لم يكد جوكو ويدودو يحلف اليمين الدستورية ليكون رئيساً لجمهورية إندونيسيا، ومع ذلك أصبح فاشلاً منذ الآن. بداية أود أن أقول إني لا أراهن على هذا الشاب الذي جاء من خارج المؤسسة السياسة، على غرار باراك أوباما، وركب موجة الإثارة وحماسة الناخبين ليصل إلى رئاسة رابع أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان. الزعماء والمستثمرون الإقليميون على حد سواء يريدون أن ينجح ويدودو في رفع مستويات المعيشة لمواطني بلده البالغ عددهم 250 مليون نسمة، ومنهم 26 في المائة دون سن الخامسة عشرة. لكن يجدر بنا أن نكون متواضعين وأن نخفف من هذه التوقعات الكبيرة من الرئيس الجديد، بالنظر إلى مدى تصميم المعارضة في البلاد. ليس هناك من هو مؤهل لفهم معضلة ويدودو أكثر من الرئيس الأمريكي الذي غالباً ما يقارَن به. أوجه الشبه بين أوباما وويدودو ملفتة للنظر فعلاً، كلاهما عصامي نشأ من خلفية متواضعة. وكلاهما استطاع حشد طاقات جيل جديد مرتبط بالإنترنت من الناخبين من خلال سحر الشخصية وجاذبية الإنسان العادي. وكلاهما كان عليه أن يتغلب على حملة تشويه غير نظيفة ضد سمعته، فقد وضع أوباما في موقف الدفاع عن النفس للرد على ادعاءات بأنه ينتمي إلى الإسلام، وكان على ويدودو أن يدفع عن نفسه تهماً تصفه بأنه غير مسلم، ومثلما حدث مع أوباما عتد تدشين فترة رئاسته الأولى في عام 2009، فإن ويدودو الذي يفتقر إلى الخبرة نسبياً يواجه شكوكاً عميقة حول ما إذا كان يمتلك القوة والمهارة لتحويل وتغيير الوضع الراهن في إندونيسيا. الأدلة المتوافرة حتى الآن تبعث على القلق. الرجل الذي هزمه ويدودو في انتخابات يوليو -وهو برابووو سوبيانتو، الجنرال السابق في عهد سوهارتو- رفض في البداية الاعتراف بفوز ويدودو. ومنذ ذلك الحين يبدو عازماً على تقويض جهود ويدودو بأية طريقة يقدر عليها. استطاع سوبيانتو تشكيل ائتلاف في البرلمان يزيد أعضاؤه على عدد مؤيدي الرئيس، وحتى قبل تدشين الرئيس يوم الاثنين الماضي، غير المجلس التشريعي القواعد على نحو يسمح لذلك الائتلاف المعارِض بالهيمنة على المناصب في اللجان الرئيسية والمناصب القيادية. وفي ضربة قوية مذهلة، صوت النواب على إلغاء نظام الانتخابات المحلية المباشرة، الذي تم تأسيسه بعد سقوط سوهارتو في عام 1998، وهو نفسه الإصلاح الدستوري الذي سمح لشخص من خارج المؤسسة مثل ويدودو، وهو بائع سابق للأثاث، أن يصبح عمدة في بلدة صغيرة ثم محافظ جاكرتا قبل أن يترشح ويفوز بمنصب رئيس الجمهورية. جهود النكد والمشاكسة من سوبيانتو تذكرنا بميتش ماكونيل، الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي. في عام 2010 أعلن ماكونيل بكل وضوح أن أولوية حزبه ستكون في ألا يحكم أوباما أكثر من فترة رئاسية واحدة. وهذا يعني وضع العراقيل وإسقاط كل أولوية من أولويات الرئيس، بصرف النظر عن مدى الأذى الذي يمكن أن يعاني منه الشعب الأمريكي نتيجة لذلك. وفي إندونيسيا، هناك كثير من الناس في المعارضة مدفوعون كذلك بمخاوف من أن إصلاحات ويدودو وجهوده في مكافحة الفساد يمكن أن تهدد الامتيازات التي كانوا في العادة يتمتعون بها. معظم النظام الذي كان سائداً في عهد سوهارتو بقي على حاله بعد الإطاحة بالدكتاتور، وهو يعيد تعزيز سلطته في الوقت الحاضر، أو على حد تعبير عنوان رئيسي في مقال حديث في مجلة الإيكونومست: «الإمبراطورية تضرب من جديد». الحركات التمثيلية والمسرحية من برابوو يمكن أن تكون لها استخداماتها، إلى حد كبير مثلما كان يفعل أوباما، حيث كان في الغالب ينجح من خلال التراجع إلى الخلف بحيث يترك الجمهوريون يتعثرون بتشددهم الأيديولوجي، فإن ويدودو المحبوب شعبياً ربما يفكر في أن يترك أعداءه يحققون بعض الأهداف. الناخبون لا يحبون أبداً عكس الانتخابات المباشرة، ولا عكس الجهود السابقة التي تجعل من الصعب متابعة تهم الفساد ضد أعضاء البرلمان. يقول جيف كينجستون، رئيس قسم الدراسات الآسيوية في قسم طوكيو في جامعة تمبل: «أسلوبه محبب تماماً إلى الإندونيسيين، كما أن برابووو يخسر ترحيبه وينظر إليه على أنه خاسر فاشل هدفه إفساد البهجة»، وقال: إن الرئيس الجديد ربما يحتاج فقط إلى «الابتعاد عن طريق برابووو في الوقت الذي يستعدي فيه الناخبين». أهم شيء هو أن يتمسك ويدودو بمواقفه. بول كروجمان، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، ربما كان على حق في قوله إن التاريخ سيكون لطيفاً مع أوباما، الذي أحدث تغييرات شاملة في نظام الرعاية الصحية، وتجنب الوقوع في ركود شامل، ووضع التغيرات المناخية بصورة ثابتة على أجندة واشنطن. شعبية ويدودو لا تنبع من شخصيته المتواضعة أو الساحرة (على خلاف أوباما، لا يعتبر ويدودو خطيباً مفوهاً يثير الإعجاب)، وإنما من سجله في تحقيق النتائج. وهو بحاجة إلى تحقيق المزيد من الانتصارات بأسرع وقت ممكن. من الناحية المنطقية يجدر به أن يركز على بعض المجالات، منها: التخلص من جوانب عدم الكفاءة الهيكلية التي تحرك التضخم، وتقليص الروتين الحكومي، ومهاجمة الفساد، وجعل إندونيسيا حلقة أكبر في سلسلة التوريد الآسيوية من خلال تقليص الحواجز التجارية وزيادة وظائف التصنيع، وتحديد جدول زمني لإلغاء مبالغ الدعم الحكومي التي ترهق كاهل الميزانية. وعد ويدودو في أن يضع الخبراء والتكنوقراط في موقع المسؤولية لتنفيذ هذه الإصلاحات، بدلاً من التعيينات السياسية، ويجدر به أن يفي بما وعد. نحن نعلم أن هذه ليست بالأمور السهلة، خصوصاً أن الحلفاء مثل الرئيسة السابقة ميجاواتي سويكارنوبوتري، رئيسة حزب ويدودو، يتدخلون في تعيينات المناصب الوزارية. لكن ولاية ويدودو التي تستمر 5 أعوام ستقرر ما إذا كانت إندونيسيا ستسير نحو مستقبل أفضل أو ترتد إلى الوراء. يجدر أن ينظر إلى مثال أوباما في الوقت الذي يشرع فيه في رئاسته.