مركز الملك سلمان للإغاثة ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير المقبل    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    أوروبا تُلدغ من جحر أفاعيها !    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الجزيرة) تُقيم مائدة للحوار عن التغريب (2 - 2) نقاش حول حقيقته.. وهل مجتمعنا السعودي يواجه تغريباً ؟
نشر في الجزيرة يوم 18 - 08 - 2011

امتداداً لما تم طرحه في الجزء الأول من هذا الحوار الثنائي على هذه الصفحة حول حقيقة التغريب! وهل المجتمع السعودي يواجه تغريباً، حيث ناقش الضيفان بعض المحاور الرئيسة بهذه المسألة كمفهوم التغريب وبعده التاريخي، وعلاقته بالصحوة الإسلامية من جهة ومن جهة ٍ أخرى تحديث المجتمع أو تغريبه. في هذا الجزء يواصل الضيفان الإعلامي الدكتور محمد الحضيف، والقاضي والكاتب الصحافي الدكتور عيسى الغيث طرح آرائهما في محاور أخرى أبرزها قضية المرأة وعلاقتها بالتغريب المزعوم، خاصةً بعض الفعاليات التنموية والمناسبات الثقافية التي تشترك فيها المرأة، ولأن تلك الفعاليات تعكرها بعض الممارسات غير المنضبطة كما يرون ذلك.
التعامل مع القيم الوافدة
إذا كان الحال كذلك بالنسبة لمجتمعنا السعودي: فلماذا نخاف من الأفكار الغربية والقيم الوافدة والمجتمع يستند على ثقافة إسلامية سلفية، ويتمتع بخصوصية اجتماعية في العادات والتقاليد، وأفراده يتلقون تعليماً دينياً مكثفاً.. ألا يعكس وجود هذا الخوف عن هشاشة في البناء الفكري للمجتمع السعودي؟
يتفق الدكتور الغيث مع ذلك ولكن ينبه قائلاً: (صحيح، ولكن الهشاشة ليست لدينا وإنما هي في فكر هؤلاء الإخوة الذين جمعوا بين خطأ وخطيئة، فالخطأ عدم مبادرتهم بالعمل، والخطيئة وقوفهم أمام المبادرين بالعمل، وبالتالي نسأل الله أن يعينهم على الحساب).
غير أن الدكتور الحضيف يؤكد مرة أخرى على مسألة فرض الأفكار والقيم بدعوى التطور، فيقول: (القيم الوافدة تصبح مصدر خوف وقلق، حينما تتم قولبتها في قوانين، وتفرض على الناس بدعوى التطور. عندما يوضع الفرد في موقف يطالب فيه أن يستحي من ثقافته ليتبرأ منها، بوصفها شكلاً من أشكال الإعاقة، مسئول عن كل مظاهر التخلف، وأن عليه أن ينسلخ من كل ما آمن به، وظن يوما أنه دين وحضارة له، ويعتنق منظومة أفكار يقرر غيره بغير إيمان منه هو، وضد إرادته الشخصية، أنها هي ما يحتاجه، إن أراد أن يكون مواطنا سوياً يتمتع ببعض الحقوق. حينما يفقد الفرد حقه في الاختيار، ويصبح أمام تغيير قسري للذي يؤمن به.. فيجب أن نخاف. لأنه ليس أخطر على استقرار المجتمعات، من فرض الأجندات الشخصية، بوصفها اختياراً جماهيرياً، ومصلحة وطنية).
