عبدالله فدعق الرؤية الاماراتية أضحك عندما أقابل من لا يجد بداية لحوارنا إلا بالسؤال عن (الصوفية)، وكأني وصي عليها، أو كأنه العالم بحقيقتها، وفكرت أن أكتب مختصراً عن الصوفية التي أعرفها؛ لأعيد كل من سيسألني إليه، بدلاً من الاستمرار في حوارات كهذه، أكل عليها الدهر وشرب.. (الصوفية) التي تعلمتها من جدي، فوالدي، فمشايخي رحم الله من مات، وحفظ من بقي تنقسم إلى قسمين: سلوكي تربوي ، وفلسفي عقلي ، و(السلوكي) الحقيقي لا يخلو منه مسلم، وهو متعلق بتهذيب النفس، وإبعادها عن الحرام وتقريبها للحلال، ولا يفهم من نسبة الأخلاق إلى الصوفية، أنها مُلكهم؛ لأن مرجع التماس الأخلاق القرآن، وصحيح السنة، وسلوك الصحابة رضوان الله عليهم، ومن هنا سمى أصحابُ الفكر السلفي (الصحيح) تصوفَ من يمارس التصوف (الحقيقي) بالتصوف السني، أما (الفلسفي) بمعنى الآراء في الخلق والخالق، فعلى المقتنع بها أن لا يجبر غيره عليها، وأن لا يدعي أنه الصح الأوحد.. بداية التصوف ترجع إلى أوائل القرن الثاني الهجري؛ حيث انتشرت الكتابة وتوسعت الأمة، ورأى الصوفية وغيرهم أن يدونوا علومهم، فدونوها بأذواقهم الجميلة، التي قد لا تصلح للتطبيق حالياً، لأن أيامنا لا يصلحها إلا ما قاله أحد أئمتهم؛ الإمام المحاسبي: «خيار هذه الأمة هم الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم، ولا دنياهم عن آخرتهم»، بمعنى الانشغال بتزكية النفوس، مع الاهتمام بالآخرة، وتقديمها على الدنيا، ومراقبة الله قولاً وعملاً الإحسان. أما مدونات تراجم الصوفية التعريفات فقد ترجمت لأهل التصوف السني، وضده، ولمن بينهما، ومن المشكلات أنهم ذكروا فيها أقوال وأفعال أحوال أصحاب التصوف الفلسفي، دون تعليق، أو تعقيب، وتكلفوا في تأويلها، وللإنصاف نجد أحد مشاهيرهم وهو الإمام الجنيد رد قائلاً: «مشوا فوق الماء وقطعوا الفيافي... قوم عطاش أفضل عند الله منهم، وأقرب إليه».. ومن المشكلات أن بعض الكتب بدأت بذكر سيدنا محمد، فيظن المتعجل أنه أصل التصوف الحقيقي وعكسه، وبعضها تجاوزت سيرته صلوات الله وسلامه عليه، وبدأت بالصحابة، وبعضها لم يتثبت من الأحاديث النبوية، وبعضها حصر الولاية في البعض، مع أن الإنسان يكون ولياً أو عاصياً في لحظة. هذه المشكلات عبء على التصوف الحقيقي، ونفَّرت الناس منه، وقد انتقدها أعلامه كالإمام الشعراني القائل: «اعلم أن طريق القوم مشيدة على القرآن والسنة، ولا ينكر منها إلا ما خالف الكتاب والسنة والإجماع، وما عدا ذلك فهو فهم، من شاء فهمه ومن شاء تركه».. هذا علمي وسلامتكم كما يقولون ، وغيره لا، وأتمنى أن يفهم الصوفيون، ومدعو التصوف، ومنكروه، (التصوف الحقيقي)، وأن نترك التصنيف المبني على الزي، والمكان، وغيرهما. [email protected]