التحرير - القاهرة مات إبراهيم الفقى ببؤس كامل. بائع روشتات السعادة غادر الدنيا وحيدًا، غارقًا فى مشاعر برد لا توقفها أكثر من مدفأة. وهو أيقونة البحث عن القوة والدفء من الداخل. الحريق أكل البيت وصاحبه بشرارة كهربائية. إبراهيم الفقى هو داعية التنمية البشرية. وحامل توكيلاتها من بلد المنشأ: أمريكا. حكايته عن ذاته تبدأ من ذروة مضمونه، تتقطع عندها قلوب المصريين وتلمس أوتارهم الحساسة.. فالفندقى الناجح سافر إلى كندا (لماذا؟) وعمل فى جَلْى الأطباق (رغم أن هذه من سرديات السفر إلى أوروبا فى السبعينيات والثمانينيات وليس التسعينيات) وتغلب على كل ذلك وحصل على الدكتوراه (تشكك مواقع متعددة فيها) وكما قال على صفحته الشخصية سجل علمين جديدين هما: علم قوة الطاقة البشرية، وعلم ديناميكية التكيف العصبى. إبراهيم الفقى مندوب مبيعات فى صورة حارس أيديولوجى لدولة تبحث عن دمج لطيف لمواطنيها فى الماكينة. يعيد إنتاج التربية العاطفية عن المواطن المذنب، الفرد الذى يحتاج إلى إصلاح.. هنا تلتقى سلطة العائلة مع سلطة الدولة بمؤسساتها كلها (أجهزة أمنية وإعلامية، وعاظ ودعاة ومراقبو الحريات الشخصية). كل هذه السلطات تحاصر الفرد من لحظة اليقظة إلى المنام، من الميلاد إلى الموت. الفرد مذنب/ يفسد حياته/ ويدمر المجتمع.. ف ابدأ بنفسك و ابحث عن الطاقة الإيجابية داخلك .. إلى آخر خطابات التنمية البشرية تبدو كتالوج الاندماج والتوافق مع الماكينات الهدارة.. بدون وقفة لإصلاح الماكينات أو إعادة ترتيبها أو تفكيكها. كيف تصنع سعادتك بمفردك؟ كيف تعتبر أن خلاصك سيكون بالحب تجاه البشرية؟ تلك المحبة البلهاء التى تفرغ النظام الاجتماعى من صراعاته وأيديولوجياته لتبقى الأنظمة قدرًا لا يمكن تغييره.. وعليك أن تدخل فى حجرات التأمل واليوجا بحثًا عن الصفاء، وتبحث عن شبكات الQ لتصبح مليونيرًا. سعادتك طريق فردى مطلق. تلغى فيه فرديتك/خصوصيتك بكتالوجات إبراهيم الفقى التى أصبحت مع توغلها الرهيب فى المجتمع الطريقَ المعتمد للسلطة. فعلًا مصر ستعيش سنوات تحت حكم التنمية البشرية/ لا أيديولوجيا/ ولا مؤسسات/ ولا منظومة علاقات/ فقط عليك أن تصلح من نفسك فسينصلح الكون كله. تلغى الفردية مع تدجينها فى إطار تسييد منطق التوافق مع السائد والحالى ومواجهتها بتحضير طاقة من داخلك تحضيرًا يشبه استحضار العفاريت التى كانت تتقافز حول إبراهيم الفقى فى محاضراته الطويلة، عفاريت تكتم روحك بكل هذه الكلمات التى لا تعنى شيئًا.. كلمات يتصورها بديلًا عن الحياة، وهى خالية من الحياة. إبراهيم الفقى أراد تحويل الحياة إلى كبسولات من الكلام الناعم/ الحنون، كبسولات تنفخ المشاعر على طريقة الأمينو أسيد الذى ينفخ العضلات، لكنه لا يمنح القوة. إبراهيم الفقى نشر أفكاره التى تعوض الشاعرين بالفراغ الروحى/ والعجز الإنسانى بطبقات فوارة تتضخم لتتغلق المسام نهائيا وتحوّل أصحابها إلى كتل تعيسة، لكنها بطبقة رقيقة من حلوى صناعية. إبراهيم الفقى مسيطر الآن وحاكم، توغلت أفكاره وأساليبه لتصبح أدوات حكم ومعارضة.. الحكم يراها أسلوب جرجرة القطعان بجنازير مصنوعة من ألياف لونها بامبى والمعارضة تدخل فيها تحت رذاذ ملون لا ينقذك منه أحد، لأنك تضع على وجهك علامات رضا بتلك الحياة منزوعة الحياة، حياة لايت ليس إلا. إبراهيم الفقى أيها الحنون المفترس.. إنك تحكمنا الآن من قبرك.