خطيب المسجد الحرام: مهمة الرسل الدعوة إلى الله وتوحيده وإفراده بالعبادة    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    الكويت فأل خير للأخضر    (عيد) أفضل حارس للبطولة الخليجية الأولى والثانية    أمريكا تعلن إرسال وفد دبلوماسي إلى دمشق    تراجع أسعار الذهب 2596.89 دولارًا للأوقية    توقعات بتساقط الثلوج على تبوك    الخطوط السعودية ووزارة الإعلام ترفعان مستوى التنسيق والتعاون المشترك    الأندية السعودية.. تألق آسيوي في الملعب والمدرجات    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    رئيسا «الشورى» والبرلمان الباكستاني يبحثان تعزيز التعاون المشترك    «التعليم»: التحول المؤسسي في الإدارات والمكاتب لا يرتبط بالموظف مباشرة    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    رغم المخاوف والشكوك.. «سورية الجديدة» تتحسس الخطى    خير جليس يودّع «عروس البحر» بتلويحة «جدّة تقرأ»    كأس العالم    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    328 سعودية ينضممن إلى سوق العمل يومياً    استغلال الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي يهدد صحتهم النفسية والاجتماعية    الإسلامُ السياسيُّ حَمَلٌ وديع    25 ألف سعودية يثرين الأسواق الناشئة    الإخلاء الطبي يشترط التأمين التعاوني للممارسين الصحيين    الدفاع المدني يؤكد ضرورة إطفاء النار الناتجة عن الفحم والحطب قبل النوم    التأمين يكسب .. والعميل يخسر    «سكن».. خيرٌ مستدام    تمارا أبو خضرا: إنجاز جديد في عالم ريادة الأعمال والأزياء    إبراهيم فودة.. الحضور والتأثير    رسائل    تفسير المؤامرة    السعوديون في هيثرو!    بحضور تركي آل الشيخ ... فيوري وأوسيك يرفعان التحدي قبل النزال التاريخي    النصر ومعسكر الاتحاد!    "رينارد" يعلن قائمة الأخضر المشاركة في خليجي 26    مشاعل الشميمري: أول مهندسة في هندسة الصواريخ والمركبات الفضائية في الخليج العربي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    أدبي جازان يحتفل بفوز المملكة بتنظيم كأس العالم ٢٠٣٤ بندوة رياضية أدبية    الإصابة تبعد الخيبري عن منتخب السعودية    الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة الشرقية يكرم المتطوعين المتميزين في عام 2024م    كاسبرسكي تتوقع نمواً سنوياً متوسطاً بنسبة 23% في السعودية بفضل خبرتها المحلية على مدى 17 عاماً    فيصل بن مشعل يستقبل العميد العبداللطيف بمناسبة تكليفه مديرا لمرور القصيم    أمير القصيم يرعى ورشة عمل إطلاق التقرير الطوعي لأهداف التنمية المستدامة في بريدة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    وزير العدل يُوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية بالمحكمة العامة    محافظ بدر الجنوب يستقبل مدير عام فرع الأمر بالمعروف    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    صحة الحديث وحدها لا تكفي!    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    الأمير تركي الفيصل يفتتح مبنى كلية الطب بجامعة الفيصل بتكلفة 160 مليون ريال    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصر سلمان بن عبدالعزيز.. آمال منتظرة
نشر في أنباؤكم يوم 26 - 01 - 2015


عبدالله المفلح
التقرير الكندية
قبل أن أكتب مقالتي هذه، جرى حوار بيني وبين بعض الأصدقاء حول مضامينها، فنصحوني بعدم الكتابة حول هذه المضامين؛ لأن سقف حرية الكلمة الذي سمح به الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله قد لا يكون موجودًا بعد رحيله، رغم أنني شرحت لهم أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قد اشتُهِر عنه أنَّه الأعلى سقفًا فيما يتعلق بحرية الكلمة بين كل رجالات البلاد، ولا أدلّ على ذلك من مجالسه التي لا تخلو من المثقفين والكتَّاب والمفكرين.
