ديموقراطية؛ لأنها تشي بالتعددية والتنوع، وتؤكد ديناميكية الإعلام، وتفسح المجال للتنافس ما يخدم في نهاية المطاف حق المتلقي في تنويع مصادر المعلومات والتحصن من أخطار الدعاية. و"الجمهور النشط» هو الذي يلتمس البدائل من خلال مقاومة الرسائل الإيديولوجية المسيطرة، أو الروايات الكبرى كما يسمونها (grand narratives)، بل يلجأ هو نفسه إلى اجتراح البديل من خلال إنشاء قنوات تعبير ذاتية نابعة من الجذور. ربما تكون هذه الوسائل قليلة الإمكانات، لكنها حبلى بالقوة والمفاجأة والتفاعلية والقدرة على خطف العقول والقلوب.
ولماذا سمي بالإعلام الجديد؟ هل ترى فيه جديداً؟
- نعم؛ لأنه يأتي في مقابل الإعلام القديم الذي نخره التكلس والترهل، ولأنه أعطى صوتاً لمن لاصوت لهم، وقد أثبت مقدرته على دفع القديم إلى مراجعة استراتيجياته وتطوير أدواته.. إلى حد ما على الأقل. أما التسميات فهي كثيرة منها: إعلام المجتمع، وإعلام المواطن، وإعلام الجذور (radical media).
لماذا في قضايانا مع العالم نمارس «إعلاميا» ردة الفعل أكثر من الفعل نفسه؟
- لا أعتقد أن ذلك تقييم صحيح. الولايات المتحدة وإسرائيل مثلاً ينطبق عليهما مثل هذا التوصيف. أما نحن فلا نمارس ردة فعل مناسبة لحجم الحدث. انظر مثلاً إلى جريمة اغتيال المبحوح في دبي، هل استنكرت دولة عربية الجريمة؟ هل استنكر مجلس التعاون؟ هل سمعت من يطلق على الجريمة وصف «إرهابية»؟ وماذا كانت استجابة الإعلام للحدث؟ هل كان صوته عالياً في شجبها أم «مبحوحاً»؟ هل تعامل معها بصفتها «غزوة صهيونية- أوروبية» لدولة عربية؟ بالطبع لا.
لقد طغى وصف «العملية» على وصف «الجريمة» في كثير من قنوات الإعلام الإخبارية، وكأنها حدثت على المريخ. بل سمعنا وقرأنا من يبحث للموساد عن عذر مثل قول كاتب عمود إن القيادي المغدور استغل مناخ الحرية في دبي لعقد صفقات أسلحة بغرض «تهريبها» إلى غزة. هل تذكر اختطاف سفينة «أخيل لورو» عام 1985؟ لقد «أغرقت» سي. إن. إن وغيرها من وسائل الإعلام الأميركية العالم كله على مدى أشهر بتفاصيل الاختطاف، وفرضتها على أجندة الأخبار محلياً وعالمياً.
كنت رئيس تحرير مجلات عدة في فترة ماضية.. هل كرسي الرئاسة يستحق؟
- لم أكن رئيساً بالمعنى الإمبراطوري، ولم أتمتع بمزايا الرؤساء الذين تعرفهم. كنت رئيس تحرير «على قد حالي». لكن المهم كان إنتاجي، والتغيير الذي صنعته في ظل معطيات محدودة، وهو ما أحمد الله عليه.
تجربتي مع الإعلام الإسلامي
تجربتك في مجلة الأسرة، ما مدى رضاك عنها؟
- راض بفضل الله. يكفي أنني استلمتها وهي ترزح تحت وطأة الديون وتوزع 16000 نسخة، يرجع منها ثلثها، وتركتها وهي توزع 75000، ولا يرجع منها إلا قليل، وربما بلغ ريع إعلاناتها في شهر واحد نصف مليون ريال. لقد صنعت منها أنموذجاً يشار إليه بالبنان، ولن ينال من جهدي، ما أحدثوه من بعدي.
كيف كان خروجك من كرسي الرئاسة، هل تم باحترافية أم بطرائق أخرى؟
- كنت من قرر أن يتوقف دوري عند نقطة ما؛ أخذاً بقول عمر: «يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول بملء فيه: لا». لكن لا أدري ما تقصد «بالاحترافية» هنا..احترافي أم احتراف الطرف الآخر. أما أنا فقد احترفت الإنجاز. أما غيري فلست متأكداً. كلنا في «الأسرة» كنا محترفين. لكن قد يكون المبدع محترفاً، وقد يكون اللص محترفاً، ولأن الشيطان في التفاصيل فلا أحب الخوض فيها.
