وصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم أمس إلى السعودية لتقديم العزاء في وفاة الملك عبدالله، وتعزيز العلاقات السعودية الأمريكية، ضمن وفد أمريكي رفيع المستوى، في زيارة تبرز حجم العلاقة التاريخية بين الدولتين ومدى تطورها، إذ تتجاوز اليوم المصالح النفطية الاقتصادية الضيقة لتصب في مصالح الأمن الإقليمي وضروراته. ثقل سعودي وفي إبراز لمدى أهمية السعودية وثقلها السياسي إقليميا ودوليا، قطع الرئيس الأمريكي زيارته للهند التي كانت ستستغرق ثلاثة أيام. مختصرا برنامجه المقرر في الهند، ليتوجه إلى الرياض على رأس وفد كبير يضم 30 عضوا من كبار المسؤولين وجمهوريين مخضرمين. وترافق أوباما أيضا كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في الإدارة نفسها، والسناتور الجمهوري جون مكين الذي عادة ما ينتقد سياسة أوباما الخارجية. ويضم الوفد أيضا وزير الخارجية جون كيري، وجون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية، إضافة إلى سوزان رايس، وليسا موناكو مستشارتي أوباما. الوفد المرافق للرئيس الأمريكي تضمن أكثر من 29 شخصية سياسية أمريكية في دلالة على أهمية الزيارة. وقال جيمس بيكر الذي شغل منصب وزير خارجية بلاده خلال حرب الخليج الأولى ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين "أعتقد أنه من المهم أن نظهر للسعوديين الأهمية التي نوليها لهم". وأضاف "إنها مرحلة حساسة بشكل استثنائي في الشرق الأوسط ويبدو كأن كل شيء ينهار، وفي الوقت نفسه تصبح المملكة واحة استقرار". من جانبه، قال جون ماكين إن المملكة تبدو "كحصن أمان منيع" أمام مساعي إيران لبسط نفوذها في سورية والعراق ولبنان واليمن والبحرين، واعتبر أنه كان من الضروري أن يشارك في الوفد الزائر إلى الرياض "نظرا إلى أهمية السعودية والعلاقات معها". محيط مضطرب وتجيء الزيارة التي لم يكن جدول أعمال أوباما يتضمنها، بينما تواجه واشنطن، بحسب كثير من المراقبين، صراعا متفاقما في الشرق الأوسط، وتعتمد على الرياض كواحدة من عدد قليل من الشركاء الدائمين في حملتها ضد "داعش"، التي سيطرت على مناطق واسعة من العراق وسورية. وتفاقم القلق الأمني الأمريكي الأسبوع الماضي بسيطرة الحوثيين الذين تدعمهم إيران على الحكومة في اليمن، في انتكاسة لجهود واشنطن لاحتواء جناح القاعدة هناك والحد من التدخل الإيراني هناك. كتب صمويل هندرسون المختص في العلاقات الأمريكية السعودية في معهد سياسة الشرق الأدنى "المواضيع المرجحة للنقاش هي سورية وإيران والإرهاب وأسعار النفط". وصرح بن رودز نائب مستشارة الأمن القومي الأمريكية للصحافيين بأن أوباما يود أن يناقش مع العاهل الجديد الحرب ضد "داعش" والموقف الهش في اليمن، والمحادثات لإنهاء النزاع الطويل بشأن طموحات إيران النووية. وتوقع محللون أن يحاول أوباما والملك سلمان إعادة تنشيط العلاقات الثنائية التي تضررت خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من استمرار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، مع وجود مصالح مشتركة ضخمة. وذكر مختصون لوكالة فرانس برس، أن الملك سلمان يتطلع إلى مزيد من الالتزام الأمريكي في أزمات المنطقة. وقال أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية في جدة لوكالة فرانس برس "هناك ملفات لا بد أن يكون هناك تفاهم حولها بين الملك سلمان وأوباما، لأن المملكة تتفق مع واشنطن على كثير من الأهداف. وبحسب عشقي، فإن السعودية تختلف مع واشنطن في الاستراتيجيات حول ملفات متنوعة وتتطلع إلى مزيد من الالتزام من جانبها في الملفات: السوري واليمني والليبي والعراقي، إضافة إلى ضرورة ألا تكون مقاربة الملف النووي مرتكزة فقط على الملف النووي، بل أيضا على ما تعده الرياض تدخلا إيرانيا في المنطقة. فرصة للتشاور وصرح بن رودس نائب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض للصحافيين بأن زيارة أوباما "تشكل فرصة للتشاور في بعض المسائل التي نعمل عليها مع السعوديين"، مشيرا بشكل خاص إلى الحرب على الإرهاب واليمن والمفاوضات النووية مع إيران والعلاقات السعودية الأمريكية عموما. وأضاف "أعتقد أنه من الواضح جدا بالنسبة لنا أن الملك سلمان أعطى إشارات واضحة عن الاستمرارية"، مشيرا بالتحديد إلى "الاستمرارية في المصالح السعودية وفي العلاقات السعودية الأمريكية". وخلص إلى القول "نحن نعتقد أن السياسة السعودية ستظل مطابقة لما كانت عليه في عهد الملك عبدالله". وبحسب مسؤول أمريكي فقد أبلغ أوباما العاهل السعودي في أثناء المحادثات، أن الوفد الأمريكي "غير الحزبي" الذي حضر من أجل هذه المحادثات يُظهر مدى أهمية العلاقات الأمريكية السعودية. يذكر أنها ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيس الأمريكي وخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز. فقد حضر الملك سلمان مع الملك عبدالله عندما زار أوباما السعودية في آذار (مارس) 2014، كما أجرى أيضاً محادثات في البيت الأبيض عندما زار واشنطن في نيسان (أبريل) 2012، قبل تعيينه ولياً للعهد في وقت لاحق من ذلك العام.