كانت إندونيسيا عرضة للنهب منذ أن بدأ الهولنديون بجمع ثمار جوزة الطيب وكبش القرنفل من أرخبيل الجزر الذي سموه الهندالشرقية منذ 400 عام، وبالنظر إلى كنوزها المنتشرة عبر جزرها التي يبلغ عددها 17,000 جزيرة، فهي تعتبر موطنًا لأكبر منجم للذهب في العالم، ومصدرًا لأفضل أنواع الفحم الحجري في تشغيل محطات الطاقة، إضافة لإنتاج زيت النخيل والقصدير. انصهرت هوية إندونيسيا وتشكلت في نصف قرن تخلله بعض الأوقات ديكتاتورية وحشية باعت ثرواتها فيما وراء البحار. والآن تتخذ البلاد خطوات لإبقاء الكثير من تلك الثروة داخل البلاد في الوقت الذي ينتهي فيه حكم رئيس دام 10 سنوات، والذي يعتبر أول رئيس ينتخب بحرية في البلاد، ولكن بدأت موجة متصاعدة من المشاعر الاقتصادية القومية تهدد بعكس تلك الصيغة التي ساعدت على جلب الكثير من الاستثمارات التي تحتاجها البلاد بصورة ماسة إلى رابع أكثر الأمم سكانًا البالغ عددهم 250 مليون نسمة. اشترك محافظ جاكارتا جوكو ويدودو في سباق متقارب النتائج مع الجنرال السابق برابووا سوبيانتو في الانتخابات الرئيسية التي عُقدت في التاسع من يوليو. يرغب كل من المرشحين في إعادة التفاوض على العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية، والإبقاء على الكثير من الموارد للاستخدام المحلي والحد من الاستثمار الأجنبي في البنوك الوطنية. وقد ظهر ميل حمائي لإبقاء الثروة داخل البلاد بدأه الرئيس الحالي سوسيلو بامبانغ يودويونو. ففي شهر يناير حظرت إندونيسيا تصدير خامات المعادن لتشجيع بناء المصاهر داخلها، مدعية أن الكثير من الثروة كان يخرج ويذهب إلى المصافي خارج البلاد. سبب ذلك في إغلاقات للمناجم وفقدان الآلاف لوظائفهم وموجة في ارتفاع أسعار النيكل في العالم، وقد رفعت شركة مناجم نيومونت مايننغ قضية للتحكيم الدولي في مسعى منها لاستئناف شحناتها من خام النحاس من مجمعها في باتو هيجاو المقام على جزيرة سومباوا. كما ترغب الحكومة الإندونيسية بتعديل بنود اتفاقات استخراج المعادن التي أبرمتها في فترة الثمانينيات والتسعينيات أثناء فترة حكم رجل إندونيسيا القوي السابق سوهارتو الذي استمر ثلاثة عقود. يمثل ويدودو جيلًا جديدًا من السياسيين الإندونيسيين، وهو البالغ من العمر 53 عامًا، وكان بائعاً للأثاث الذي يصنعه بنفسه، الراغب بالتعامل مع البيروقراطية بالتركيز على الحد من الرشوة ووضع خطوط حمراء لها. أما برابووو البالغ من العمر 62 عامًا فهو زوج سابق لابنة سوهارتو، وهو جذاب لناخبين يتوقون لرؤية زعيم قوي، وهو معرض باستمرار لادعاءات الإساءة لحقوق الإنسان نشأت من مهنته كعسكري، وهي الاتهامات التي ينفيها دائمًا، وشعبيته المتصاعدة تثير المخاوف من احتمال إعادة إندونيسيا إلى عهد الوصولية والواسطة والمحسوبية. إندونيسيا هي سلسلة طويلة من الجزر، وهي من الطول بحيث يمكن أن تمتد بين نيويورك وألاسكا، وقد كانت مركزًا للإمبراطوريات البوذية والهندوسية قبل ألف عام عندما تحولت إلى الإسلام من خلال التجار العرب. وقد حازت إندونيسيا على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن كانت مستعمرة هولندية لفترة زادت عن 300 سنة، وقد عُرف أول رئيس لها وهو سوكارنو ببلاغته المناوئة للغرب، وقد أطاح بحكمه جنرال في الجيش اسمه سوهارتو بعد قيامه بانقلاب عسكري في عام 1965. قدم عهد سوهارتو للبلاد الاستقرار والنمو الاقتصادي القوي. كما عمل سوهارتو على إثراء أصدقائه وعائلته حتى عام 1998 عندما أرسلت الأزمة المالية في تلك السنة بالمتظاهرين من الطلاب إلى الشوارع. ظهرت ديموقراطية ناشئة بالرغم من الإقطاع والحكم الاستعماري والعسكري الذي كان يهدف إلى تركيز الثورة في أيدي القلة الحاكمة والنخبة السياسية، بحيث كان أكثر من 40 في المائة من السكان يكسبون أقل من دولارين في اليوم. تحتل إندونيسيا مرتبة قريبة من إثيوبيا وهي قرب أسفل قائمة الدول التي تم إحصاؤها من حيث الفساد وسهولة القيام بأعمال فيها. وافتقارها للطرق والموانئ يعني أن من الأرخص شحن البضائع من خلال الصين بدلًا من شحنها عبر أرخبيل جزرها. تشكل صناعة استخراج المعادن حوالي 12 في المائة من اقتصادها، وأكثر من نصف صادراتها تأتي من سلع مثل الفحم والغاز وزيت النخيل. تنجذب الشركات الاستهلاكية العالمية إليها بسبب النسبة العالية من اليافعين من سكانها (حيث نصف سكانها تحت سن 30 عامًا)، والطبقة الوسطى التي يتوقع أن تتضاعف لتصل إلى 141 مليون نسمة في عام 2020. يرغب زعماء إندونيسيا بإبعاد البلاد عن استهلاك السلع وزيادة الاستثمارات في الصناعات والخدمات ذات القيمة المضافة لمحاكاة نجاح دول مثل كوريا الجنوبية، وتوزيع أكثر عدالة للثروة. وبوجود سكان بحاجة ماسة للوظائف، هناك أرض خصبة للنخبة لكي يلونوا مشكلة البلاد بمصطلحات وطنية، ويوجهوا اللوم إلى الأجانب لكسب أصوات الناخبين وخدمة مصالحهم الذاتية. وبعد كل ذلك فإن دولًا من أستراليا إلى زيمبابوي تسعى وراء بواعث مماثلة لكسب المزيد من ثرواتها. يقول نقاد ذلك، ومنهم البنك الدولي: إنه يمكن أن يكون لمثل هذه السياسات عادة ردود أفعال معاكسة، ومن الأمثلة على ذلك هو أن إبعاد المستثمرين عن إندونيسيا ربما يكلفها أكثر من 6.5 مليار دولار على شكل ضرائب ومدفوعات ضائعة في السنين الثلاث القادمة، وهذا يمكن أن يُفاقم من التباطؤ الاقتصادي، ويدمر جهود بناء الطرق والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية الأخرى.