ياسر بن عبدالله النفيسة مال الاقتصادية - السعودية كثيرا ما يردد الكثير منا هذه العبارة معتقدا انه قد ذكر مسلمة لا شك فيها. فلو اننا سلمنا بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنى اجمالي لما كنا بحاجة اليوم الى الجهات الرقابية من ديوان المراقبة العامة وهيئة مكافحة الفساد وهيئة السوق المالية وهيئة المحاسبين القانونيين (الممثلة في العاملين بالمهنة) و مصلحة الزكاة والضريبة ولا حتى الى انظمة الرقابة الداخلية ف 1+1= 2. فكل المنظمات لدينا وخصوصا تلك المطروحه للتداول في السوق المالية السعودية تطرح ارقاما بل ليس حكرا فقط على المنشآت في السعودية بل في العالم اجمع كل منها يقدم تقارير عن اعماله وكلها تقارير يغلب عليها الطابع الكمي (الرقمي). فحين تعلن منشأة ما أن ارباحها السنوية قد ارتفعت بنسبة كذا او أن ارباحها ارتفعت في الربع الثاني عن الربع الأول بالمبلغ الفلاني. فهذه المعلومات هي في حقيقتها معلومات رقمية كمية وبناءا على المصطلح الشائع ان الارقام لا تكذب حينها سنقول فعلا بدون اي وصف وبيان لفظي أنها عبرت بصدق فهي ارقام لاتكذب. بطبيعة الحال الارقام وحدها مجردة لا تعكس الكثير من القدرة التحليلية ولا الحال الواقعية. فحين نشير الى رقم معين تجد اننا بحاجة ماسة الى تحديد نوعه وبناءا عليه الحالة التي يصفها ذلك الرقم. فلا يتوقع منا حين نرغب ان نتحدث عن معلومات احصائية بأن ليس هناك مجال للخطأ فدائما ما تقوم نظرية الاحتمالات مثلا في الاحصاء والمستخدمة في الابحاث العلمية على نسب خطأ معينه نتيجة استخدام عينات وليس مجتمع بأكمله باعتبار ان اختبار مجتمع باكمله امر مكلف للغاية وكثيرا ما هو صعب المنال. لذا طالما اننا نعترف بوجود مساحة للخطأ علينا ان نقف ونقول بان ذلك المصطلح الشائع ليس دقيقا وليس معبرا عن الواقع. فالارقام غالبا ما تكون نتيجة لعمليات حسابية معينه متى كانت هذه العمليات غير متجانسة او احتوت على مدخلات غير سليمة عندها لابد ان نعي جيدا ان الارقام قد تكذب وقد تخلف خسائر ليست فقط على صعيد العلاقات الاجتماعيه بل خسائر نفسية وبدنية ايضا. فمثلا حين تعلن شركة ما ارباحا متصاعدة ثم يكتشف ملاكها والمهتمين بها انها قد قدمت ارباحا وهمية هنا باتت تلك الارقام كاذبة ولك هنا ان تتخيل تاثير ذلك على المهتمين بها: فالمراقب سيكون منزعجا لخرق النظام وقد يتطلب ذلك تدخل عالي المستوى, والمستثمر قد يتأثر صحيا على الصعيد النفسي والجسدي (كما هو الحال في الازمات المالية التي مرت بنا سواء محليا او عالميا من 2006-2009) ، والاداري المشترك في ذلك السيناريوا الكاذب او الوهمي فيكون مصيره خسارة المال والوظيفة والسمعه متى ما اكتشف ارتباطه بتلك العملية. نعم واحد زائد واحد يساوي اثنين لكن ايضا ماهية الواحد قد تكون اكثر تأثيرا من صحة العملية ذاتها فحين نقول سيارة واحدة زائد 1000 ريال يساوي 2000 ريال هذا لن يعني قطعا بان السيارة تساوي حقيقة 1000 ريال فتجد اننا بحاجة ماسة للتعرف على ماهية السيارة وبناءا عليها نريد ان نتأكد من صدق تلك