تستكمل "الرياض" اليوم حديثها مع اثنين من المتعافين من تعاطي المخدرات، حيث تختلف حياتهما الأسرية، فالأول عانى من قسوة الأهل، فيما كانت حياة الدلال التي عاشها الثاني سبباً في تعاطي المخدرات، نتيجة القدوة السيئة التي كان يعيش في ظلها مع شقيقه الأكبر. القسوة والحرمان في البداية التقينا مع (محمد) الذي عاش طفولة مريرة يعتقد بأنها السبب في تعاطي المخدرات، بسبب سخرية أشقائه وأقاربه من بشرته السوداء إلى درجة أنه شعر بأنه يعيش في أسرة لا ينتمي لها، لذلك فضل الانعزال منذ طفولته عن أفراد أسرته، مما جعله يصاب بالسلوك الإدماني الذي أثر على سير حياته. يحب العزلة كان محمد يحب العزلة ويفضل أن يخرج مع أصدقائه بعيداً عن حيه ومنزله أو اخوانه لذا تعرف وهو في الصف الخامس الابتدائي على مجموعة من الطلاب الذين يدخنون خارج المدرسة وفضَّل الانضمام لهم وتناول أول سيجارة التي ما يزال يتذكر كيف قام بتدخينها.. تلك السيجارة كانت بداية الشرارة التي أشعلت طفولة وشباب محمد وغيرت مجرى حياته. بدأ محمد ضعيفاً في دروسه حتى أنه لم يفلح بالحصول على الابتدائية بسهولة إذ إنه رسب ثم رسب حتى جاء الفرج وتخرج وهو في سن الخامسة عشرة. وكان إخوته على عكسه يشقون حياتهم الدراسية بكل سهولة وتفوق. حصل محمد على شهادته الابتدائية وبدأ يدرس في المرحلة المتوسطة إلا أنه لم يستطع اكمالها وبدأ يحب السفر وتعاطي الكحول مع أصدقائه هناك.. ومع الأيام أصبح يريد تناول الخمر في مقر إقامته بالدمام. الإدمان على الحشيش ذهب ذات يوم إلى أصدقائه الذين سبقوه فوجدهم يدخنون الحشيش فطلب شراباً.. إلا أنه استسلم سريعاً وبدأ يتناول الحشيش المخدر مع زملائه فأصبح مهووساً بتناول الخمر والحشيش، وبدأت مشاكله تظهر لا سيما أن إخوته وصلوا للجامعة فمنهم من يدرس الطب ومنهم من يدرس الهندسة أما هو فكان خارج الحسابات شخصاً مهمشاً بسبب إدمانه على الخمر والحشيش وزاد هذا الأمر من عزلته والاكتفاء بأصدقاء المخدرات. وذات يوم أخبره أصدقاؤه أنهم سيذهبون إلى الخارج إلا أنه لم يستطع تدير مبلغ الرحلة فالكل لا يريد أن يقدم له المال خوفاً من شراء المسكرات فظل وحيداً، فيما سافر بقية اصدقائه وبعد أسبوعين عاد أصحابه إلى إحدى الدول القريبة وقاموا بالاتصال به وعلى الفور انطلق إليهم وعندما وصل أخبروه أنهم في إحدى الشقق هناك، ولدى دخوله عليهم تفاجأ بضحكاتهم وتعاطيهم ل "بودرة الهيروين" فلم يتردد بتناولها لتبدأ رحلة شاقة مع تعاطي المخدرات اضطر بسببها للسرقة والكذب والخداع حتى أنه سرق مصوغات أسرته، وعندما سألوه عنها قال لهم إن لصاً دخل إلى المنزل، فصمت الأهل خوفاً من الفضيحة ولتأكدهم أنه هو من سرق الذهب وبعض الأثاث الذي يكفي لشراء جرعة.. وهكذا أصبحت حالة محمد شخصاً مفقوداً في وسط عائلة كبيرة ميؤوس منه. السنوات مرت ودخل هو في عامة الأربعين وأخوته تزوجوا حتى أنهم عندما يجلسون يتحدثون يجد أن هناك فرقاً كبيراً في المستوى الثقافي بينه وبين أشقائه فلم يعد يفهم كلامهم بسبب الفارق الدراسي فهو لم يكمل المتوسط فيما حصل بعض أخوته على درجة "الدكتوراه". التوبة والإقلاع بينما هو في أحد الأسواق إذا بأحد الأشخاص الذين أدمنوا سابقاً معه يمر من أمامه بصحة جيدة ونضارة في الوجه وخطى واثقة تؤكد التغير الكبير الذي جرى في حياته فبادر إلى سؤال عن التغير الذي جرى له فقال له إنه ذهب إلى مستشفى الأمل في الشرقي وتلقى العلاج. مع هذا الموقف.. وذكرياته الماضية القاسية.. وحالة الضنك والألم التي يشعر بها.. كان الطريق الصحيح يختط أمام محمد ليرى النور مقبلاً عليه.. ورحمة السماء أوسع وأكبر من البقاء على الواقع المرير.. فأصبحت دموعه تناجي محب التوابين.. والمتطهرين من الذنوب.. فأقبل صادقاً.. تائباً.. خاضعاً ليبدأ رحلة العلاج.. ونهاية عالم المخدرات.. حسين.. قصة أخرى للتعافي أما حسين الذي توقف عن تعاطي المخدرات قبل ست سنوات، فقال إن حياته مع المخدرات بدأت منذ الصغر..فوالده عندما توفي تولى أخوه الكبير تربيته، وكانت هذه التربية - للأسف - على تعاطي المخدرات وهو لم يكمل بعد سن الخامسة عشرة. .. حسين كان يعيش حياة مدللة قبل وفاة والده.. وظل على هذا الحال مع شقيقه الذي يكبره بكثير وكان يوفر له كل شيء ولا يرفض له أي طلب بل كان يغدق عليه كثيراً لكي يتعاطى المخدرات مع أصدقائه. مع هذا الدلال لم يستطع محمد إكمال دراسته.. وعمل موظفاً لكنه لم يستطع التوقف عن تعاطي المخدرات نظراً لأن البيت هو المصدر الحقيقي لها ومجاناً وبايعاز من شخص ينظر له كقدوة وأب وأخ أكبر. يقول حسين: لقد كنت أخرج إلى عملي وأنا في حالة سكر وتعاطٍ للمخدرات..ويضيف: لقد تزوجت ورغم أن زواجه استمر إلا أنه لم يشعر بحلاوة الزواج والأبناء إلا بعد تعافيه من المخدرات، حيث بدأ يتحدث مع أبنائه وزوجته عن حياته السابقة التي لم يحصل فيها على أي تواصل بل كان يعيش في عزلة مع المخدرات..