الاقتصادية - السعودية لا تتطور أي أمة من الأمم إلا بمواكبتها للتغيرات المحيطة بها، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العلمي، ونحن كسعوديين لسنا خارج هذه القاعدة أبدا. في الأسبوع الماضي كتبت هنا عن أن القاعدة الصلبة التي يجب أن نعتمد عليها في تنويع مصادر دخل بلدنا هي تطوير التعليم بما يناسب المرحلة المقبلة.من هنا ننطلق لتأسيس القاعدة التي نستند إليها في التغيير، فالتغيير وتنويع مصادر الدخل يعتمد على التعليم، ولكن الدافع لهذا التغيير ينبع بشكل أساس وليس به أي مجال للجدل البيزنطي من تعريفنا لحاجاتنا ولمستقبلنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا، وهو نابع أيضا من طموحنا ورؤيتنا لبلدنا بعد 30 أو 50 سنة من اليوم. لقد وضعت الحكومات المتعاقبة في المملكة خططا خمسية تجمع ما بين النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي المنشود، وقد وضعت هذه الخطط بناء على مجريات ومفاهيم الوقت الذي وضعت فيه، وبلا شك أن هذه المجريات والمفاهيم تغيرت بشكل واضح، عبر التغير الديموغرافي العمري الذي طرأ على المملكة خلال الثلاثين عاما الماضية، الذي جعل التحديات أكبر اقتصاديا واجتماعيا. اليوم يواجه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية تحديات كبيرة في شتى المجالات التنموية التي لها علاقة مباشرة بالاقتصاد، وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة يعد من أهم التحديات التي تواجه هذا المجلس. يتجاوز حجم هذا القطاع 300 مليار ريال، ويسهم مساهمة كبيرة في الناتج القومي للمملكة، ويعول على هذا القطاع في النمو الكلي لاقتصادنا تعويلا كبيرا. ولو عدنا إلى الإحصائيات التي تعنى بهذا القطاع، فسنجد أن هناك تراجعا ملحوظا لحجم النمو في هذا القطاع وحجم المنشآت المتوسطة والصغيرة الجديدة، فمن عام 2011 إلى اليوم، تراجع ترتيب المملكة في تقرير البنك الدولي للأعمال من المرتبة 11 إلى 49 ومعظم هذا التراجع يتركز في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولو اتجهنا إلى صغار رجال الأعمال والمهتمين بهذا القطاع، فسنجد أن أكثر ما يعانيه هؤلاء هو التشريعات الجديدة لسوق العمل وصعوبة وعدم وضوح قوانين البلديات وهيئة الغذاء والدواء السعودية، هذا إضافة إلى تضارب توجهات هذه الجهات مع بعضها البعض. ربما يعتقد البعض هنا أن كثيرا من التجار من أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة يريدون التهرب من السعودة وقوانينها، ويريدون أن يتجاوزوا هيئة الغذاء والدواء والبلديات. هذا الاعتقاد ربما يكون موجودا في بعض الحالات وهي قليلة، إلا أن القوانين والتشريعات يجب ألا تضر أو تعوق الأكثرية، لأن هناك أقلية لا تريد أن تعمل بنزاهة والتزام. إن أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة يعون تماما أن توظيف المواطن أقل تكلفة من توظيف الأجنبي، وأن تدريب المواطن ليتمكن من تأدية مهام عمله ليس بالمهمة الصعبة أبدا، إلا أن توحيد نسب السعودة على المنشآت التجارية دون النظر إلى حجم المنشأة فيه حيف كبير على صغار التجار، لأن هذا يمنعهم من القدرة على المنافسة والاستمرار. وبغض النظر عن دقة طرفي النقاش في هذا الموضوع، فإن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية مدعو اليوم للنظر بعين الفاحص لهذا الأمر، ليكون صاحب الكلمة الفصل في إعادة صياغة الأنظمة والتشريعات، التي تعوق نمو هذا القطاع المهم.