الارقام (فالتصنيف والتبويب ذا اهمية بالغة في بناء القوائم المالية). حتى توقيت الحصول على الرقم سواء نقدي او خلافه فهو ايضا مؤثر في مصداقيته (وهنا حين نتحدث عن حالات الاعتراف المبكر او المتاخر بالايرادات والمصروفات وما قد توصله من رسائل غير صحيحة وخادعة). حتى قضية الاحصاء التاريخي فحين يأتي فلان من الناس ويقول أن الشركة الفلانية حققت مبيعات تاريخية رائعة ثم يبدأ بسرد ارقام عالية وجذابة. الاستماع الاولي لتلك الارقام يعطي تصورا ايجابيا فعلا لكن ماذا لو كانت تلك السلع جميعها التي تم رصدها كمبيعات قد ردت وارتجعت الى المنشأة في وقت لاحق فهنا هل ستكون الارقام جذابة! ما نقصده هنا أن الارقام لغة حالها كحال لغات التواصل التي نمارسها فمن أراد ان يكذب ويخدع يستطيع ان يستخدم اي وسيلة تواصل سواءا كانت رقمية او حتى وصفية (نصية). فالشاعر الذي يكتب قصيدة مدح ذات كم هائل غير مقبول من المبالغات لا يختلف كثيرا ما طرحه عن تقرير مالي يقدمه مجلس الادارة يكون مبالغا في الاعتراف بالايرادات ومبالغا في عدم الاعتراف بالمصروفات وحاجبا للمعلومات السلبية ومنمقا للمعلومات الايجابية وهنا نقصد الارقام فكل الحالتين تؤدي الى نهاية واحدة وهي الكذب والخداع. فكما اننا نستطيع ان نجامل لفظيا ونحاول الاغراء بحسن اللفظ وتنميق الكلام ايضا الارقام هي قادرة على ممارسة الدور نفسه. فتجد ان الرقم مثلا 9999 ريال (طبقا لنظرية رقم تسعة التسويقية ) اكثر جاذبية اليك حين تريد شراء امر ما من الرقم 10000ريال والسبب هو اننا كمشترين نبحث دائما عن الاسعار الاقل فالرقم 9000ريال يعني سعر اقل من 10000ريال لذا نذهب مندفعين الى تلك السلع معتقدين انها اقل رغم ان الفارق قد لا تجاوز احيانا الهللة. فهنا كان اللعب على الصعيد النفسي ومحاولة التاثير على مشاعرنا اكثر من العملية المنطقية لدينا وهو نفس الحال حين نجامل ونصف اشخاصا باوصاف لا يستحقونها فنقول انت شجاع انت البطل الغير متوج وما الى ذلك لاننا نريد ان نلعب على الوتر النفسي ايضا. الأرقام لغة قادرة على الكذب والاغراء والتزييف وايضا الصراحة والوضوح ولذا كانت المنشآت مطالبة بالافصاح الكامل والعدالة. فلا أحد يحب أن يعلن عن خسائرة لكن محاسبيا تبعا لمبدا المقابلة لابد ان يكون حاصل عملية مقابلة الايراد والمصروف الخاص به رقما موجبا او سالبا وهذا الرقم سيكون ربحا او خسارة (هذا مع افتراض ان كل ما ادخل كمدخلات لهذه العملية قد تم وفق ما هو مفترض ومطلوب) عندها تكون اللغة قاسية بالتعبير الصريح والواضح لفشل المنشأة او خسارتها. نهاية: ما اردت ايصاله هو أن التركيز على الارقام ككونها صادقة دائما ولا يمكن أن تكذب هو أمر غير منطقي وتزييف للحقيقة. وما يجب ان نفهمه ان قولنا ان الارقام هي لغة تواصل شأنها في ذلك شأن اللغات الاخرى لا يعني بالضرورة ان كل ما نشاهده من ارقام هي كاذبة او وهمية لكن ما اردنا الوصول له فقط هو ان نعرف ان الارقام كما يمكن ان تكون صادقة يمكن ان تكون ايضا وهمية وكاذبة. أكاديمي متخصص في المحاسبة [email protected]