يُعرف عنه محليا أنه مصلح له ابتسامة ساحرة وقدرة على التواصل مع الناس وفهمهم، بالتالي من المفارقات أن يكتسب جوكو ويدودو سمعة على الصعيد الدولي باعتباره جلاد إندونيسيا العام. الرئيس الجديد الذي انتخب ضمن موجة من الأمل في تموز (يوليو) الماضي، رفض أن تطرف عينه في مواجهة ضغوط لوقف موجة من عمليات إعدام مهربي مخدرات مدانين، معظمهم من الأجانب. بعد منتصف الليل بقليل يوم الأربعاء الماضي، تم نقل ثمانية سجناء من أستراليا والبرازيل ونيجيريا، جنبا إلى جنب مع واحد من إندونيسيا، إلى ميدان في جزيرة نوسا كامبانجان قبالة الساحل الجنوبي لجزيرة جاوة وأُعدِموا رميا بالرصاص. توني أبوت، رئيس وزراء أستراليا، الذي استدعى سفيره في جاكرتا، وصف عملية الإعدام ب "القاسية وغير الضرورية". على الرغم من أن اثنين من السجناء الأستراليين كانا قد اعترفا بأنهما كانا جزءا من مجموعة ضبطت أثناء تهريب 18.5 رطل من الهيروين من بالي في عام 2005، وطلب محاموهما الرأفة لهما، لأنهما أظهرا الندم. ويدودو (53 عاما) كان حازما في الأمر. قال "إن الأجانب لا ينبغي لهم التدخل في النظام القضائي في إندونيسيا". كذلك قال في الآونة الأخيرة "إندونيسيا في حالة طوارئ بالنسبة للمخدرات"، مستخدما أرقاما شكك فيها بعض المحللين، تشير إلى وجود أكثر من أربعة ملايين شخص يتعاطون المخدرات بين السكان البالغ عددهم 250 مليون نسمة في البلاد. وقال "نحن لا ننوي تقديم تنازلات لتجار المخدرات". وعمليات الإعدام الأسبوع الماضي ليست الأولى في عهده. ففي كانون الثاني (يناير) الماضي تم إعدام خمسة مدانين أجانب وأندونيسي رميا بالرصاص. ويقبع عشرات آخرون في صفوف المحكوم عليهم بالإعدام. لقد لعبت العزيمة الصارمة للرئيس دورا جيدا في البلاد ذات الأغلبية المسلمة. قليلون هم الذين يتعاطفون مع مهربي المخدرات، وأقل من ذلك من يتعاطفون مع حكومات أجنبية ينظر إليها على أنها تسعى إلى امتيازات خاصة. وبالنسبة لويدودو، على الرغم من تحوله المفاجئ إلى مزايا عقوبة الإعدام - الموضوع الذي بالكاد أثير أثناء الانتخابات – الأمر يشي بنوع من اليأس بقدر ما يشي بالقوة. يقول جوناثان بينكوس، رئيس مؤسسة راجاوالي، وهي مؤسسة فكرية "إنه يحاول أن يبدو كأنه قائد قوي ويعتقد أن هذا من شأنه استقطاب الناس إلى قاعدته". الرئيس الإندونيسي، كما يقول، ربما يحاول "تخفيف بعض الأضرار" التي تعرض لها بعد خلاف أخير رفيع المستوى حول تعيين يرى كثير من الإندونيسيين أنه لوث أوراق الاعتماد الإصلاحية لويدودو. دليل التقدم ----------------- موقفه المتصلب يعتبر طريقا طويلة تبدأ من سحر ذاتي جعله محبوبا لدى كثير من الإندونيسيين وأدى في النهاية لأن يصبح بائع الأثاث والرئيس السابق لبلدية بلدة صغيرة رغم كل الصعاب رئيسا لرابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان مع اقتصاد حجمه تقريبا نفس حجم اقتصاد بريطانيا. عندما تولى منصبه - أول زعيم منذ الاستقلال من خارج النخبة السياسية والعسكرية - كان هناك أمل هائل بأنه يمكنه القضاء على الفساد، وتحسين