لقد قال لي هؤلاء الأصدقاء: نرجو أن تكسب رهانك، لكننا لن نراهن على ذلك.
لنترك هذا جانبًا الآن، ولندلف إلى المقالة:
رحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله قبل أن يغلق الكثير من الملفات، مما يزيد الضغط على خلفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي يبدو أنَّه بالنظر لقراراته السريعة والقوية التي أصدرها في أول أيام حكمه، ينوي ترتيب البيت الداخلي بحزم وصرامة ودون تأخير، وهو أمر يبشر بخير.
لن تقوم هذه المقالة بجرد المرحلة السابقة وما فيها من مكاسب أو خسائر للسعودية، وإن كان سيتم التعرض لبعضها في معرض الحديث عن الطموحات، لكنها ستعرض أكبر التحديات التي سيواجهها نظام الحكم الجديد داخليًا وخارجيًا.
أول الملفات الداخلية، هو ملف التراتبية في الحكم، فحتى الآن يبدو الأمر غامضًا، فلقد تم إنشاء هيئة البيعة وتم استخدامها في اختيار الأمير نايف رحمه الله وليًا للعهد، ثم جرى بعد ذلك تجاوزها مرتين متتاليتين، مما جعلها أشبه ما تكون بالصورية. ولا أحد يدري ما هي الآلية التي تم على ضوئها استحداث منصب ولي ولي العهد وما هي المعايير التي على ضوئها سيتم اختيار من يشغله لاحقًا. هذا الملف هو الملف الأخطر في السعودية التي يخشى شعبها أن يتسبب غموض الآلية في التراتبية في إحداث صراع داخل الأسرة يتمدد إلى ما لا يحمد عقباه.
ثاني الملفات، هو ملف المعتقلين السياسيين المطالبين بالإصلاح من خلال ملكية دستورية وبرلمان منتخب، والذين زادت أعدادهم في السجون في السنتين الماضيتين، مما وضع المملكة تحت ضغوط متواصلة من المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية ومن الناشطين في الداخل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كتويتروالفيس بوك. يتوقع الناشطون، كما هي عادة كل حكم جديد، أن يتم إطلاق سراح العديد من المعتقلين السياسيين المطالبين بإصلاحات حقيقية تشمل مؤسسات مجتمع مدني يقولون إنها وحدها الضمانة للأمن والسلم والوحدة وسط عالم عربي مرَّ بربيع أول وينتظر على الأبواب ربيعه الثاني.
ثالث الملفات، وهو ملف لا يتم الحديث عنه كثيرًا في الإعلام، لكنه بات اليوم هاجسًا يقلق الشعب السعودي، هو الحاجة إلى وجود جيش سعودي قوي ومتطور يمكنه الرد بسرعة وقوة على الإيرانيين الذين باتوا على الحدود الشمالية والجنوبية للمملكة. على المملكة أن تتخلص من الاعتماد على الحماية الأمريكية غير المؤتمنة، خصوصًا مع ما نراه من تقارب كبير بين أمريكا وإيران، كان آخر مظاهره دفاع الرئيس أوباما عن النظام الإيراني ورفضه لأي قانون قد يطرحه الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على إيران!
لم يتم بذل الكثير في هذا الصدد منذ غزو العراق للكويت، والحجج الباهتة كانت الخشية من وجود جيش قوي قد يهدد استقرار البلد. حجة سقيمة ومضحكة، لو عملت بها دول العالم لما رأينا كل هذه الجيوش القوية والمتطورة.
ملف البطالة، هو رابع الملفات الساخنة داخليًا، فحتى اليوم نجحت الدولة نجاحًا ضعيفًا فيما يخص التخطيط لتنويع مصادر الدخل وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي لا يعتمد على النفط، ويسمح بفتح سوق عمل للشباب العاطل الذي يبلغ الآلاف من خريجي الجامعات والمبتعثين سنويًا.