علاقة المرأة بالتغريب
الحديث عن المجتمع السعودي لابد أن يعني أو يشمل المرأة بالدرجة الأولى، ولهذا فمن الطبيعي أن تكون المرأة السعودية هي محور الجدل الدائر حول التغريب بين التيارين الديني (المحافظ) والليبرالي (التنويري).. فما رأي ضيفي (الجزيرة) من حيث اعتبار المرأة السعودية خط الدفاع الأخير للمجتمع ضد الأفكار والقيم الوافدة؟
الدكتور عيسى الغيث يعتبر أن جميع خطوط الدفاع لدينا سليمة ومتماسكة ولا نخشى المواجهات مع التغريب ولا التشريق، معتبراً من يقول هذا الكلام بأنه مخذل ومهول بل وربما مرجف، متسائلاً بقوله: (فما هي خطوط الدفاع التي خسرناها ولم يبق إلا خط دفاع المرأة؟، إن هذه الروح الانهزامية والتشاؤمية هي التي بلغت بهم هذا الحد، ويؤسفني أنهم يدعون المحافظة على المرأة وهي تتآكل من داخلها بسببهم، بعد أن حرموها الكثير من حقوقها بعدة مبررات واهية، وبالتالي أصبحت لقمة سائغة للهزل والهشاشة، والشيء الذي لا تُحركه يصبح منطقة رخوة للانكسار)، كما يؤكد الغيث أن التيار الديني لا يمثل كل الناس، فيقول بشكل محدد: (وأما التيار الديني فهو لا يمثل كل الناس، لأن المجتمع كله متدين، وبالتالي في ظل العلم والوعي وأدوات التثقيف أصبح المجتمع يتغير، لأن لدينا الثلثين من السكان تقل أعمارهم عن الثلاثين عاماً، وهؤلاء يفكرون بطريقة غير التي نفكر بها، وخلقوا لزمان غير الذي خلقنا له، وبالتالي حركة التاريخ والسنن الكونية والفطرة الإنسانية والقيم الإسلامية أكبر من الأفراد والجماعات، وبالتالي فالتيار الديني بأنواعهم سوف يتجاوزهم الزمن إذا لم يركبوه ويقودوه ويرشدوه نحو المصلحة الدينية والدنيوية).
من جانبه يقول الدكتور محمد الحضيف: (المرأة عنصر جوهري في أية عملية تحول، أو تغيير اجتماعي. كما أن التغريب في خطواته الأولى لا يستهدف الأفكار والثوابت المقدسة مباشرة، بل يستهدف نمط السلوك وأسلوب الحياة، قبل أن يتحول إلى منظومة قيم وطريقة تفكير، يتم فرضها عبر شرعنتها وتقنينها. لذلك تكون المرأة هدفاً سهلاً ومنطقياً، لحملات التغريب. كما ينبه الحضيف إلى نقطة التسلسل التغريبي من خلال المرأة، بقوله: (الدور الجوهري والأساس للمرأة في الأسرة والمجتمع، يجعل تغريبها عبر استغلال أشكال ظلم تقع عليها، أنسب الأساليب وأسرعها وأكثر مظاهرها وضوحاً. لأن المثال الذي سيقدم حينها، عن ظلم تعاني منه المرأة السعودية، مقابل المكتسبات التي حققتها المرأة الغربية، وفي مقدمتها حريتها المطلقة التي تعني ضمناً الحرية الجنسية).
في ضوء ذلك بما نفسر حالة التعبئة الفكرية من قبل التيار الديني (المحافظ) إزاء أية تظاهرة ثقافية، أو منتدى فكري، أو ملتقى اقتصادي تشارك فيه المرأة بحجة التغريب رغم أنه يتم بعلم الجهات الرسمية؟ محمد الحضيف يبرر موقف التيار الديني بقوله: (التظاهرات الثقافية، أو المنتديات الفكرية والاقتصادية المشار إليها، ليست معبرة عن حالة أو وضع تحتاجه المرأة السعودية، بقدر ما تمثل نموذجاً لترويج حالة مراده ومقصودة لخدمة أجندة مشبوهة، يمكن تطويرها إلى ظاهرة، ومن ثم تمريرها لتكتسب قبولا شعبياً، وصفة رسمية، ومن بعدها تكون واقعا لا يمكن تغييره). والسبب في رفض هذه الفعاليات كما يقول الحضيف: (لم تناقش أي من هذه التظاهرات أو المنتديات، المشاكل الحقيقية للمرأة السعودية. هناك مشاكل طلاق، وعضل، وتعد على الميراث، وتعليق للمرأة، وحرمانها من حقها في حضانتها لأطفالها، وغمط لكثير من حقوقها التي كفلتها لها الشريعة. هناك أرامل ومطلقات أذلهن الفقر، ليست من اهتمام هذه التظاهرات والمنتديات).