الجوانب التي تنتشر فيها البيروقراطية، والقيادة من خلال التغيير الاقتصادي. وبالنسبة لكثير من الإندونيسيين العاديين، كان ويدودو "واحدا منهم" وصعوده للسلطة يعتبر دليلا على المقدار الذي كانت تتقدم به البلاد منذ انتقالها من الدكتاتورية في أواخر التسعينيات، لكن حتى بعض من أقوى المدافعين عنه يسلمون بأنه يمر بمتاعب. يقول بول رولاند، وهو مستشار في جاكرتا، "بدلا من أن ينظر إليه منتقدوه على أنه سياسي ماكر قادر على خداع خصومه، ينظرون إليه باعتباره شخصا ريفيا يجري التلاعب به من قبل النخبة". ويضيف "أصبح الأبله المأفون هو المسؤول عن القصر"، وهي الطريقة التي يصف بها هذا الشعور بالازدراء، مشيرا إلى مسلسل بيفرلي هيلبيليس كوميديا تلفزيونية أمريكية. في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، قبل الإعدام، نفى ويدودو بشدة أنه كان يجري التلاعب به من الآخرين، على الرغم من أنه كان مترددا في الحديث عن نكسات مزعومة. وتصدى قائلا "هذه صحيفة تختص بالاقتصاد، وليس السياسة". ثم خمدت ابتسامته مؤقتا، وغامر بالقول "في السياسة، يجب علينا أحيانا تقديم تنازلات". بدأت مشكلاته السياسية في كانون الثاني (يناير) عندما رشّح بودي جوناوان، وهو جنرال بثلاث نجوم، لقيادة قوات الشرطة. كان ينظر إلى الأمر على نطاق واسع على أنه نتيجة لاسترضاء ميجاواتي سوكارنو بوتري، الرئيسة السابقة وزعيمة الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال، الذي يعتبر ويدودو عضوا فيه. وكان عديد من الأشخاص يعتبرون اختيار جوناوان تعيينا سياسيا على الطراز القديم، وليس نوعا من شخصيات التكنوقراط النظيفة التي وعد بها ويدودو. ولم يكن من شأن ذلك الانطباع إلا أن يزداد قوة عندما وصفت لجنة القضاء على الفساد جوناوان باعتباره مشتبها فيه في تحقيقاتها. لكنه نفى بشدة هذه المزاعم وتم إلغاء اعتباره مشتبها فيه أمام محكمة أخرى قبل أن يتم تنصيبه نائبا لقائد الشرطة. واندلعت حرب على النفوذ بين قوات الشرطة وعدد قليل من موظفي هيئة مكافحة الكسب غير المشروع، وشعر بعض أنصار ويدودو بصدمة، لأنه كان يقف على الهامش. هجوم سوكارنو بوتري --------------------------- لم يكن هذا العيب الوحيد. فعديد من تعيينات ويدودو الوزارية تحمل بصمة سوكارنو بوتري، ابنة أحمد سوكارنو، أول رئيس لإندونيسيا. وكان قد تم تعيين ابنة سوكارنو بوتري وزيرة رفيعة المستوى، وهو أحد اختيارات مجلس الوزراء العديدة التي تعكس تأثيرها. وما زاد الطين بلة أنه في نيسان (أبريل) أطلقت سوكارنو بوتري هجوما على ويدودو. ومع أنها لم تسمه بالاسم، إلا أنها قالت "إن الدستور يلزم الرؤساء باتباع ما يقوله حزبهم"، وحذرت من "الخونة الذين طعنوها مرارا في الظهر". ويبدو أن هذه النكسات تؤذي شعبيته. فقد أظهر استطلاع للرأي في شباط (فبراير) الماضي أن شعبيته تراجعت إلى 42 في المائة مقارنة ب 72 في المائة في آب (أغسطس) 2014. ويمكن للهياج السياسي أيضا أن يحد من الاستثمار الذي يحرص ويدودو على تشجيعه. يقول رصدي كيرانا، صاحب "ليون إير"، أكبر شركة طيران