الوطن - السعودية "في حال تم إبلاغ الخصم بلاغا صحيحا ولو واحدا ولم يعترض الخصم على عنوانه، فإنه يجب عليه إبلاغ المحكمة بأي تغيير في عنوانه، وإلا فإن أي إبلاغ له على ذلك العنوان عن طريق البريد وغيره يعد تبليغا صحيحا، وفي حال عدم حضوره، فإنه يحكم عليه حضوريا" ربما أهم نظام -بعد نظام القضاء- يمكن من خلاله تطوير القضاء، هو نظام المرافعات الشرعية، وهو يشكل عصب القضاء الذي من خلاله يسير العمل القضائي، وفي كثير من أجزائه يسري حتى على مرافعات ديوان المظالم أيضا وكثير من اللجان شبه القضائية. وبعد صدور النظام أخيرا، فإن أغلب المختصين يترقبون صدور اللائحة التنفيذية له، وقد تم نشر مسوّدة للائحة لأجل الدراسة وإبداء الرأي، بعد أن قام عليها مجموعة من أمْيز القضاة وأجودهم كفاءة. ولذلك رأيت أن من المشاركة في الشأن الوطني أن أسهم ولو بشيء متواضع، مع إقراري بأن القصور يتطرق حتى لملاحظاتي هذه، وهي مجرد وجهات نظر، وقد أكون مخطئا، ولم يمنعني هذا من المشاركة، كون الهدف الأول والأخير هو النفع العام بإذن الله. وليسمح لي الإخوة القراء كون المقال تخصصيّا نوعا ما. ونظرا لضيق المساحة؛ فسأركز على مواد التحضير والحضور للخصوم فقط، الأمر الذي قد يُؤدي إلى فقدان هيبة القضاء أو حفظها، حيث نجد الكثير من المتلاعبين في حقوق الناس يجيدون معرفة الثغرات في النظام وأخذوا يعملون عليها ليماطلوا أصحاب الحقوق، ونحن المحامين نعرف الكثير من هذه الحالات التي تؤدي كثيرا إلى هضم الحقوق وإضعاف العدالة. نصّ نظام المرافعات في مادته التاسعة على أنه في حال بدّل الخصم مكان إقامته "فيجب عليه إبلاغ المحكمة بذلك"، ولم تشرح مسوّدة اللائحة آلية لذلك، ولذا أقترح أن يضاف بأنه في حال تم إبلاغ الخصم بلاغا صحيحا ولو واحدا -ويقوم مقامه الحضور بالتأكيد-، ولم يعترض الخصم على عنوانه، فإنه يجب عليه إبلاغ المحكمة بأي تغيير في عنوانه، وإلا فإن أي إبلاغ له على ذلك العنوان عن طريق البريد وغيره فإنه يعد تبليغا صحيحا، وفي حال عدم حضوره، فإنه يحكم عليه حضوريا حسب أحكام هذا النظام، ولا معنى للتعبير بالوجوب في المادة إلا بإنتاج آثار لها كحضورية الحكم في حال تغيبه بعد ذلك. وهنا نقطة مهمة سبق وأن أشرت إليها في مقال "المرافعات.. قضاء بلا تحديث"، وهي ضرورة أن يكون هنالك نموذج يعبّئه كلا المتداعيين عند أول جلسة في المحكمة، وسيظهر مدى أهميته بعد قليل عندما رتبت اللائحة بعض الأشياء الجيدة (كإعمال البريد الإلكتروني)، ولكن لا يمكن تطبيقها غالبا إلا بمثل فكرة النموذج. ويعد هذا النموذج إقرارا رسميا تصادق عليه المحكمة، ويقر فيه المتداعون بمعلوماتهم الشخصية، ومنها العنوان الرسمي لكل منهم، وعنوان البريد الشخصي ومقر العمل وعنوانه وبريده، بالإضافة إلى البريد الإلكتروني ورقم الجوال الشخصي، ويكون من ضمن النموذج إقرار يلزم به المتداعون بأنه في حال أي تغيير لتلك المعلومات؛ فإنه يجب عليهم إبلاغ المحكمة، وأن أي إخطار على تلك العناوين يعد إبلاغا صحيحا له، وبالتالي يكون بإخطاره بالبريد على أيّ من تلك العناوين قد استلمه حكما ويُرتب عليه الحكم الحضوري. ولكن ماذا لو رفض أحد المتداعين تعبئة النموذج؟ وهذا الفعل متوقع من المماطلين! ولذا الواجب إغلاق هذه الثغرة أيضا لحفظ هيبة القضاء بأن من يرفض تزويد المحكمة بعنوان له يكون عنوانه الاستقبال الرسمي في المحكمة، حيث عليه سؤال المحكمة عن مواعيد الجلسات، بالإضافة إلى إمكانية سؤاله للمكتب القضائي وأي عنوان معروف له. في المادة 11 الفقرة الأولى؛ نصت على جواز التبليغ بواسطة صاحب الدعوى، والجواز هذا يعني صحة التبليغ، ولكن لم تشرح اللائحة أيضا كيفية هذا التبليغ، بالرغم من كثرة وقوع رفض الخصم تسلم التبليغ، ولذلك؛ كيف سيكون التبليغ صحيحا؟ وما هي آليته؟ فهل يكفي الشهود مثلا؟ يجب أن تفصل ذلك اللائحة بنظري، وأعتقد أنه يكفي شاهدان، ويوثق ذلك في التبليغ بأسماء الشهود ومعلوماتهم الشخصية، وفي حال حضورهم الجلسة وإثباتهم التبليغ يكفي في أن يكون الحكم حضوريا في حال لم يحضر الخصم نهائيا، ويعاد في حقهم عبارة أنهم يكونون "تحت طائلة العقوبة حال ظهور عدم صحة التبليغ" التي ذكرتها اللائحة في حق صاحب الدعوى. في الفقرة 11/2 من اللائحة؛ وضعت نقطة جيدة وهي تفعيل ما يسمى بالعنوان الوطني ورتبت صحة البلاغ من خلاله، ولكن ما هي الطريقة لمعرفة العنوان البريدي للخصوم؟ فغالبا لا يُعرف، وأتمنى لو تم التواصل مع البريد السعودي ووزارة الداخلية (مركز المعلومات الوطني) ووضع آلية لكيفية معرفة المحكمة للعناوين الخاصة بالخصوم في حال عدم معرفتهم، كما هو معمول به في الدول المتقدمة، حيث توجد آلية للحصول على عناوين كل شخص عليه دعوى بسهولة. وتجدر الإشارة هنا إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 06-03-2013 بتفعيل المواد الخاصة بالإقامة والعمل وفيه: "ويعد عنوان محل الإقامة العام أو الخاص الذي أعدته مؤسسة البريد السعودي، عنواناً معتمداً تترتب عليه جميع الآثار النظامية.."، ولكن للأسف أن هذا القرار لا يسري إلا بعد أربع سنوات من الآن تقريبا، ولكن يمكن التهيئة له ووضع آلية بديلة لحين سريانه بمثل ما أشارت إليه اللائحة أو ما أشرت له أيضا. والمشكلة أن العنوان الوطني لن يكتمل إلا بعد سنوات طويلة جدا، خاصة أن أغلب المعتادين على المماطلة والتلاعب يتجنبون أي شيء مشابه، ولذلك يجب أن تُغلق اللائحة كل الثغرات التي يمكن استغلالها. وعموما فإن اعتماد اللائحة للعنوان الوطني في م11/2 خطوة جيدة جدا، إلا أنها في 11/4 عادت وأضافت عبارة قد تلغي الأولى وهي "بعد صحة نسبته له"، وأعتقد أنه يجب أن يكون هذا الأمر غير وارد، خاصة أن العناوين لا يتم فتحها إلا من خلال السجل المدني والتأكد من الشخص وهكذا. للأسف أن المساحة ضيقة ومتأكد من أن اللجنة المختصة في غاية الأمانة والكفاءة، ولا يُلغي هذا المقال تلك الجهود الجبارة والسريعة التي قاموا بها مشكورين.