كما يضيف: (هناك بطالة بعشرات الألوف بين نسائنا الجامعيات تستغل لدفع المرأة لتعرض نفسها، في بيئة موبوءة بالاختلاط. هذا ما تهتم به هذه المنتديات. إنها تظاهرات ومنتديات (نخب)، تريد أن تفرض أجندتها على العموم). في المقابل يذهب عيسى الغيث إلى أن التجاوز في تلك الفعاليات بشأن المرأة لا يبرر هذه الهبة غير العادلة، يقول: (ابتداءً قد يكون هناك بعض التجاوز في طريقة عرض بعض المناشط ما يعتبر فيه شيء من الاستفزاز، ولكن هذا لا يبرر هذه الهبة غير العادلة ولا الحكيمة تجاه هذه الفعاليات، والغريب في الأمر أنني بحثت عن قراءة علمية نقدية لمثل توصيات منتدى خديجة - على سبيل المثال - ولم أجد، فكان يجب أن تؤخذ النقاط واحدة ويبين للجميع خطأها ودليل تخطئتها إن كان ثمة خطأ، وإلا فالحكمة ضالة المؤمن، ولكن بدون ذلك لا جدوى عملية، فنحن في زمن العلم والوعي، ونريد أن نقنع الناس بالحجة والبرهان وليس بطول اللسان وفحش البنان، وقد لاحظت قيام منتدى آخر بعده في الرياض وهذا تحول إيجابي حيث انتقل المحافظون من مجرد الصراخ إلى العمل الفعلي، والميدان هو الحكم وليست البيانات والتخوينات هنا وهناك).
ولكن في مقابل موقف التيار الديني من تلك الفعاليات، ألا يشابه ذلك موقف التيار الليبرالي (التنويري) من تورط بعض الجماعات الإسلامية في قضية الإرهاب، والنقد الموجه للظاهرة الإسلامية بسبب مسائل التشدد والتكفير، بحيث أسهما في إعطاء مساحة لهذا التيار في تسويق القيم والأفكار الغربية تحت دعوى تحديث أنشطة التنمية؟
بداية يتحفظ الدكتور الغيث على مصطلح الليبرالية، ولا يسلم بوجودها لدينا كتيار منظم، إنما قد تكون على مستوى أفراداً أكاديميين وإعلاميين، متصوراً أن الموجة الليبرالية اليوم هي في كثير منها رد فعل على التشدد الموجود لدينا، ويقول: (ونظراً لعدم وجود تيار وسطي ناشط فقد خرج طرف يقابل طرف، وإلا فكثير من خطابهم لا أرى فيه خروجاً على الثوابت، وبالتالي، فالحل في تنشيط تيار معتدل يجد فيه معتدلي الطرفين البديل المناسب، وإنني ألحظ بأن الحكم على التيار الليبرالي المحلي غير علمي، لأنه تم تحميلهم وزر تاريخ المصطلح وبعض تطرف الداعين إليه، ولكن يجب أن نقرأ خطابهم لنرى أنهم لا يسوقون في الكثير منه للقيم والأفكار الغربية)، ثم يتساءل: (وكدليل على ذلك: هل نسمي التطور الماليزي والتركي تغريبي؟، أم نفخر بهما ونرجو أن نكون مثلهما؟، لذا فأرى من الواجب ألا يجعلنا مجرد أن هذا الخطاب يسمى إسلامي فيكون مبرراً لنا لنأخذه على علاته والتسليم به ولو كان معلولاً، وفي المقابل لا يحعلنا مجرد أن هذا الخطاب يسمى ليبرالي فيكون مبرراً لتركه مع ما قد يتضمنه من حق ومصلحة، فالحكمة ضالة المؤمن، مع اعتقادي بأن الكثير ممن يسمون بالليبراليين هم من المؤمنين وقد يفوقوننا صلاحاً وتقوى).
الدكتور محمد الحضيف له رأي مختلف عن ما قاله الدكتور الغيث، فهو يؤكد أن أعمال العنف والإرهاب، أعطت وكلاء المشروع الأمريكي في المنطقة فرصة تاريخية، لإحداث خرق في جدار الثقافة المحلية، والسعي لاختراق بنية المجتمع ونسيجه الأخلاقي - كما يقول -، ويضيف: (كانت أعمال الإرهاب مسوغاً لتمرير أجندة مخطط لها، فاستهدفت معظم الظواهر والمؤسسات الدينية، بدعوى أنها تمثل محاضن للإرهاب. كما تم تسويق المفاهيم والسلوكيات الغربية الحالية، باسم تجفيف منابع التطرف!)، كما يقول: (ليست القضية أن يروج وكلاء المشروع الأمريكي، ممن يسمون بالليبراليين، لفكرة سخيفة مسؤولية الإسلام عن الإرهاب. القضية هي أن يتبنى بعض العقلاء هذه الفرية. أليست المناهج التي ُتتهم بأنها مسئولة عن التطرف، هي نفس المناهج التي درسها ونفس المدارس التي تخرج فيها كل مسئولي الدولة قبل أحداث سبتمبر؟ كم عدد الذين اعتنقوا الفكر المتطرف من السعوديين، وانخرطوا في أعمال عنف مقارنة بعدد المواطنين الذين تخرجوا من نفس المدارس، وتعلموا نفس المناهج، التي تتهم بأنها مسئولة عن الإرهاب). ثم يحدد بقوله: (استهداف الظاهرة الدينية في الداخل فكراً ونشاطاً ومؤسسات، ليس إلا صدى لحملة عالمية قادتها الإدارة الأمريكية اليمينية السابقة في حربها على الإسلام، باسم الحرب على الإرهاب. المتدينون في المملكة ظاهرة أصيلة، تجدها في كل مظاهر التنمية، أطباء متميزون في المستشفيات، علماء وأساتذة مبدعون في الجامعات، مهندسون وصيادلة وقانونيون.. ومن كبار التجار ورجال الأعمال. لذلك.. فالمزايدة على التقدم والتطور والتنمية باسم الليبرالية، ومحاربة التشدد دعاية فارغة، للتستر على أهواء شخصية، وأجندة خارجية).
