اعتبر المفكر الإسلامي الشيعي الشيخ حسن الصفار سب الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين من أشد المحرمات، ودعا إلى ميثاق شرف يؤكد على الاعتراف بتعددية المذاهب ضمن إطار الإسلام الذي يتشرف الجميع بالانتماء إليه، ويتبنى هذا تعزيز الاحترام المتبادل، ورفض أية إساءة لأي رمز أو شخصية يقدسها ويحترمها الطرف الآخر. وقال في حواره مع «عكاظ»: «حتى لو كنا نختلف في تقويم الأشخاص السابقين من الصحابة والأئمة والتابعين والعلماء، ونختلف في تحليل أحداث ووقائع التاريخ، لكن ذلك لا يجيز لأي أحد منا أن يسيء إلى من يحترمه الآخر»، مضيفا أن الأمر المهم هو «التأكيد على العدل والمساواة بين المواطنين، ورفض أي تمييز أو ظلم أو انتقاص لحقوق المواطنة بمبرر اختلاف الانتماء المذهبي، فالوطن للجميع كما أعلن خادم الحرمين الشريفين، وكما نص عليه النظام الأساسي للحكم». التعايش المحلي • كيف تنظرون لمفهوم التعايش والتقارب بين المذاهب، وهل ترى أنه ما زال في حالة عصية عن تطبيقه عمليا؟ المقصود بالتعايش، هو قبول الآخر والتعامل معه على أساس الشراكة الوطنية، بغض النظر عن الاختلاف معه في الانتماء الديني. أما التقارب بين المذاهب، فيقصد تجاوز القطيعة على صعيد العلاقات الاجتماعية، والتركيز على مساحة الاتفاق الواسعة، والحوار حول قضايا الخلاف ضمن ضوابط الأخلاق العلمية والآداب الإسلامية. وأرى أن التعايش والتقارب بهذا المعنى أمر ممكن في مجتمعنا المحلي، وليس حالة عصية، ذلك أن مختلف دول العالم تتعامل مع التنوع كواقع معاش، فلماذا يكون عصيا لدينا؟، علينا أن نعيش كما يعيش الآخرون في بلدانهم مع تنوعاتهم العرقية والدينية. حماية حقوق الإنسان • طالبتم بسن قانون يجرم كل محرض على الكراهية والإساءة للأشخاص والمذاهب، هل بهذه الدعوة نستطيع تدارك التراشقات التي تطول الرموز في الوسائل الإعلامية والمنابر المختلفة؟ من المهام الرئيسة للدولة حماية حقوق الناس فيما بينهم، حتى لا يتعدى أحد على الآخر، ومن اعتدى فإن الدولة مسؤولة عن ردعه ومعاقبته، وهذا واضح في مجال الاعتداءات المادية، كما لو اعتدى أحد على شخص أو جماعة جسديا أو ماليا، لكن المطلوب أن يشمل ذلك الاعتداءات المعنوية، التي تحرض على الكراهية والعصبيات القبلية والمذهبية، فإنها نوع من العدوان، وهي تدفع نحو مختلف أنواع العدوان، وقد اتخذت وزارة الثقافة والإعلام أخيرا قرارا بإغلاق مكاتب قناة فضائية تثير النعرات القبلية، وهو قرار في الاتجاه الصحيح، وينبغي أن يشمل القنوات التي تثير النعرات الطائفية من أية جهة كانت، وكذلك الفتاوى والخطب في المساجد التي تحرض الناس على بعضهم بسبب اختلافاتهم المذهبية أو الفكرية. الخلاف السني الشيعي • ذكرتم في أحد خطاباتكم أن الخلاف السني والشيعي سيستمر، وليس الشيعة المعنيون بإنهائه، وأن هناك خلافا عقديا فقهيا لا ينبغي معه التجاوز إلى إطار اعتقادي وعبادي، ألا ترون أن خطابا بهذه الصورة يفضي إلى حالة من الاحتقان ويوسع دائرة الصراع بين المذهبين السني والشيعي، ثم هل تقترحون صيغة خطاب تقاربي وعملي يوحد صفوف المصلحين بين المذهبين؟ قلت إن الخلاف السني الشيعي في بعده العقدي الفقهي سيستمر ولسنا معنيين بإنهائه، وأقصد لسنا معنيين كدعاة للتقارب وليس كشيعة، لذلك فالعنوان الذي وضع لهذه الفقرة في بعض وسائل الإعلام ليس متطابقا مع ما ذكرته في الكلام. أعتقد أن دعاة التعايش والتقارب ليس مهمتهم معالجة الخلافات العقدية والفقهية بين المذاهب لإنهائها، وإنما يسعون لإبقاء تلك الخلافات في دائرتها الفكرية، دون أن تتحول إلى صراع ونزاع، ودون أن تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والوحدة الوطنية. وبحمد الله تعالى فإن هناك مساحة وعي في الجانبين نراهن على اتساعها، فهناك علماء ودعاة وكتاب من السنة والشيعة يحملون هم التعايش والتقارب، وهناك التشجيع الرسمي المتمثل في الحوار الوطني، وتوجيهات القيادة السياسية كخطاب خادم الحرمين الشريفين الأخير في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى. الحوار الوطني • لكنكم انتقدتم بعض طروحات الحوار الوطني ووصفتموها بالجهود الخجولة والضعيفة، وذلك بسبب عدم اقتحامها لميادين الاتجاهات المختلفة وتأهيل الناس بقبول التعددية المذهبية الفكرية، وأننا لم نخرج بصيغة واحدة ترضي الجميع؟ الحوار الوطني كشعار ومشروع يعتبر خطوة رائدة، وهو من أهم عناوين الإصلاح والتطوير التي طرحها خادم الحرمين الشريفين، وكان متوقعا أن تتركز جهود مركز الحوار الوطني على تعزيز العلاقات البينية بين شرائح وطوائف المجتمع السعودي، بالتصدي لكل ما يسيء لحالة التعايش والانسجام، وبالاهتمام بعقد لقاءات ثنائية وجمعية بين المؤثرين في جماعاتهم وطوائفهم، وصولا إلى تشجيع الأعمال المشتركة التي تتجذر بها حالة التواصل والتعاون، وتنمي أجواء الثقة والمحبة بين الأطراف المختلفة، إنني انتقد البطء والضعف في جدية التخطيط والتفعيل لبرامج الحوار بين الاتجاهات المذهبية والفكرية، وانشغال مركز الحوار ببحث مواضيع عامة يمكن أن تناقش ضمن مختلف الأطر والمؤسسات القائمة، كمشاكل التعليم أو العمل أو الصحة أو ما أشبه. • لكن ألا ترى أن الحوار الوطني قد نجح في تجاوز حالة القطيعة والنفور والخصام بين المذاهب، وخير شاهد على ذلك التناغم الذي حدث في الحوار الأخير في مدينة الأحساء حول الخطاب الثقافي السعودي؟ في كل لقاءات الحوار الوطني تحصل مشاهد جميلة للتناغم وتبادل الرأي بإيجابية بين هذا الطرف وذاك، لكن بقاءها في حدود الجلسات الرسمية للحوار وعدم انتقالها إلى الشارع وإلى ساحة الجمهور، هو ما يدفع إلى التساؤل عن مدى الجدوى والفائدة. • مع أن هناك من يقول إن موانع ضربت بسياجها سابقا وحالت بين خطاب السنة والشيعة، واليوم تلاشت تلك الموانع وذهبت، وكان السبب وجود مركز الحوار الوطني فهل تؤيد هذا الرأي؟ لا شك أن لقاءات الحوار الوطني كانت فرصة للتواصل المباشر بين شخصيات منتمية إلى مذاهب وتوجهات مختلفة، وهذه إيجابية مهمة، لكن لا يصح الوقوف عند هذا الحد والاكتفاء بهذا القدر، بل لا بد من توسيع رقعة تلك اللقاءات، ولا بد من إنتاج خطاب ينشر التسامح ويبشر بقبول التعددية واحترام الرأي الآخر. أشعر بقلق • هل لمستم شيئا واضحا سواء من وجهاء ورجال الدين من السنة والشيعة يقفون أمام التشدد الداخلي بين أبناء المذهبين؟ نعم، أشعر بقلق شديد مما تبثه الفضائيات ومواقع الإنترنت الطائفية، السنية والشيعية من إثارة للمشاعر والضغائن والأحقاد، واستخراج الصور السلبية القاتمة من التاريخ الماضي، ومن كتب التراث، لتعبئة أبناء المذاهب ضد بعضهم، ونجد الآثار السيئة واضحة لهذا الإعلام، حيث ينشغل متابعوه بالجدل والنقاش حول ما يطرح في هذه الفضائيات ومواقع الإنترنت، ويدور حولها نقاش المجالس، وحتى في دوائر العمل، بل وجدنا تأثيرها على الناشئة من أبناء الوطن، خاصة في المناطق التي يتنوع سكانها مذهبيا سنة وشيعة، فإن بعض الطلاب في مدارسهم يتداولون المسائل الخلافية، وتؤثر على علاقاتهم مع بعضهم البعض. لا بد من وضع حد لهذا الإعلام التحريضي، وتوعية الناس حتى لا يتفاعلوا معه، وفي المقابل يجب دعم البرامج الإعلامية الواعية والهادفة إلى بث ثقافة التسامح والتعايش والحوار. الأطماع الدولية والإقليمية • تؤكدون عبر خطبكم المنبرية ومقالاتكم العلمية ضرورة سد الثغرات من الخارج، إلى أي مدى ترى هذه المؤثرات والثغرات ستعود علينا سلبا في تعايشنا وتواصلنا الاجتماعي محليا، وهل ما يحدث في العراق -مثلا- محطة من محطات الخوف والقلق قد تسبب تأخر التعايش بيننا من جديد؟ لا شك أن هناك أطماعا دولية وإقليمية تحاول الاستفادة من الثغرات ونقاط الضعف في واقع بلداننا وأوطاننا، و ذلك يتيح للجهات الأجنبية فرصة الاستغلال والنفوذ، بتضخيمها إعلاميا، لتشويه سمعة البلد، مما قد يؤثر على الاستقرار والأمن الاجتماعي. • هل أنتم مع السجالات الفكرية الدائرة بين الطرفين والتي تتبناها بعض القنوات الفضائية بهدف التحاور، أم ترى أن الأمر خرج عن مضمونه وبدأ كل فريق يرفض الآخر، أم هذا النوع من السجال قد يفضي إلى مصالحة مقبلة؟ لا أؤيد السجالات المذهبية التي تتبناها بعض القنوات الفضائية، لأنها في الغالب تثير قضايا الخلاف، وتركز على إساءات كل طرف للآخر. الحوار المطلوب هو ما يقوم على استعراض وجهات النظر بموضوعية، وما يهتم بمواقع الاتفاق، وعدم نشر الصور النمطية التي تحاكم أي طائفة ومذهب على أساس قول ورد في هذا الكتاب أو طرحه ذلك الشخص.