في إحدى إشارات المرور بالقاهرة تجده يتجول بين السيارات، ممسكا بيده مجموعة من الكتب التي تحوي صورته وهو بزي الإحرام، وأخرى مع اللواء عبد الحليم موسى، وزير الداخلية الأسبق، الكتب تحمل عناوين "اعترافات اللص التائب" و"كيف تحمي بيتك من السرقة؟" و"عودة اللص التائب من داخل مستشفى المجانين". وأمام كل سيارة يقف محمد راشد (48 عاما) يقصّ حكايته، وكيف أن الله تاب عليه من السرقة، وأنه أرجع كل ما جمعه إلى وزارة الداخلية، وأصبح الآن يجمع قوت يومه من بيع مذكراته في الإشارات، وبعض النصائح. قصة راشد -ابن محافظة سوهاج- بدأت قبل 35 عاما، عندما هجر والده المنزل تاركا له خمسة من الإخوة ووالدتهم، دون مصدر رزق، بحسب صحيفة "المصري اليوم". وبعد رحيل الوالد عن البيت، بدأ راشد يبحث عما يسد جوعه وجوع أسرته، فوجد تعاطفا من الجيران، إلى أن جاء يوم طرق فيه باب أحد الجيران عدة مرات، لكن لم يجبه أحد، فدخل إلى ساحة البيت فوجد مجموعة من الطيور الداجنة في ساحته. لم يتمالك راشد -ابن الثالثة عشر سنة- نفسه، حتى أمسك بأحد هذه الطيور، وعاد به إلى البيت، ولم تسأله والدته من أين جاء به. مرت تجربة السرقة الأولى البسيطة بسلام، لكنها كانت النواة التي انشطرت عن لصّ محترف، خاصة بعد أن شاهد فيلما أمريكيّا يحكي قصة لصّ محترف يتفنن في سرقة منازل الأثرياء. وما أن انتهى من سماع الفيلم، حتى بدأ راشد يفكر كيف يطبق ما شاهده في الفيلم على أرض الواقع، خاصة وأن بطل الفيلم كان يتخذ تخصصا في السرقة، وهو أن الضحايا لا بد أن يكونوا من الأثرياء، حتى تؤتي العمليات ثمارها. وعن هذه المرحلة الجديدة يقول راشد: "استعملت ذكائي في سرقة الشقق، وكنت أستخدم أساليب كثيرة لمعرفة ما إذا كان هناك أحد في المنزل أم لا، ودائما كنت أركز على شقق المشاهير والأجانب، وكنت أحمل ما قلّ وزنه وغلا ثمنه". ثلاثة شهور فقط في العام هي فترة الإجازة الدراسية كانت كافية لأن يترك راشد الصعيد ويقيم في القاهرة ليتفرغ للسرقة ثم يعود إلى بلده لينتظم في المدرسة من جديد. أول شقة لم ينس راشد أول شقة سرقها؛ حيث كانت بحي الدقي الراقي، وكانت ملكا الدكتور صوفي أبوطالب -رئيس مجلس الشعب السابق- قائلا: "دخلت شقة الدكتور صوفي ولم أعرف أنها شقته إلا من الجرائد، فقد كنت حريصاً على أن أطلع على الجرائد اليومية، خاصة بعد كل سرقة أقوم بها، أما المصوغات والمجوهرات فدائما ما كنت أبيعها إلى التجار في الصعيد، بعد أن أدعي أنني ابن عمدة كبير في البلد". وخلال عدة سنوات استطاع راشد أن يكوّن ثروة طائلة من السرقة تقدر بالملايين، فاشترى شقة في حي الدقي، ووضع أمواله في بنكين أحدهما أجنبي يضع فيه العملات الأجنبية والآخر مصري كان والده يعمل أمامه ماسحا للسيارات. وإضافة إلى أنه اشترى سيارة واستأجر لها سائقاً، فقد تزوج وأنجب 8 أبناء وساعد إخوته في أن يكملوا تعليمهم ويتزوجوا. الأب الحقيقي وذات مرة كسر شقة سيدة مسنة لديها أكثر من 70 عاماً، فأخذت تصرخ، إلا أنه رفض أن يدفعها خشية أن يؤذيها وظلّ ثابتا في مكانه حتى وصلت الشرطة التي اكتشفت جميع سرقاته السابقة من خلال بصماته، وأخذ حكماً بالسجن 3 سنوات. "لكن السجن –يقول راشد- كان بمثابة الأب الحقيقي لي، تربيت على يده، حيث تعرفت هناك على ذئاب بشرية منبع الإجرام والخطر، عالم منحط وقذر فيه المجرمون والشواذّ، وقتها قررت الابتعاد عنهم نهائيّا وأطلقت لحيتي والتزمت بالصلاة". وبعد أن خرج من السجن قرر راشد أن يعيد الأموال التي سرقها على مدار 12 عاما إلى أصحابها، فذهب إلى عبد الحليم موسى وزير الداخلية في ذلك الوقت، ومعه كل الأموال التي سحبها من البنوك وعقد تمليك لعمارة في وسط القاهرة ومفاتيح عربية وسوبر ماركت، وكل ما يملك. لكن كان أمامه حمل ثقيل، هو أن أسرته التي اعتادت أكل الحرام رفضت أن تعطيه وثائق الممتلكات، كما رفضت توبته، إلا أنه استطاع أن يصل لها بالتحايل. لم يلتفت راشد لهم، وسلم كل ممتلكاته، وبعد أن علم الرئيس المصري حسني مبارك بما فعله أعطاه شقة ومنحة مالية ساعدته على الحياة لفترة، ومكافأة رحلة حج، وهناك حصل على منحة أخرى من رجال أعمال سعوديين. لكنه لم يفد من المنحة السعودية كثيرا، خاصة بعد أن قام بشراء ماكينات خياطة وأجهزة وزعها على التائبين ممن خرجوا من السجن ليبدؤوا بها مشاريع صغيرة، بدلا من العودة إلى طريق الانحراف، أملا في أن يتقبل الله توبته. ولم يتبق معه من هذه الأموال شيء، فاضطر إلى أن يكتب مذكراته، ويضعها، ومعها بعض النصائح لتفادي سرقة المنازل في كتاب تحت عنوان "كيف تحمي بيتك من السرقة". وأخذ يوزع الكتاب في الإشارات، ليصبح هذا هو المورد الوحيد له لتربية أبنائه ال8، واستطاع أن يزوج منهم ثلاث بنات وعلم آخر وساعده في الحصول على بكالوريوس الهندسة، ولا يزال لديه الآن أربعة أطفال في مراحل التعليم المختلفة.