موقف الإعلام من التغريب
أيضاً في شأن ٍ متصل.. إلى أي مدى أسهم الإعلام السعودي، سواءً الصحافة المحلية أو القنوات الفضائية التجارية في تسويق أدبيات وأفكار وقيم الغرب بما يحسب تحت مظلة التغريب - إن صح التعبير - وما دور الإعلام الغربي والمؤسسات الثقافية الغربية في ذلك؟. أحياناً حينما أقرأ هذا التهويل عن التغريب أحسب أنني في شيكاغو - هكذا يقول الغيث - مضيفاً: (فأخرج فلا أجد بفضل الله إلا مساجد ترفع فيها الأذان وتقام فيها الصلاة، ونساء متحجبات محتشمات، وبيئة محافظة نفخر بها، فلماذا كل هذا التهويل، ألا نعلم بأن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: من قال هلك الناس فهو أهلكهم؟). إلا أن الحضيف يرى خلاف ذلك ويؤكد دور الإعلام الواضح، فيقول بشكل محدد: (الإعلام السعودي ليس واحداً. هناك بعض القنوات الفضائية التي يملكها سعوديون، تقوم بدور تغريبي على مستوى العالم العربي، إعلام يمارس هجوماً ممنهجاً ضد الثوابت الأخلاقية للمجتمعات العربية المسلمة، وأسهم في خلق جيل كامل، يعاني من تشوهات عميقة في سلوكياته وطريقة تفكيره، بسبب سيل الرسائل الإعلامية المنحرفة، المصادمة لنسقه الديني ومنظومته الأخلاقية، الذي تنهمر عليه، من خلال البرامج والدراما الغربية. لقد أصبح عدد من الفضائيات السعودية التجارية، معبراً للثقافة الهابطة ونمط الحياة الغربية، ووسيلة لتطبيع العلاقات المحرمة بين الجنسين، من خلال كم هائل من البرامج والدراما الغربية المترجمة والمدبلجة. هناك اغتراب حقيقي داخل المجتمع، لدى نسبة عالية من الأجيال الشابة، بسبب الثقافة الهجينة التي تخلقها بعض الفضائيات، وبعض مواقع الانترنت.
