الاقتصادية - السعودية بدأت تظهر في حياتنا – بشكل فاضح – جوانب سلبية للرفاهية الاجتماعية التي ننعم بها، ومنها أن المجتمع السعودي سجل على نفسه بأنه من أعلى المجتمعات في العالم استهلاكا للنفط، كذلك سجل استهلاك الكهرباء في المملكة في آب (أغسطس) الماضي أعلى معدل في تاريخ الاستهلاك، إذ قفزت الأحمال الكهربائية الذروية يوم 31 (أغسطس) إلى 56.500 ميجاواط، بزيادة 7.7 في المائة، مقارنة بالأحمال الذروية المسجلة خلال صيف العام الماضي 2013. إن هذا الرقم الكبير والمتصاعد في استهلاك النفط وفي استهلاك الكهرباء يعد مؤشرا على الاستهلاك المحلي المتنامي للطاقة، الذي يسير بمعدلات مرتفعة جدا، مقارنة بالكثير من دول العالم. ويشير هذا المعدل العالي من الاستهلاك إلى أن المملكة تتصدر دول العالم في حجم استهلاكها المحلي من الطاقة، إذ يبلغ متوسط استهلاك الفرد فيها ضعف المتوسط العالمي، وبمعدل نمو سنوي يصل إلى أكثر من 5 في المائة. وعلى الرغم من أن النمو الكبير في الطلب على الطاقة يعبر عن المعدلات العالية في التنمية ويعبر كذلك عن الزيادة الملحوظة في عدد السكان، إلا أن جزءا كبيرا منه يرجع إلى البذخ، وغياب الرشد في الاستهلاك. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن محافظ هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج الدكتور عبد الله الشهري فجر قضية في وسائل الإعلام قال فيها إن دعم الدولة المستمر لقطاع الكهرباء في التوليد والنقل والتوزيع يستفيد منه الغني أكثر من الفقير، وإنه لا يصل إلى الفئات التي تود الدولة أن تدعمها. وأشار الشهري على هامش ورشة عمل مشروع دراسة تطوير سوق الكهرباء التنافسي في المملكة، التي عقدت في الرياض في الأيام القليلة الماضية إلى ما قامت به الهيئة من دراسات من أجل تحديد الجهات المحتاجة إلى الدعم، وفي مقدمتها الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي، وكذلك المتقاعدون من موظفي القطاع العام والخاص. وفي إطار محاولات محافظة هيئة تنظيم الكهرباء توجيه الإعانات الحكومية نحو الطبقات الفقيرة قال الدكتور الشهري بخصوص دعم فواتير المتقاعدين الذين تقل رواتبهم عن خمسة آلاف ريال ورفع أسعار الوقود بشكل عادل ما زال في طور المناقشة والإقرار من المقام السامي والجهات ذات العلاقة، بمعنى أن هناك تكليفا ساميا سبق أن صدر لتغيير بوصلة الدعم الحكومي، حيث يتجه إلى شرائح الفقراء أكثر مما يتجه إلى شرائح الأغنياء. وحذر الشهري من التحديات الكبيرة، التي يواجهها قطاع الكهرباء من خلال الزيادة الملحوظة في نمو استهلاك الكهرباء، الذي يفوق المعايير العالمية بمعدل سنوي يصل إلى 10 في المائة، لافتا إلى أن النمو يحتاج إلى استثمارات كبيرة وسريعة ولا يمكن أن ينتظر، ثم أطلق كلمات داوية قال فيها "لن يستطيع قطاع الكهرباء الركون إلى دعم الدولة إلى الأبد، وأكد بأن جميع الأمور المتعلقة بقطاع الكهرباء مترابطة، ولا بد من تصحيح الوضع الحالي، بإعادة النظر في سعر الوقود، لأن هذا من شأنه أن يولد دخلا إضافيا لخزانة الدولة، ونوه الشهري بضرورة إعداد خطة متكاملة تبدأ من دراسة الوضع الراهن، لافتا إلى أن وجود شركة واحدة تتحمل هذه الأعباء يُعسّر الوصول إلى حلول، ولا بد من وجود