تأتي بعد ذلك ملفات الفساد المستشري، والتي بدأ الملك عبدالله في آخر أيامه حربًا عليها مثل صكوك الأراضي التي تسببت شبوك سُرَّاقها برفع أسعار الأراضي لأرقام فلكية ليست في مقدور الطبقة الوسطى توفيرها!
داخليًا، وكما يبدو مما ذكرت، هناك حاجة ماسة لترتيب بيت الحكم، ثم لترتيب الدولة. وكل هذا لا يمكن أن يحصل دون إصلاح حقيقي لبنية الدولة وفق دستور يحدد آلية اختيار الحاكم بصورة واضحة ( تتم داخل الأسرة )، ويحدد كذلك علاقة الحاكم بالمحكوم. لقد تم تأجيل انتخابات مجلس الشورى بما يكفي، وقد حان الوقت لقيام الدولة السعودية الرابعة، دولة المواطنة التي يحكمها دستور ومجلس شورى منتخب؛ فالعالم لم يعد يعترف بغير الشرعيات الديمقراطية الدستورية. والجيل الصاعد من رجالات الدولة مثل الأمير مقرن والأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان على وعي ودراية كاملة بضرورات المرحلة. إنها صيرورة طبيعية حصلت في كل الملكيات شرقًا وغربًا، وليست دليل ضعف أو تنازل؛ بل هي تطور طبيعي لآلية المشاركة الشعبية. إنَّ المطالبة بالإصلاح حق أصيل، يجب أن لا يستفز أحدًا، وهناك فرق كبير بينه وبين التحريض، وليس من العدل أن يلقى في السجن كل من يطالب بالإصلاح وترسيخ حكم أسرة آل سعود من خلال ملكية دستورية تعطي دفعة إيجابية قوية للعلاقة بين الأسرة والشعب. إن من الحصافة رؤية المستقبل الآن، وبالتالي تكييفه واستيعابه بالطريقة التي تضمن تحصين الجبهة الداخلية القادرة على دفع العدو الصائل من الداخل أو الخارج.
إن الشعب السعودي لا يرضى بديلًا عن آل سعود، فهم ضمانة الوحدة، ولهم سابقة التوحيد، والعلاقة بين الشعب وآل سعود يجب أن تتطور من خلال بناء عقد اجتماعي جديد يكفل لكلا الطرفين حقوقهما.
بشكل عام وباختصار شديد، أعتقد أن السياسة الداخلية السعودية يجب أن تعتمد في الفترة القادمة على سبعة مرتكزات رئيسة:
1- رفع الغموض عن التراتبية في بيت الحكم، من خلال إعلان واضح وصريح عن الآلية، وتحديد الأسماء كي يتم قطع التكهنات ومنع ضعاف النفوس من إثارة البلبلة واللغط.
2- وضع دستور مكتوب للبلاد يقوم على الشريعة الإسلامية.
3- الدفع باتجاه تطوير آلية المشاركة الشعبية، من خلال إقرار انتخابات مجلس الشورى.
4- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين واحتوائهم والدعوة لمؤتمر وطني يتم من خلاله الاستماع إلى آرائهم وأفكارهم.
5- الدفع باتجاه تكوين جيش وطني قوي ومتطور وفق المواصفات العالية.
6- جذب الاستثمارات الخارجية (وهو أمر لن يحصل ما لم يشعر المستثمر الخارجي أن البلد آمن وقوي وذو نظام قانوني راسخ وشفاف).
7- الضرب بقوة، وبشكل عملي، على أساطين الفساد وملاحقتهم قضائيًا.
على المستوى الخارجي تبدو الصورة أكثر قتامة، والخسائر أكثر من المكاسب، مما يتوجب معه تحرك سريع من الحكم الجديد لإيقاف التدهور في النفوذ السعودي، وترميم السمعة السعودية التي لطالما عُرِفت بالحياد والهدوء والعقلانية وعدم التدخل في شؤون الغير إلا في تقديم يد العون والمساعدة.