لماذا توقف برنامجك «ما تخفي السطور» الذي كان يعرض على قناة المجد؟
- لأنه كان ناجحاً، ومن الناس من يتوجس من النجاح ويخشى منه أو عليه. ومن الإسلاميين من يمارس رقابة ذاتية قاسية تشل الإبداع وتفرغ الإنجاز من مضمونه.
لقد بدؤوا بما أسموه رقابة سابقة، فاعترضت على المبدأ نفسه في عصر السماوات المفتوحة والتعبير الحر، ثم شرعوا «يمنتجون» البرنامج قبل بثه، حاذفين في الحلقة الأخيرة على سبيل المثال استشهادي بعبارة «القطط السمان» بذريعة أنها عبارة نابية شأنها شأن «الكلب»، مع أنني أوردتها نقلاً عن صحيفة إماراتية، ومع أن المصطلح أصلاً مجازي يصف أصحاب الثراء غير المشروع، ومع أن القطط «من الطوافين علينا والطوافات». ولما شعرت أن هناك من «يقيِّم» البرنامج وهو لا يملك أدوات التقييم، ويمارس ذلك قبلياً، آثرت سحب البرنامج، وأخفيت سطوري عن من لا يحسن قراءتها. في فمي بالطبع ماء كثير، لكن أترك للقارىء تأمل ما بين السطور.
الصراعات داخل بعض القنوات الإسلامية.. إلام تعزوها؟
- مجتمعات القنوات الدينية ليست ملائكية، وليست بدعاً من بيئات العمل الأخرى، ولذا قد تحتدم فيها التناقضات وتتفجر الصراعات.
يسكنك شاعر متقد، لكن البعض يحتار في منهجية شعرك، هل في حيرتهم ما يقلقك؟
- إن كان ثمة حيرة، فهي دلالة على إثارة الراكد وتحريك الساكن، وربما كان ذلك حافزاً لي على تنمية الملكة وتطوير الأداء.
في تفاصيلك رومانسية عذبة إلى من تدين بها؟
- إلى من خلقني وحبب إلي الجمال والبساطة والنقاء والوفاء، وكره إلي النفاق والتلون والازدواجية والخداع؛ إلى من جعلني أعشق الصدق كما أعشق القمر، وأكره الغموض كما أكره الكذب.
كيف تقيم تجربتك مع الكتابة الصحافية؟
- يصعب علي تقييم نفسي، وأترك ذلك لمن يقرأ لي.
لكنك فزت بجائزة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال في المقال الصحافي عام 2005.
- نعم، ونُشر المقال الأبرز الذي اعتمد عليه قرار الجمعية في جريدة «الحياة»، وكان عنوانه: «سامي ومها في قبضة العدالة الأميركية»، وقد تناوله عدد من المعلقين والكتاب منهم نجيب الزامل في «الاقتصادية»، وفهمي هويدي الذي أعاد نشره كاملاً في مقاله بمجلة «المجلة»، بالرغم أن ذلك ليس من تقاليد الصحافة كما قال.
لكن هذا الفوز للأسف ظل مقتصراً على إعلانه في وسائل الإعلام، ولم تسلم الجمعية أحداً من الفائزين بفروع الجائزة جائزته، وما تزال تقدم مبررات هزيلة وغير مقنعة للتأجيل. والأدهى من ذلك أن الجمعية وضعت جائزة لأفضل الأوراق البحثية الإعلامية، وتقاضت رسماً لتحكيم الورقة من المتقدم مقداره 500 ريال. يبدو أن إدارة الجمعية قررت اغتيال تلك الجائزة اليتيمة بعد إعلانها، وهو أمر يضر بصدقيتها ولا يليق بمكانتها الأكاديمية.
وكيف هي تجربتك مع صحيفة «الاقتصادية"؟
- جيدة على العموم، وقمت بالإضافة إلى كتابة عمودي الأسبوعي في الصحيفة برهة من الزمن بتأسيس ملحق «المرأة العاملة» وتبويبه والإشراف على إخراج العددين الأولين منه.