كيفية العلاقة مع الغرب
بعد الحديث المتعدد الأفكار حول حقيقة التغريب، لابد أن نتفق حول كيفية صياغة العلاقة مع الغرب الذي نتعامل معه ونستفيد منه ونخشى قيمه، من منطق مناقشة نظرية (نهاية التاريخ) التي قال بها المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما، وهل تعد تأكيداً لحقيقة التغريب كونه اعتبر أن الليبرالية الغربية هي الأنموذج الحضاري السائد والأخير الذي انتهى إليه العالم، وبالتالي يتم تسويقه في كل المجتمعات وبالدرجة الأولى المسلمة؟ يعتبر الدكتور الحضيف أن الأزمة المالية العالمية وكذبة الحرية والديمقراطيات في حروب العراق وأفغانستان، هي الرد الأبلغ على مقولة نهاية التاريخ، التي يدعي دهاقنة الليبرالية الغربية، أن الحضارة الإنسانية انتهت عندها، موضحاً بقوله: (اعتبر فوكوياما في مقولته نهاية التاريخ، أن سقوط الأنظمة الشيوعية وفشل النظرية الاشتراكية وتطبيقاتها في البلدان التي نشأت فيها، هو بحد ذاته نجاح للقيم الغربية المتمثلة بالديمقراطية في النظم السياسية، وحرية التعبير للأفراد، واقتصاد السوق في النظام الاقتصادي، مقابل النظام الشمولي ودكتاتورية الحزب الواحد، ومصادرة حق التعبير، فوكوياما بناء على ذلك، رأى أن مسيرة تاريخ الحضارة الإنسانية، قد وصلت حدها، وبلغت أوجها ونهايتها، وأنه لم يبق شيء يمكن أن تسعى إليه البشرية. فوكوياما في ما سماه نهاية التاريخ، قاس وقارن بين ما عليه المجتمعات والنظم الغربية، وبين النظرية الماركسية، المصادمة للفطرة البشرية. نظرية حملت بذرة فنائها من بداية تشكلها)، مضيفاً: (رغم أن مقولة فوكوياما، قد تم الرد عليها ودحضها في حينها، إلا أن الوقائع التي حدثت في السنوات العشر الأخيرة، نسفت النظرية من أساسها. على المستوى الأخلاقي سقطت الليبرالية الغربية في امتحان إدعاءاتها بالحرية والديمقراطية، وانكشف عوارها في أتون الحروب الدموية التي أشعلتها في العراق وأفغانستان، حيث القتل المخيف للأبرياء وتدمير مجتمعات بأكملها. شاهدنا كذب الساسة الغربيين. كذبة أسلحة الدمار الشامل، التي كانت مبرراً لغزو العراق، سقطت ورقة التوت، وتعرت نظماً تدعي الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان تسيرها مشاعر صليبية دفينة، وسلوك عصابات المافيا، حيث الهيمنة والمال والمصالح الشخصية، فوق كل معيار أخلاقي)، لم تكن فظائع المعتقلات العراقية، وسجن أبو غريب الرهيب، أو القتل العشوائي للأطفال والنساء في القرى الأفغانية والباكستانية. بل شاهنا أيضاً، كيف سعت الليبرالية الغربية لحجب الحقيقة، وتكميم الأفواه بمنع وسائل الإعلام، وقتل الصحافيين لتغطية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. اقتصادياً أسقطت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، عمود الليبرالية الغربية الثاني، حين عصفت الأزمة بقلعة الرأسمالية العالمية، وضربت هزاتها الارتدادية اقتصاديات العالم، وأوقفت كثيراً من المجتمعات على شفير إفلاس. كانت هذه الأزمة وكذبة الحرية والديمقراطيات في حروب العراق وأفغانستان، هي الرد الأبلغ على مقولة نهاية التاريخ، وأن الحضارة الإنسانية انتهت عندها). لكن الدكتور الغيث له رأي مختلف نوعاً ما، يقول: (فوكوياما وغيره لا يدعون تصديرهم لفكرهم، وإنما يراهنون على انتشاره باستيراد الآخرين له، وعلى ذلك فالحكمة ضالة المؤمن، وأي منتج يحقق مصالحنا دون أن يتعارض مع ثوابتنا فهو واجب علينا وليس مجرد حق لنا، وأرجو ألا نصل إلى حد إعطاء هؤلاء الكتاب أو دولهم أكبر من حجمها، فقد كانت قوة الإتحاد السوفيتي أكبر من أمريكا اليوم، ومع ذلك أين ذهبت؟!، فإننا قد ضعفت ثقتنا بأنفسنا حد خوفنا من الآخر ورهبتنا من مجرد النظر إليه، فضلاً عن الاستفادة منه، ولا أدري كيف أجمع بين ضخامة الخوف منه بدافع عظمة نظرتنا إليه وفي نفس الوقت ضخامة التقليل من فائدته والتحذير من الاستفادة منه، فهذا تناقض لا يقبله العقلاء، فإن كان ضالاً ولا فائدة فيه فلماذا الخوف منه؟!، وإن كان قوياً متميزاً فلماذا نُحرم من الاستفادة منه؟!، وها نحن بالأمس واليوم وغداً عالة عليه في غالب ضروراتنا الحياتية، وحتى مواردنا الطبيعية نسوقها إليه ليعيدها لنا بأضعاف مضاعفة، فهلا راجعنا أنفسنا بكل ثقة وحكمة؟).