في إندونيسيا وعضو الفريق الاستشاري لأعمال الرئيس "الشركات بحاجة إلى معرفة ما إذا كانت السياسة ستكون مستقرة". عيري سيرياملدانا (45 عاما) الذي يدير أعمال لحام في جاكرتا، هو أيضا غير راض عن ذلك ويقول "لم ينفذ الرئيس حتى الآن تعهداته الانتخابية مثل خطة تمديد القروض لأصحاب المشاريع الصغيرة". ويضيف "إنه ليس شجاعا بما فيه الكفاية (...) أنا لست متفائلا جدا بشأن المستقبل إذا كان سيواصل إدارته للحكومة في ظل حزبه السياسي". في المقابلة، سعى ويدودو إلى التأكيد على أنه أبرع مما يبدو. وهو يشير إلى الإقرار السريع لأول ميزانية له، التي حولت أكثر من 20 مليار دولار من دعم الوقود إلى البنية التحتية والصحة والتعليم. ويقول "حصلنا على موافقة بنسبة 100 في المائة. ليست لدي مشكلة مع البرلمان". واستهزأ الرئيس بتأنيب سوكارنو بوتري. وقال "إنه كان مشغولا بالفوز بدعم من أحزاب المعارضة التي أيدت منافسه الرئاسي المهزوم، برابو سوبيانتو". ويقول أعضاء بارزون من الأحزاب الثلاثة التي دعمت سوبيانتو الآن "إنهم كانوا يريدون الانضمام للائتلاف الحاكم التابع لويدودو". وبحسب حكماهانتو جوانا، أستاذ القانون في جامعة إندونيسيا "هناك كثير من الأشخاص الذين يقللون من شأنه". ويضيف "في بعض الأحيان في السياسة الإندونيسية عليك اللعب بلطف في الأماكن العامة"، مشيرا إلى عادة ويدودو للتسوية مع أعدائه. وتداعيات تلك الصراعات تساعد على تحديد مدى النجاح الذي سيكون عليه ويدودو في تنفيذ خططه الاقتصادية. كان واضحا أن التغييرات تعتبر حيوية. وهذا ليس فقط بسبب استنزاف إمكانيات البلاد منذ فترة طويلة بسبب الفساد وعدم وجود البنية التحتية. فبحسب تقديرات البنك الدولي التكاليف اللوجستية بلغت 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في إندونيسيا عام 2013، مقارنة ب 13 في المائة فقط في ماليزيا و8 في المائة في سنغافورة. إضافة إلى ذلك، اقتصاد إندونيسيا ينمو الآن بأبطأ وتيرة منذ خمس سنوات، متأثرا بتراجع الطلب من الصين على صادراتها من الفحم وزيت النخيل والمطاط. وبعد تزايد الناتج المحلي الإجمالي لسنوات عديدة ووصوله إلى ذروة بلغت 6.5 في المائة عام 2012، توسع بنسبة 5 في المائة فقط العام الماضي. ويرى ويدودو أن على إندونيسيا أن تجد محركات بديلة للنمو الآن، لأن أيام ارتفاع أسعار السلع الأساسية - التي تمثل أكثر من نصف صادراتها - قد ولت. الاستهلاك المحلي الذي يمثل نحو 60 في المائة من الإنتاج، أخذ يظهر أيضا علامات ضعف في الفترة الأخيرة، مع هبوط مبيعات السيارات والدراجات النارية. التركيز الاقتصادي في الوقت الذي تتحول فيه دورة أسعار الفائدة في الولاياتالمتحدة وتضعف الروبية، تبقى إندونيسيا عرضة لتكرار عمليات البيع المكثف التي نتجت عن "نوبة الغضب من إيقاف التسهيل الكمي" عام 2013، عندما تدافع المستثمرون للخروج من الأسواق الناشئة التي تعتمد على التمويل الأجنبي. ومع امتلاك المستثمرين الدوليين نحو 40 في المائة من السندات الحكومية في إندونيسيا، يمكن حتى انتكاسات صغيرة في المشاعر أن تترك