في السنوات القليلة الماضية ومع قدوم الربيع العربي حصل تحول كبير ومركزي في السياسة الخارجية السعودية تم فيه استبدال العدو الإخواني مكان العدو الإيراني، فأصبح هناك عداء مركزي سعودي للإخوان المسلمين لم يكن له ما يبرره على الأرض. بينما انسحبت المملكة من البؤر والجبهات التي كانت تنافس الإيرانيين فيها مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن!
على السعودية ترميم علاقتها بالإخوان المسلمين، فطوال تاريخ الدولة السعودية لم يكن هناك عداء معلن أو مستتر بين السعودية والإخوان، بل كانت السعودية طوال الوقت قادرة على احتواء الإخوان المسلمين والتعامل معهم دون قوائم تصنفهم كإرهابيين أو دعم لأنظمة كي تنقلب عليهم وترتكب مجازر ضد أتباعهم في الميادين. على السعودية أن لا تجعل من نفسها حليفًا لدولة هنا أو هناك تشكو هوسًا من الإخوان المسلمين وتريد من السعودية أن تشاركها الهوس ذاته. الإخوان المسلمون موجودون منذ عقود طويلة في الأردن والمغرب والسودان والكويت والبحرين واليمن وفلسطين، ولا يذكر التاريخ حادثة واحدة من الخلاف الشديد بين الإخوان وبين السعودية، فلماذا يريد البعض أن تكون السعودية رأس حربة في مواجهة تيار سياسي عريض في العالم العربي؟ ما الذي كسبته السعودية من تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية وهي التي لم تطلق رصاصة واحدة على السعودية، وليس حزب الله اللبناني الذي قتل ويقتل حتى اليوم عشرات الألوف من السوريين الذين دعمت الحكومة السعودية ثورتهم، دع عنك العمليات الإرهابية التي قام بها ضد المملكة في العقود الماضية؟!
إن كل حديث حول أن الخطر الأكبر الحاضر هو خطر الإخوان المسلمين، بينما خطر إيران هو خطر أصغر لاحق، هو حديث له طعم الهراء؛ لأنك حين تتخلص من خصم كالإخوان كان من الممكن أن يكون حليفًا قويًا لك، فإنك تصبح وحيدًا أمام إيران وحلفائها الكثيرين في المنطقة، وفي ظل علاقة حميمية واضحة بين الأمريكان والإيرانيين كما ذكرت آنفًا حتمًا ستكون أكبر الخاسرين!
من السذاجة أن تقوم تحالفاتنا الاستراتيجية والتكتيكية على الرغبوية. لقد رأى الجميع كيف أن إيران قد استفادت في فترات معينة من دعمها لتنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان لتحقيق مكاسب تكتيكية رغم الخلاف الأيديولوجي العميق بين فكر القاعدة والفكر الإيراني (الرافضي بحسب التوصيف القاعدي). إنها السياسة يا سادة. فن الممكن لتوسيع دائرة نفوذك ومكاسبك وضرب خصمك في خاصرته إن احتاج الأمر.
لنفكر بهدوء، ونرى إذا ما كانت سياستنا الخارجية قد نجحت في تحقيق أهدافها أم لا؟
رحل الملك عبدالله ورئيس اليمن المدعوم سعوديًا يعلن استقالته، والسبب هو احتلال التحالف الذي يقوده علي عبدالله صالح، المدعوم سعوديًا أيضًا، مع الحوثيين (الذراع العسكري لإيران)، احتلالهم لصنعاء ولقصر الرئاسة في تهميش واستخفاف بالمبادرة الخليجية التي رعتها السعودية. كل هذا نكاية بحزب الإصلاح الإخواني؟ ألم تعرف السعودية طوال تاريخها كيف تتعامل مع الأحمر والزنداني؟ بلى. ما الذي تغير إذن كي يصبح اليمن الممزق المنقسم خيارًا سعوديًا مفيدًا؟ أي فائدة للسعوديين في سيطرة الحوثيين على باب المندب؟ أي فائدة للسعوديين من وجود الحوثيين على حدودها؟ لماذا نخوض حروبًا ليست لنا، ونكون نحن من يدفع فاتورتها؟! ولاحظ الصمت الأمريكي المريب عن انقلاب الحوثيين!
