مكة أون لاين - السعودية شاب في مقتبل العمر، حركته كثيرة وكلامه أكثر ومن المتوقع بحسب المعطيات أنه قليل بركة إن تحرك وقليل بركة إن تحدث، عموما الصدفة ولربما غيرها من المنخفضات كما يظهر منحته مركزا وظيفيا يكثر عليه ذهاب الموظفين والإياب لأسباب أكثرها شهرة غياب التنظيم والفوضى في «القسم» الذي يرأسه. قابلته المرة الأولى وسجلت الانطباع الذي وقفت على صحته في النهاية دون جهد أو ترصد. في غضون اللقاء رقم واحد تحدث هو عن نفسه إلى ما لا نهاية لزرع مفهوم الإبرة وصاحبها والمخيط. له أن يصنع القرار وله أن يقوم بالعكس، هكذا يحاول إفهامي.. كأني به لحظتها يقول لا تبعد عن حدود رضائي فأنا من يوصلك بمدير الجهة وأنا من يحجبك عنه بأدواتي الخاصة الصدئة، فارق التقديرات أحبطني في البدايات شأنه شأن فوارق أخرى من حاملات التعجب. ومقابل ذلك فتشت في دفاتر الخبرة الطويلة التي فرضت تقلباتها مقابلة أكثر من نوع من فصيلة هذا الموظف الغارق في رسم لوحات الفراغ، ومن المتوقع أنه ومن على شاكلته من أكبر صانعي الفوضى في أي موقع مهني يتواجدون فيه، أيضا من الظن القريب من اليقين أن هذه الفئة تجير كل خطأ تقع فيه مثلا على حساب الغير في لحظة تودد واستضعاف لدى مدير الجهة. كم من «مدير جيد متفان» ومخلص في عمله أخفق وذهب ضحية هذه الفئة من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم. كم مرة كررنا هذا القول؟! خلاصة القصة، أن هذا الشاب الموظف يتصرف بقوة سلوك مرتبك بين لا أخلاقي ولا مهني كما يبدو، وهو في الحقيقة معذور في ظل وجود المساحة الواسعة التي يتحرك عبرها والنجاحات التي أحرزها في المعركة الوضيعة وجر بها تغطية عيوبه وتحقيق منافع البقاء في موقعه. فعلا غياب الحزم مقبرة للعزم، ومن هنا لا بد من المواجهة العاقلة المستمرة بغية تنقية أجواء العمل ودفع العجلة إلى الأمام بدلا من وضع «العربة أمام الحصان». حقيقة، حاضر الأيام لا يحتمل ولو للحظة واحدة استمرار مشروع تنمية المهارات المعكوسة، ولا يحتمل أيضا بقاء مشاريع تعبئة أذن المدير، كل مدير بالغبار والصديد الذي سرعان ما يمنع ويحجب الأصوات التي تنادي بتغليب المصلحة العامة والعمل في سبيل التقدم. الشاهد أن المشهد الإداري العربي هنا وهناك مليء بهذه الأصناف «المضروبة» لكنها تختلف في الأسلوب ويبقى الشيء المزعج أنها في تكاثر بحكم وجود البيئة الحاضنة بكل أسف، ولعل هذا الأمر من الأسباب القابعة خلف الجمود والتخلف الإداري الذي يسيطر على بعض البلدان في الوطن العربي، وبكم يتجدد اللقاء.