بيئة تنافسية في التوزيع وتقديم الخدمة، وفتح المجال، أما تأسيس شركات تقدم الخدمة الكهربائية لكل الطالبين. وفي السياق ذاته، أوضح الشهري أن الهدف الرئيس لهيكلة قطاع الكهرباء هو تحسين الخدمة ومقابلة الطلب بكفاءة. وما نود أن نضيفه هو أن المملكة أكبر مستهلك للنفط فى الشرق الأوسط، حيث تستهلك حاليا ما يقرب من 2.5 مليون برميل يوميا؛ أي ربع الإنتاج الحالي؛ وهي مرشحة لاستهلاك عشرة ملايين برميل يوميا فى عام 2030! ومن ناحيتها، فقد رفعت وزارة البترول والثروة المعدنية إلى المقام السامي دراسة مهمة جدا جاء فيها إن المملكة تشهد نموا بمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه؛ وبالتالى زيادة ملحوظة في الطلب على الموارد الهيدروكربونية الناضبة "النفط" التي تستخدم جزءا كبيرا منها في توليد الكهرباء والمياه، ولذلك فإنه من الضروري توفير الموارد الهيدروكربونية واستخدام مصادر بديلة رخيصة الثمن ولا تلحق أضرارا بالبيئة، ونقصد هنا التوسع في استخدام الطاقة الشمسية والطاقة الذرية في إنتاج الكهرباء والمياه، وفي ذلك تتحقق الميزتين الأولى ضمان توفير المياه والكهرباء بصورة دائمة وتوفير جزء كبير من الموارد الهيدروكربونية الموسومة بالنضوب. ويجب ألا يغرب عن البال أن زيادة الطلب على الطاقة البترولية بهذه المعدلات المخيفة ليس سببه المواطن العادي، وإنما تشترك في أسبابه أمور كثيرة منها أن المقيمين الذين يملكون السيارات تضاعف عددهم بشكل لم تعد الشوارع معه تتسع لمركباتهم، كما أن عدم توافر شبكة مواصلات داخلية للنقل الجماعي والتوجه إلى شراء الشاحنات الضخمة والمعدات الثقيلة زاد من استهلاك المواد البترولية بشكل مخيف. وإذا كانت هذه المشكلة عصية على الحل، فإن المشكلة الأصعب هي أن معدل الزيادة في عدد السكان يتنامى بمتواليات هندسية، ومع كل شاب مفتاح وسيارة، يضاف إلى ذلك أن القطاع الصناعي يتقدم بخطى واسعة بحيث يضع المملكة فى مقدمة الدول الصناعية الناشئة المستهلكة للبترول ومشتقاته. ونعود ونعقب على تصريحات الدكتور عبد الله الشهري ونقول إن الطلب على الطاقة البترولية لن ينخفض بزيادة أسعار الطاقة البترولية، وإنما سيزداد الطلب على الطاقة البترولية طالما أن معدلات الزيادة في عدد السكان تضرب في العالي، وطالما أن البترول هو الطاقة الوحيدة، وطالما أن الدولة تتجه إلى التصنيع بخطوات قوية، وطالما أن برامج ومشاريع التنمية تسير على قدم وساق. ونعود مرة أخرى، لنؤكد أن خفض استهلاك البترول ومشتقاته ممكن، ولكن ليس بزيادة أسعاره، وإنما بإيجاد بدائل للطاقة، ولدينا ثلاثة بدائل متاحة أولها الطاقة الشمسية، وثانيها الطاقة النووية للأغراض السلمية، ولقد اتخذنا خطوة تأسيسية وئيدة تحتاج إلى خطوات قوية، وثالثها تشجيع الاتجاه إلى شراء المركبات، التي تدار بالطاقة الكهربائية والعزوف عن شراء المركبات، التي تدار بالبنزين أو الديزل. إن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة في موقف لا يحسد عليه؛ ومطلوب منها بشكل ملح وعاجل أن تتقدم إلى الحكومة ثم إلى مجلس الشورى بما توصلت إليه من برامج ومشاريع تطمئن الأجيال القادمة وتؤكد أن الجيل الحالي لن يجور على البترول ويحرم الأجيال المقبلة من نعمه وخيراته.