تأثيرا ضخما في أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا. لكن ويدودو يقول "إنه لا يشعر بالقلق". بدلا من ذلك، يقول "إنه سيغتنم الصعوبات الحالية فرصة لإعادة تشكيل الاقتصاد". فقد ألغى بالفعل معظم الدعم عن الوقود. ويريد تحويل الاقتصاد مما يراه اعتمادا مفرطا على الاستهلاك نحو الإنتاج والاستثمار. في ضوء ذلك، الروبية الضعيفة إذا ما ساعدت على جعل التصنيع أكثر قدرة على المنافسة، يمكن كما يقول، "أن تكون نعمة". هناك تحد ضخم آخر هو عنق زجاجة البنية التحتية. يقول مستشارون، بدلا من التنظير حول السياسة، "سيسعى ويدودو إلى تمهيد الطريق لمشاريع محددة، مثل محطة طاقة باتانج المدعومة من اليابان بأربعة مليارات دولار في وسط جاوة المتعطشة للكهرباء". وقد وعد بإنشاء محطات طاقة جديدة قادرة على إنتاج 35 جيجا واط خلال السنوات الخمس المقبلة، وزيادة طاقة البلاد بنسبة 80 في المائة. ويقول "المستثمرون يشكون دائما من بنيتنا التحتية ومحطات الطاقة لدينا ونظام التصاريح التجارية في البلاد وعملية حيازة الأراضي. أنا أركز الآن على هذا". ويشكك محللون فيما إذا كانت مثل هذه الحلول يمكن أن تنجح في الواقع - أو في الوقت المناسب لتعويض التدفقات المحتملة الخارجة من الأموال الساخنة. ولا يوجد أي دليل على تدفقات خارجة حتى الآن، لكن هناك مخاوف مما يحدث عندما ترتفع أسعار الفائدة الأمريكية. يقول رولاند "حين كان رئيس بلدية، اعتاد ويدودو كتابة رسالة نصية لفريقه للقيام بإصلاح حفرة في الطريق، لكنك لا تستطيع أن تفعل ذلك عندما يكون لديك 34 وزيرا". وزارة القوى العاملة طرحت أخيرا فكرة – تم حجبها في نهاية المطاف عندما وصلت إلى مكتب الرئيس - تقضي بإلزام العمال الأجانب في البلاد باجتياز امتحان في اللغة الإندونيسية. وقالت الحكومة "إنها تريد من برتامينا، شركة النفط والغاز المملوكة للدولة، تتولى أكبر حقل غاز في إندونيسيا بدلا من توتال عند انتهاء عقد خاص به في 2017". بالنسبة لمنتقديه، تبين هذه الحوادث أن ويدودو يفتقر إلى استراتيجية كبرى وإلى الرقابة المناسبة على حكومته. ويبدو أن الرئيس يعتقد أنه يشق طريق خروجه من هذه المشكلات باستخدام سحر شخصيته. في خطاب موجه للمستثمرين الأجانب في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في جاكرتا، طلب منهم "الانضمام لي ولشعبي في رحلة مذهلة (...) وتحقيق أرباح مذهلة". وما أثار كثيرا من الضحك أنه أضاف "إذا كان لديكم أي مشكلات، فاتصلوا بي". المستثمرون الأجانب يريدون منه الوفاء بوعده. عندما يُدفع إلى ذلك، يقدّم ويدودو ردا غير ملزم يتلخص في قوله "الوقت هو الذي سيخبرنا بذلك"، على الرغم من أنه، باستثناء وقوع زلزال سياسي، لديه على الأقل أربع سنوات ونصف أخرى ليفي بشكل جيد بوعوده. وكثير من الإندونيسيين يحافظون على إيمانهم بذلك. يقول داني الذي يعمل في ميناء سوندا كيلابا في جاكرتا "كل شيء ربما لا يزال يشبه العمل كالمعتاد، لأن الرئيس بدأ للتو". ويضيف "لكن أنا ما زلت متفائلا بأنه سيجري تغييرا في المستقبل - لأنه رجل جيد".