في مصر، نفس الحكاية. رحل الملك عبدالله ومصر في أسوأ أوضاعها، فالسيسي الذي راهنت عليه المملكة أثبت فشلًا ذريعًا في إدارة البلاد بعد الانقلاب العسكري الدموي الذي قام به. وكما أن الدعم السعودي قد قسم الشعب اليمني فإن دعم انقلاب السيسي قسم الشعب المصري (دع عنك اللغط الشرعي الذي ثار في المجتمع السعودي داخليًا حول الازدواجية في الحديث المتكرر صباح مساء حول حرمة الخروج على ولي الأمر، وجواز دعم الخروج على ولي الأمر الشرعي في مصر، والحكمة من وراء دفع مليارات للخارج بدل الداخل المنهك)، ذلك الدعم الذي أضعف الدولة المصرية كثيرًا، وكان من الحصافة والذكاء السياسي لا الرغبوي أن تكون مصر قوية ولو تحت حكم الإخوان أو الليبراليين أو أي أحد آخر!
أي مصلحة للسعودية في تقسيم الشعب المصري، والشعب اليمني، والشعب التونسي، والشعب الليبي؟! لماذا نخوض حروبًا يخسر فيها الجميع لمجرد أن هناك صديقًا ما يتعطش لرؤية هذه الشعوب تهوي إلى الفوضى والتشظي، المهم أن لا يحكمها الإخوان المسلمون، وكأن حكم الإخوان فيما لو حصل سيكون مغريًا لشعوب المنطقة! في المغرب يحكم الإخوان، وفي السودان يحكم الإخوان، وفي غزة يحكم الإخوان، وفي الأردن حكم الإخوان طوال عقود، فأي نجاح أو إغراء جاءوا به؟!
على السعودية أن تلتفت لمصالحها، ولمصالح الأمة العربية التي كانت السعودية فيما مضى أحد أضلاعها الرئيسة، بدل الاستجابة لمطالب بعض الأصدقاء الذين يشكون عداءً وهوسًا تجاه الإخوان خاصة، والإسلاميين عامة.
في ملف داعش، لنكن صرحاء، فإن دخولنا في التحالف الدولي ضد داعش لم يحقق أي مكسب حقيقي للسعودية باستثناء إثبات أنَّها ضد الإرهاب (وهو أمر جرى إثباته عشرات المرات)، فلقد كان القرار السعودي مستغربًا جدًا في الأوساط السعودية والعربية بالنظر إلى أن العدو الحقيقي الأكبر للسعودية في هذه الحقبة هو إيران، وبالتالي فمن المنطقي أن تكون الأولوية في العمل على الإطاحة بنظام بشار العميل الإيراني في سوريا الذي أعلنت السعودية سقوط شرعيته ودعمها للثورة الشعبية عليه، وليس على داعش التي تقاتل نظامي العراق وسوريا التابعين لإيران! داعش تظل حركة صغيرة رغم ما يشيعه الأمريكان عن كونها أخطبوطًا، وهي إحدى كذبات السياسة الأمريكية المعتادة للإبقاء على قبضتها ووجودها الكبير. ثم هبوا أن داعش قد انتهت، من سيستولي على المواقع التي كانت تحتلها؟ سيستولي عليها الجيش السوري والعراقي والميليشيات التابعة لهما، مما يعني إحكام قبضة إيران وأذنابها أكثر ومحاصرتها للمملكة من الشمال والجنوب!
