اليوم - السعودية كثيرا ما تتناول صحافتنا سعودة المصانع حيث تنصب الحوارات حول قيمة التأشيرة توافقاً مع أهمية الوظيفة بمبررات احتياجات الاستثمار وحاجة المصانع لعقول أجنبية، ليس لمجرد كونهم خبرات صناعية بل لأنهم يوفرون على المصنع والصناعة، حيث إن المصانع ترتكز على عقليات نادرة في مجتمعنا وتمتلك خبرات متفردة يبلغ خبرة بعضهم أكثر من عمر غالبية كلياتنا العلمية في الجامعات السعودية. أظن أنهم يتحدثون عن وكالة ناسا لعلوم الفضاء أو بوينج للطائرات أو مصانع (I.B. M) للحاسبات أو شركة هاليبيرتون للبترول وليس عن مصانع في العالم الثالث تقوم بتعليب حليب الأبقار أو تغليف البطاطس المحمص أو تعبئة المياه الغازيِة، وإذا خطت خطوة الى الأمام قامت بمهمة التجميع في مصانع الأثاث لأرجل الكراسي وأدراج الطاولات وأبواب الدواليب، وإن كان المقصود المصانع الحقيقية مثل سابك في الجبيل وينبع والتحلية في الخبروجدة والكهرباء وأرامكو في الظهرانفالخبراء لديهم لا يتجاوزون بأي حال من الأحوال 10% من القوى العاملة التي يتشكل منها هيكلهم الوظيفي و90% الباقية بين فني ومهني وحرفي وإداري إلا إذا اعتبرت أن السباك والنجار والدهان والمزارع والحارس والسائق والمحاسب من الخبراء الذين يعز علينا إيجاد بدائلهم. في هذه الحالة نهنئ المملكة بوجود سبعة ملايين خبير وافد إلينا ليمنحنا عصارة جهده وخلاصة فكره فيحسدنا عليها الأعداء، فكيف بنا نرفضه ونطلب السعودة والإحلال إنه الإجحاف أليس كذلك؟ ولهذا تطلب منا استنساخ تلك الجماجم قبل ترحيلها، وعندما اضيفت 2400 ريال على رسوم العمالة اتضحت مصداقية النوايا فكان التذمر والشكوى والاحتجاج عارما. يا اخوان السعودة واجب وطني يتحتم على الجميع العمل الجاد لتحقيقه، نعم بخطوات متدرجة حسب الامكانيات الحقيقية المتاحة، ولكن بوتيرة المتواليات الهندسية وبحماس المخلصين والرغبة الأكيدة للإحلال. هناك الكثير من الوظائف يمكننا سعودتها فوراً وهي الإدارية والمالية والمبيعات والتسويق والخدمات المساندة مثل السائق والمعقب والعلاقات والاستقبال، وهناك وظائف مهنية وحرفية يمكن سعودتها في غضون ثلاث سنوات، أما الوظائف الفنية والتقنية فيفترض أنها تحتاج الى خمس أو ست سنوات أي بعد تدريبها. فدعونا نطبق هذه الافتراضات ونراجع التنفيذ بعد سنتين للتأكد من النتائج، وأنا على يقين أن المعطيات التي ستنتج مبهرة ومفاجئة لكل مشكك. فعلينا أن لا نطلق الأحكام جزافاً أو معتمدين على تطبيقات خاطئة فلدينا من تجارب السعودة في القطاعات ذات الكيان ما يثلج الصدر حيث أثبت الشباب السعودي أنه على قدر المسؤولية إذا أتيحت له الفرصة لاثبات الذات. والأمثلة واضحة في البنوك والكهرباء والتحلية وسابك وأرامكو ومعظم الكيانات الكبيرة التي هيأت لهم فرص النجاح. فهل نتخذ من هولاء عبرة نسير على ضوئها؟ أرجو ذلك.