زجت قناة CNN الأمريكية الأسبوع الماضي باسم السعودية في خبر حصري عن تنظيم داعش في العراق يكشف من خلالها مصدر -رفض الكشف عن اسمه- عن خطط داعش في تطويق سامراء بصورة متعمدة؛ للمحافظة على قوة الدفع باتجاه العاصمة بغداد، بالإضافة إلى وجود كتيبتين في بعقوبة مجهزتين بصورة ممتازة مهمتهما الأساسية هي الدفع باتجاه بغداد، كما أن القاعدة العسكرية الرئيسة للجيش العراقي في بعقوبة تم اجتياحها بهدف التنظيم للاشتباك مع دفاعات مطار بغداد، والوصول إلى مسافة قريبة يمكن من خلالها للقذائف الوصول إلى أحياء بغداد الشمالية. وأشار المصدر السعودي الذي تدعيه CNN إلى أن إحدى الكتيبتين الأماميتين لداعش ستشتبك مع القوات الشيعية القادمة للدفاع عن مقام الإمام العسكري في سامراء، أما باقي التشكيلات فستدفع باتجاه مطار بغداد. واختتم المصدر بتأكيده على أن الدفاعات العسكرية للجيش العراقي شمال العاصمة بغداد مشتتة وفوضوية، وأن المليشيات الشيعية المشكلة مؤخرا تتخللها حالة ارتباك. الخبر كما هو وبشكله المفصل هو استخباراتي دقيق ومحترف لتحركات تنظيم (داعش) الإرهابي في العراق، وكأن CNN الأمريكية تؤكد أو تشير إلى علاقة المملكة العربية السعودية بتنظيم (داعش)، وهذا طبيعي لأنه جزء من سياسة استخبارات الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تنتهج الإعلام المضلل، وتمارس صناعة وإنتاج وتوزيع إعلام مفبرك ومؤدلج من خلال أخبار وحملات وهجمات إعلامية مختلفة عبر منافذ القنوات (الأمريك – صهيونية) لتعليب الرأي المحلي الأمريكي والعالمي، ولتحقيق أجندات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة، غير أن غباء الحس الإعلامي لسياسة صناعة إعلام الاستخبارات الأمريكية لم يتغير في طرحه وأسلوبه ومنهجه وطريقته؛ فأصبح واضحاً وظاهراً لمتابع واقع وحقيقة دور الاستخبارات الأمريكية في العالم، وتحديداً في الشرق الأوسط، التي تحاول بدورها رمي كرة سياسية جديدة داخل الشرق الأوسط، وتحديداً الخليج العربي؛ لتلعب دوراً مع بعض السياسات المجندة لها لصنع شرق أوسط ودويلات خليجية جديدة؛ لذا فإن خبر CNN لا يعد بالمفهوم السياسي الحقيقي والطبيعي بتصريح لمصدر في الاستخبارات السعودية بل هو تقرير استخباراتي أمريكي بحت، ومن داخل الأراضي العراقية نفسها إن لم يكن من تنظيم داعش (الأمريك – إسلامي). لقد كانت أمريكا تعول كثيراً في الفترة الماضية على الملف المصري، غير أن عزل محمد مرسي التابع لتنظيم الإخوان المسلمين عن الحكم، والإعلان عن إدراج التنظيم في لائحة المنظمات الإرهابية، وانتخاب عبدالفتاح السيسي رئيساً لجمهورية مصر العربية، كان خسارة كبيرة ولطمة قوية لأمريكا؛ فالملف الإخواني لم يكن إلا لتمديد التنظيم وتوسعته للسيطرة وتغيير أنظمة حاكمة في دول محددة ومن ضمنها دول خليجية. ولأن مشروع بناء تننظيم الإخوان المسلمين في المنطقة فشل؛ كان لابد لأمريكا من العودة مجدداً وبسرعة وبمؤشرات سياسية جديدة ومختلفة في المنطقة، فحشدت تنظيم (داعش) للعراق، وبالتواطؤ مع حكومة المالكي لتأجيج حرب أهلية وطائفية جديدة، ولفتح طريق تصدير وتوريد منظمات إسلامية جديدة متشددة تختلف جميعها في المسميات وتتفق في الإرهاب والوحشية للوصول لكرسي السلطة، وهو ما سيمنح الفرصة وأحقية التدخل بالدرجة الأولى لإيران لتمرير مشروعها وحلمها الفارسي من خلال الاستيلاء على الأراضي العراقية للعمل على إنشاء جبهة حرب للدول المجاورة للعراق وعلى رأسها السعودية. وللضمان الأمريكي للكثير والمزيد، بالإضافة إلى فتح باب الحرب الأهلية والطائفية في العراق عبر البوابة الداعشية كانت صفقة مصالحة مبطنة مع تنظيم حركة طالبان، التي كان أبرزها إطلاق سراح 5 أسرى من تنظيم طالبان مقابل جندي أمريكي واحد لم تحرك أمريكا مسبقاً ملف أسره عند طالبان لمدة خمس سنوات إلا بعد حاجتها للعمل على زيادة خلق مشاريع سياسية تنظيمية جديدة ومخططات تأجيج صراع بين قوى دينية متعددة بعضها قريب وبعضها الآخر بعيد المدى، كذلك التأسيس لخلايا تنظيم حركة طالبان، وزرعها داخل محيط دول الخليج؛ لتكوين نزاعات تنظيمية متقاتلة تحاول كل منها فرض سيطرتها على الأخرى، وبشعارات متعددة لن تخرج عن إطار فرض أسلمة جديدة وأنظمة متأسلمة لكل تنظيم جميعها تعمل لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبهذا تتحقق أهداف أمريكا في صناعة حرب خارجية باسم الطائفية، وحرب داخلية باسم الإسلام. أمريكا لن تتردد للتنازل في أي وقت عن تحالفها مع دول الخليج ومنها السعودية مقابل مصالحها واستراتيجياتها وتخطيطاتها المدعومة بنظريات صهيونية، فالحليف بالمنظور الأمريكي قد يتحول ويصنف فجأة إلى عدو ضد أمن واستقرار إسرائيل في المنطقة، وضد مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها، أو العكس من عدو يتحول إلى صديق وحليف خفي، كما حدث في العلاقة الأمريكية مع إيران ومنحها فرصة محاولة الهيمنة على بعض دول المنطقة، والعمل على تأجيج الشعوب ضد أنظمتها الحاكمة، والتدخل في شؤون دول الخليج تحديداً من خلال إثارة الفتن والنزاعات الطائفية وغيرها. ولأن الصداقة المشتركة والمصالح المتبادلة هي لغة العلاقة بين دول الخليج والولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أنه يتحتم على دول الخليج متمثلة في المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين أن تضع في اعتباراتها السياسية داخلياً وخارجياً أن تنظيم داعش والمصالحة المبطنة بين أمريكا وحركة طالبان هي ملفات جديدة وأوراق سياسية مختلفة ذات أهداف وأبعاد تسعى لتغيير ملامح أنظمة الحكم وأمن واستقرار شعوب الدول الخليجية. وختاماً، ما لا تدركه سياسة المخابرات والسياسة الأمريكية بل ومن الصعب عليها التنبؤ به، خطورة تلك الخناجر والسيوف السعودية عندما تضرب في خاصرة صديق أو حليف أصبح عدواً في الداخل أو في الخارج؛ لأنها لا تقبل إلا الحق، ولن ترضى بغير وحدتها وسيادتها وسلامة وطنها وأمنها. حفظ الله لنا وطننا، وأدام علينا نعمة الأمن والأمان.