الشيخ بن باز واسرائيل
يقول البعض إن لك صولات وجولات مع الشيخ ابن باز (رحمه الله) لتقريب الواقع له، هل هذا صحيح؟
- أنا من يتعلم من الشيخ ابن باز، وهو من كان يقرب الواقع إلي، ولكن فتواه بشأن الصلح مع إسرائيل، هي التي دفعتني إلى مناقشته، وتوضيح أخطار اتفاق أوسلو على القضية الفلسطينية. لقد شرحت له أن الاتفاق تجاهل القضايا الكبرى للصراع، وهي القدس واللاجئون والمستوطنات، وأنه لا يوفر أساساً لصلح متوازن مستقر، وقد استمع جيداً إلي، ووعد بتواضع جم «بالتروي» وإعادة النظر.
نملك الثروة، لكننا لا نملك التأثير الإعلامي.. أين يكمن الخلل؟
- أضف فقط كلمة «الإيجابي» بعد التأثير الإعلامي. هناك من يملك الثروة وقد سخرها لصنع تأثير سلبي وغير بناء. لا أدري لماذا يفعل السعوديون تحديداً ذلك. الإعلام الذي يموله سعوديون في الخارج يتناقض معنا ويؤذينا ولا يمثلنا. ثروة المال لم تصنع ثروة فكر ووعي.
متى سيزول الإعلام الحكومي، وهل تجد في إلغاء وزارات الإعلام ظاهرة حضارية؟
- الإعلام الحكومي يشهد حركة تصحيح نابعة من غريزة البقاء. أما إلغاء وزارات الإعلام، فالشأن ليس في الشكل، الشأن في المضمون. المهم أن يُحتفى بالنقد، وتزول العقبات أمام شرائح المجتمع كافة لتمارس حقها في التعبير.
مؤتمرات وزراء الإعلام العرب.. أليست فضيحة إعلامية؟
- أتساءل ببراءة: ماذا يصنعون إذا اجتمعوا؟ وهل لهم من الأمر شيء؟ وكيف لهم أن يمنعوا القطر من السماء؟
ترى كثرة الأقمار الصناعية في الفضاء.. بماذا تحدث نفسك؟
- أحياناً بالدكاكين، وأحياناً بوفرة العرض وحرية التنقل.
قناة الجزيرة.. هل أعادت الحياة إلى الساحة الإعلامية؟
- وهل كان فيها أثر للحياة قبلها؟
لماذا فكرة المجتمع المدني تخيف البعض؟
- لأنه فضاء حر تفاعلي يسمح للأقليات والمهمشين بالتعبير بعيداً عن ضغوط الحكومة والشركات الكبرى وجماعات المصالح، ولأنه يشكل رافداً من روافد الديموقراطية يحول دون استبداد النخب، ولأنه يستند إلى المثل والقيم أكثر من استناده إلى المال والنفوذ. والحكم الرشيد يحرص على إشراك مؤسسات المجتمع المدني وممثليه في صنع القرارات، لأنه من ناحية يمده بالشرعية، ومن ناحية أخرى يساعده في إدارة المشكلات وتقاسم المسؤوليات.
ما العلاقة المثلى بين المجتمع والسياسة؟
- المشاركة عبر الأطر المتاحة والممكنة. واهتمام المواطن بالشأن العام وإسهامه في رسم المستقبل السياسي والاجتماعي هو المدخل الصحيح إلى مواطنة صحيحة وإلى مجتمع أكثر نضجاً واستقراراً. وما يقال أحياناً من وجوب النأي عن السياسة بدعوى أنها تخص فئات بعينها، أو بدعوى أنها «أقذار» يجب ألا تتلطخ بها أيدي المتدينين وأهل العلم- كما صرح بذلك أحد الدعاة المعروفين في المملكة- يعني الحكم بالبؤس السياسي على المواطن، وتهميش شعوره بالمسؤولية والانتماء إلى الوطن. المشاركة السياسية تخلق التماهي بين الدولة والمجتمع، وتسهم في صناعة القبول وتحصين الجبهة الداخلية.
كيف تحلل الإنتاج الإعلامي لتيار القاعدة في العالم؟
- إنتاج لا مستقبل له، لأنه يتغذى من التطرف، ولا يقدم حلاً سوى العنف.
الجدل في الإعلام حول قضية الاختلاط أخيراً..كيف تقرؤه؟
- الجدل يعني النقاش وتبادل الرؤى، وهو ما لم يحدث بشأن تناول الاختلاط في وسائل الإعلام السائدة. وجهة نظر واحدة فقط استأثرت بالأعمدة.