إن من صالح السعودية أن تبقى جبهة العراق وسوريا مشتعلة، وأن تسحب داعش نظام الملالي في إيران والعراق ونظام بشَّار معها إلى الهاوية، لماذا نشارك في تخليصهما من عدو يوجعهما؟
على الحكم الجديد، من وجهة نظري المتواضعة، أن يكون على مسافة ما من الأمريكان حين اتخاذه لقراراته؛ فالتطابق الحاصل ليس في صالح المملكة. فتركيا مثلًا حليف أمريكي قوي وموثوق ومع هذا فلن تجد تطابقًا في المواقف بينها وبين الأمريكان فيما يخص القضية الفلسطينية وغزة والعراق، بل ستجد أن مصلحة تركيا تأتي أولًا لدى الساسة الأتراك قبل المصلحة المشتركة مع الأمريكان.
بالحديث عن تركيا، أي مصلحة للسعودية في العداء مع أردوغان؟ أليس من الحصافة والذكاء وبعد النظر الاستراتيجي صنع علاقة متميزة مع تركيا، القوية والنافذة إقليميًا؛ لكبح جماح التمدد الإيراني في ظل الفراغ الاستراتيجي الذي أحدثه الربيع العربي والذي انتهى بخروج مصر ضعيفة ومنهكة وغير مؤثرة؟ لماذا تجري السعودية خلف صديق أو اثنين لديهم مشكلة مع تركيا؟ وهم ذات الأصدقاء الذين يرحبون بإيران على أراضيهم!
فيما يخص ملف غزة، لم يكن الموقف السعودي جيدًا. والحجة كانت أن حماس الإخوانية إرهابية، وهو موقف يتطابق، للأسف الشديد، مع الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل. لقد كانت السعودية في السابق ترفض وبشكل صريح أن تعطي إسرائيل الفرصة للاستفادة من الموقف السعودي الرافض للعنف والصراع في حل المشاكل. كانت السعودية تدعم المصالحة الفلسطينية وتضغط على حماس، لكن من دون أن تعطي لأحد الفرصة كي يصفها بالاصطفاف إلى جانب الصهاينة كما حصل في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتي ظهر فيها الأصدقاء إياهم يفتخرون بدعمهم لإسرائيل في حربها على غزة!
بشكل عام وباختصار شديد، أعتقد أن السياسة الخارجية السعودية يجب أن تعتمد في الفترة القادمة على سبعة مرتكزات رئيسة:
1- المصالحة مع الإخوان واحتوائهم. (أعيد التأكيد على فن الممكن في صنع التحالفات حتى مع من تختلف معهم أيديولوجيًا، كما فعلت طهران مع القاعدة).
2- الدفع باتجاه مصر قوية وفاعلة.
3- صنع حلف جديد يضم تركيا ومصر.
4- وضع مسافة مع الأمريكان. (تضمن تقديم المصلحة السعودية على المصلحة السعودية-الأمريكية المشتركة).
5- إعادة قضية فلسطين لتكون القضية المركزية الأولى للعرب وإشعار الصهاينة بأن كل الخيارات مفتوحة.
6- الجرأة في النزول للساحة، واللعب إقليميًا، وصنع التحالفات مع الأصدقاء المأمونين الذين تربطنا بهم علاقات ودّ تاريخية، وعدم ترك الساحة للإيرانيين كي يتمدد نفوذهم، ولا ضير في الخسارة في ملف أو ملفين؛ فالسياسة والنجاح فيها عملية تراكمية.
7- الابتعاد عن الاصطفاف مع الأصدقاء الصغار المصابين بالهوس من كل ما هو إسلامي.
إنَّ أمام الحكم الجديد تركة ثقيلة، وملفات ساخنة، تستدعي تلاحمًا شعبيًا واسعًا، ورؤية وطنية شاملة حول الموقع الذي نريد للمملكة أن تحتله في المستقبل القريب، والذي على ضوئه يتم بناء البيت الداخلي وشبكة العلاقات الخارجية، كي تعود المملكة العربية السعودية لاعبًا إقليميًا كبيرًا لا يمكن تجاوزه.
أنا على أمل وتفاؤل أن بلادنا ستنهض من جديد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وستلعب الدور الذي لطالما لعبته كحاضنة قوية وذات نفوذ كبير لكل العرب والمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.