مرجعية حوارات التيارات الفكرية
أخيراً ألا يفتح موضوع التغريب أهمية الاتفاق على مرجعية إسلامية محددة في حواراتنا الاجتماعية بين التيارات الفكرية داخل إطارنا السعودي، بحيث تمنع حالة الجدل البيزنطي واللغط الفكري في تلك الحوارات، كما تسهم في تحديد توجهنا الحضاري وعلاقتنا مع الآخر خاصة ً الغرب؟ الغيث لا يرى المشكلة في عدم وجود مرجعية لأنها موجودة فعلياً بدين الله المحفوظ، إنما في تطبيقات هذه المرجعية، يقول: (ولكنهم لا يستدلون على مزاعمهم، وإذا أوردوا شيئاً منها إذ بهم يلوون الواقع عن حقيقته، والدليل عن دلالته، ويكابرون في كل نقاش، فهم يجيزون لأنفسهم تحريم الحلال، ويحرمون علينا تحليل الحلال، بل وحتى مناقشتهم يرفضونها ويسعون في تكميم أفواه مخالفيهم، مع أنهم يجيزون لأنفسهم نقاش من يريدون، وأحياناً يبلغ الحد الفجور والسباب والشتائم، ناهيك عن الكذب والتضليل، وبالتالي لا أفهم لماذا يخاف صاحب الحق من المناقشة، فإن كان دليله قوياً فلن يتهافت، وإن كان دليل مخالفه ضعيفاً فلن يقوم له قائمة، وإن كان العكس فالحق قديم وهو ضالة الجميع، وخذ مثالاً واقعياً عايشته، فأنا في حياتي لم أتقدم للفتوى لا في تلفاز ولا إذاعة ولا صحيفة، وليس بسبب عدم القدرة، فهناك من هو دوني يتسابق عليها، ولكنها سنة السلف في دفع الفتوى، ومع ذلك حينما بدأت مناقشة أدلة المحرمين للاختلاط في سلسلة مقالات صحافية قامت قيامة الكثير من الإخوة، ولكنني لم أر رداً واحداً عليها، فإن كان ما أقوله حقاً فلماذا لا يُسلمون به، وإن كان باطلاً فلماذا لا يردون عليه بكل علم وأدب.
فهل يراد منا نحن السلفيون الذين تربينا على التأصيل بالكتاب والسنة وأننا لا نعرف الحق بالرجال وإنما نعرف الرجال بالحق بأن نكون مستسلمين ولسنا مدركين؟!، فما أجمل السلفية حين نطبق نظرياتها ولا نتناقض بممارساتنا).
من جهته يقول الدكتور الحضيف: (لا شك أن تعدد المرجعيات الإسلامية، يُوجد حالة من الارتباك في الشارع الإسلامي. رغم أن تعدد الآراء والاجتهادات في التراث الفقهي الإسلامي، حول مسائل معينة في العبادات والمعاملات، هي واحدة من أبرز السمات الجميلة، ومظاهر التنوع والتيسير في الفكر الإسلامي. الذي حدث أن هذا التنوع والتيسير، استخدم من قبل البعض للانقلاب على الأولويات، وتم توظيفه لخدمة أراء ومواقف واجتهادات شخصية، أكثر منه إثراء للحوار مع الغرب، والتفاعل مع الثقافة الغربية، والاستفادة من إيجابياتها).
من إجابتي الغيث والحضيف الأخيرتين سواءً بالنسبة للعلاقة مع الغرب أو تحديد المرجعية، يمكن أن نسأل: كيف يمكن الخروج من اللغط الفكري القائم حول ما يسمى (التغريب) بشكل يفصل بين ما هو قائم على (المشترك الإنساني) من صناعة وطب وإدارة وغيرها، وبين ما هو قائم على (التبادل الثقافي) وما ينطوي تحته من قيم وأفكار غربية في إطار علاقتنا الحضارية مع العالم الغربي؟ يقول الدكتور محمد الحضيف ببساطة: (هناك أيضا قاعدة فقهية مهمة وهي درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. تجاهل هذه القاعدة المهمة، هو جزء مقصود من لعبة العبث بالأولويات، وتسويق بعض المفردات السلوكية على البسطاء، بمعزل عن سياقها الثقافي، وهو ما يصنع الجدل الذي تحدثت عن وجوده. هو كذلك، ما يدخل فئات من الشعب في معارك هامشية مع بعضها، تستنزف فيها طاقتها وتهدر قدراتها، وتعطل عجلة التنمية). أما الدكتور عيسى الغيث فيختصرها بجملة يقول فيها: (الخروج ببساطة عبر مطالبة الموسوسين بذكر هذه التغريبيات ودليل وجودها ومسوغ تحريمها، وحينئذ لن تجد إلا المبالغات).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.