من يخاطبنا في إعلامنا الخليجي غير خليجيين ؟ هل نحن فقراء إلى هذه الدرجة ؟
- تذكر أن معظم مالكي هذا الإعلام خليجيون، وهم من ينبغي أن يُسألوا عن ذلك. أعتقد أنهم فقراء إلا من المال، أما نحن فأبعد ما نكون عن الفقر.
تهمة التنظير للأكاديمي، إلى متى ستظل قائمة؟
- ومتى كان التنظير تهمة؟ التنظير أساس المعرفة، ومنطلق تفسير للأحداث والظواهر، يرسم إطاراً للفهم، ويساعد على ترشيد الفعل المستقبلي. إن كان التنظير «تهمة» فإن الأكاديمي بحاجة إلى المزيد من الالتصاق بها والتورط فيها.
المبادئ والنظريات عندما تعانق السلطة تتنازل كثيراً عن مضامينها، وتستسلم للمتغيرات بسرعة.. لماذا؟
- لأن بريق السلطة يذهب بالأبصار والبصائر. تشرشل قال مرة: «من الرجال من يغير حزبه من أجل مبادئِه، ومنهم من يغير مبادئِه من أجل حزبه». ومما قاله كوميدي أميركي مشيراً ربما إلى الافتتان بالسلطة: «هذه قيمي. إن لم تعجبك...لا بأس..سأغيرها». انظر مثلاً إلى الرئيس أوباما، نسي أجمل وعوده الانتخابية، وتنكر لخطبته العصماء في القاهرة، أمام إغواءات السلطة وضغوط المصالح المرتبطة بها. ولم يكن أوباما بالطبع أبا عذرتها ولا ابن بجدتها، فجورج بوش الأب مثلاً وعد في سياق حملته الانتخابية أنه لن يزيد الضرائب مردداً لازمة شهيرة أصبحت أغنية يرددها الناخبون: «اقرؤوا شفتيَّ: لا ضرائب جديدة» (Read my Lips: No New Taxes). لكن بوش قلب لناخبيه ظهر المجن بعد ستة أشهر فقط من انتخابه وزاد الضرائب. كان أغلب الناس يعرفون ذلك، بحسب استطلاع أجرته صحيفة الواشنطن بوست وشبكة ABC بعد أسبوع من الانتخابات، كشف أن سبعة من كل عشرة ناخبين لم يصدقوا وعد بوش.
في السبعينيات كان هناك ملصق يتهكم بالرئيس ريتشارد نيكسِن، يحمل عبارة تقول: «هل يمكن أن تشتري سيارة مستعملة من هذا الرجل؟». باحث أميركي اسمه روبرت دنتن قال في كتابه «الأبعاد الأخلاقية للاتصال السياسي» إن «كل» الرؤساء الأميركيين تقريباً اضطروا إلى تجاهل وعود قطعوها على أنفسهم في سياق الحملات. وقد وثقتُ كثيراً من هذه المسائل في كتابي «قوة الوصف».
التغيير والإصلاح
الجميع ينادي بالتغيير من دون أن يكون هناك نص معين نتغير لأجله.. ألا ترى أننا مفتونون بكلمة التغيير أكثر من اللازم؟
- التغيير شيء إيجابي، والله تعالى يقول: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وإذا لم تصنع التغيير، فإن التغيير سيصنعك، كما يقال. ولأن كلمة «التغيير» ذات بريق، فهي تتصدر غالباً برامج الأحزاب السياسية وحركات الإصلاح. كان شعار حملة أوباما: «التغيير الذي يمكننا الوثوق به»، واختارت حركة حماس شعار «التغيير والإصلاح» لخوض انتخابات 2006. لكن ربما نكون نحن العرب مفتونين بالتغيير أكثر من غيرنا لأننا لم نتغير منذ زمن؛ أوضاعنا لم تتغير منذ عقود، فلا تلم عربياً لو عشق التغيير، ولو من أجل التغيير.
لماذا انتقدت الصحافة السعودية في لقاء تليفزيوني أخيراً؟
- لأنها بحاجة إلى «تغيير».
