المدينة - السعودية (1) منذ اللحظات الأولى التي علمتُ بها عن العمل الإرهابي الذي استهدف المصلين في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في القطيف، وقبل أن يصدر أي بيان يحدد الجهة المنفذة، كتبتُ في حسابي بتويتر التالي: مهما كان لون الأصابع التي تقف وراء انفجار مسجد القديح هي أصابع قذرة وملعونة وخائنة، أتت في توقيت مشبوه لتعبث بالوطن وأمنه ووحدته. لا تحتاج إلى أن تعرف اسم القاتل وشكله وهويته، أو اسم القتيل بلا ذنب، لتحدد موقفك من القتل.. العنصريون والطائفيون وحدهم هم مَن يبحثون عن هوية القتيل ليحددوا موقفهم من دمه! لهذا: من المنكر أن لا تستنكر مثل هذا الفعل. من الغباء أن تروّج لأي تبرير.. أيًّا كان. الوطن/ بيتك الكبير وأي تفجير في أي جهة منه ستصلك شظاياه! (2) قال: هو يرانا كفارًا نستحق القتل؟! قلت: وهل تظنه يرى العسكر (السُنة) الذين قتلهم في عرعر مسلمين ويستحقون الشفقة؟! يا صديقي، ويا ابن بلادي، لا تمنحهم الفرصة لهدم السقف الذي نستظل به جميعًا.. إذا سقط سقف البلد -لا سمح الله- لن يُفرّق بين رأسي ورأسك! (3) قبل عامين كتبت هنا: صناعة الكراهية سهلة. صناعة المحبة تحتاج إلى جهد وصبر وتسامح. تستطيع أن تكسب عشرة أعداء خلال ساعة من الحماقة. ولكن من الصعب أن تكسب صداقة إنسان واحد خلال ساعة.. هذه الصداقة تحتاج إلى الثقة والمحبة والعطاء. خطابات الكراهية هي الأكثر رواجًا، وهي خطابات جبانة: تقف بين أنصارها وتعلم أنها ستكسب التكبير والتهليل والتصفيق.. جرّب أن تتحدث بمحبة وتسامح عن «الطائفة» الأخرى.. هذه تحتاج إلى شجاعة! خطابات الكراهية تتمدد أفقيًّا وعموديًّا وتسيطر على كافة الجهات والمنابر: تنسى كل خصم تاريخي لك، ولا ترى إلاّ خصمك الطائفي. مشايخك ومراجعك يصنعون منك آلة لا تنتج سوى الكراهية. وسائل الإعلام كل يوم ترسل لك مشهدًا يُحوّلك تدريجيًّا من إنسان إلى وحش مستعد لافتراس خصمه الافتراضي. عد بالزمن إلى الوراء قليلاً: هل كنت تحب الإنسان أو تكرهه بناءً على هويته وطائفته؟ هل كان يعنيك كثيرًا «مذهب» الرجل الواقف بجانبك؟ كيف تحولت هذه الكلمات المذهبيّة الطائفية إلى جزءٍ من حديثك اليومي؟! هل تشعر أنك إنسان سوي -والأقرب إلى الله- رغم هذا المخزون الهائل من الكلمات الرديئة الذي توزعه كل يوم على كافة الجهات المخالفة لك؟... ياااا لحماقتك! مَن الذي قال لك: إن «الكراهية» من الإيمان؟! مَن الذي أقنعك أن «الخير» في كل هذا «الشر» الذي يدفعونك إليه؟! الأحزاب، والساسة، وخطباء المنابر المتفجرة، وبعض الفتاوى: لوثتك وشوهتك.. جعلتك لا ترى الإنسان إنسانًا. صرت تراه هوية، وبيانات، وطائفة، وتاريخًا: لا ذنب له فيه، ولم يشارك بصناعته أو كتابته. أصبحت تلغي ألف شيء وشيء يجمعك مع هذا «المختلف» عنك: المواطنة/ العيش المشترك/ التاريخ الإنساني/ القومية... وأصبحت لا ترى سوى: مذهبه! يزعجك الخطاب السائد القادم من الجهة الأخرى؟ تستفزك الكلمات التي تصورك بشكل بشع؟ أيًّا كانت الجهة التي تقف فيها: حاول أن تتفحص كلماتك أيضًا، وتنقد خطابك السائد لديك.. ستكتشف أن كلا الخطابين سيئ، وكل الكلمات مستفزة وبشعة! خطابات الكراهية واحدة.. مهما اختلفت اللغة، وأيًّا كان مصدرها. جميعها تريد أن تصل إلى نتيجة واحدة: موتي وموتك! (4) فككّوا القنبلة.. وقبلها: فككّوا الخطاب قبل أن ينفجر في وجوهنا جميعًا! [email protected]