الإرهاب كيف تفشى في مجتمعاتنا، وأين هم المختصون والمحللون ليشرحوه؟.. هل ولد فجأة، أم جاء نتيجة تراكمات تساهلنا في مراقبتها؟
- أفضل أن أسميه «العنف» أو «البغي» أو «الحرابة» بدل مصطلح «الإرهاب» الهلامي الجدلي. ثانياً: الظاهرة ليست وليدة اللحظة، ولم تنشأ من فراغ، والجذور عميقة ومتشعبة. تسأل: أين المختصون والمحللون؟ حسناً، تم منذ البدء «إرهابهم». هل تذكر يوم اجتمع كثير من كتاب الأعمدة وحتى بعض المشايخ على قلب رجل واحد، وصاروا يصرخون: يجب أن ندين «الإرهاب» من دون استخدام «ولكن»؟
لقد صادروا حقنا في النقاش وسبر أغوار المشكلة، وعدوا محاولة فهمها عبر الاستقراء والتحليل والربط والبحث عن الأسباب ضلوعاً مع أولئك الخارجين عن الصف. تصور، لقد ضاقت صدورهم بحرف استدراك يتيم، وفرضوا على المثقفين والمعلقين رؤية واحدة هي أشبه ما تكون بالحكم القضائي، متناسين أن دور القاضي يختلف عن دور المثقف أوالباحث، وأن مواجهة أية مشكلة اجتماعية أو سياسية لا تأتي من خلال إدانتها فقط، بل بالغوص في أعماقها بغية العثور على مقاربة ناجعة للتصدي لها. ثم أن «الإرهاب» الذي ترمي إليه في سؤالك هو شكل واحد من أشكال العنف الذي تعاني منه شعوبنا.
هناك عنف «رمزي»، وعنف «سياسي»، وعنف «إمبريالي». هناك ثقافة كونية متوحشة تمجد العنف، وتجعله الأداة الرئيسة لحسم الصراعات وتحقيق المصالح. ثم لماذا وحده الإرهاب الخارج من رحم ثقافتنا هو الذي يوصم بالعدوانية وفقدان الأنسنة والخطر على الحضارة؟ مرة أخرى، اغتيال المبحوح لم يكن «عنفاً» ولا «إرهاباً».
بعد تلك الجريمة بشهر، اصطدمت طائرة يقودها أميركي بمبنى ضريبة الدخل في أوستن، تكساس، ما أسفر عن قتلى وجرحى وأضرار، ورأينا في فضائية إخبارية عربية عنواناً عريضاً يقول إنه لا شبهة بعمل إرهابي. إنه إذن إرهابنا نحن، وجرائم من قبيل اغتيال المبحوح أو تفجير مبنى تكساس لا تدخل في صناعة الموت المصكوكة باسمنا نحن.. ونحن فقط.
كتابك «قولبة الآخر: قصة التشويه الحضاري والاغتيال الإعلامي للمسلم والعربي»، صدر قبل أحداث سبتمبر، كيف هو التشويه بعده إذن؟
- هائل بالطبع. لكن يمكن النظر إلى كتابين رائعين قمتُ بترجمتهما، وصدرا أخيراً عن «جودي للنشر والإعلام»، وهما «اللغة المتوحشة: مفردات الحرب الأميركية على الإرهاب»، و«حرب المعلومات: الدعاية الأميركية، التعبير الحر، والتحكم في الرأي بعد 11/9» بصفتهما رصداً تحليلياً عميقاً ومؤثراً لآليات عمل القولبة، ومظاهرها ومفرداتها وارتباطها الوثيق بالدعاية ومصالح النخب المهيمنة في الحكومة ووسائل الإعلام. هذا بالطبع لا ينفي الحاجة إلى تطوير «قولبة الآخر» ليصبح مواكباً للمرحلة.
علاقتنا بالمرأة .. من السبب في توترها؟
- مسكينة هي المرأة. تعبت من الشد والجذب بين تيارين. وكل يدعي وصلاً بليلى. وليلى تريد فقط أن تُمنح الفرصة لتقول رأيها فيمن «يشدها» و"يجذبها» أكثر. لكن ماذا تقصد بناء المتكلمين هنا؟ عن أي علاقة تتحدث؟ عن علاقتنا نحن الرجال بالمرأة، أم عن علاقة المجتمع كله بالمرأة؟ بصراحة، سؤالك يوترني.
أنت والمنصب الحكومي.. ما تزال هناك قطيعة، من منكما شروطه صعبة؟
- يقال إن الذي يذهب إلى الجامعة ولا يخرج منها أبداً يُسمى «بروفسوراً». لا يوجد منصب في الدنيا يعادل لحظة تبتل في محراب المعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.