الوطن- السعودية "بعد صدور نظامي: التنفيذ والتحكيم؛ استبشر الكثير بجيل جديد من الأنظمة الحديثة والمصاغة بمهنية واحترافية عالية، إلا أننا -وللأسف- لا نرى ذلك المستوى في نظام المرافعات الشرعية الجديد" صدر نظام المرافعات الشرعية بعد طول انتظار وفرحنا بصدوره كثيرا، ولكنا تفاجأنا بأن النظام استند على النظام القديم بتعديلات محدودة جدا، واقتصرت في أغلبها على إضافة ما يتوافق مع نظام القضاء (1428) ويؤسس له فقط. نعم سيكون له أثر بتحديث جهاز القضاء بإذن الله، خاصة فيما يتعلق بالتأسيس للاستئناف والمحكمة العليا كجهة نقض، ولكن هناك نواحٍ إجرائية كثيرة هي في حقيقتها ثغرات ساهمت ولا زالت في إضعاف هيبة القضاء، خاصة أمام ضعاف النفوس، وكان الكثير من المختصين ينتظرون النظام ببارقة أمل لعلها تحل الكثير من الإشكالات. الحقيقة أنه بعد صدور نظامي التنفيذ والتحكيم؛ استبشر الكثير بجيل جديد من الأنظمة الحديثة والمُصاغة بمهنية واحترافية عالية، إلا أننا -وللأسف- لا نرى ذلك المستوى في نظام المرافعات الشرعية الجديد! وربما لكون التنفيذ تمت صياغته من خلال مكتب استشاري بإشراف وزارة المالية. في عام 1421، صدر نظام المرافعات السابق، ولكن -وبعد تطلعات ولاة الأمر إلى تطوير القضاء وتحديثه- كان من الواجب إعادة دراسة وصياغة النظام كله ليكون متفوقا وحديثا، وكنت أتمنى أن تقوم وزارة العدل بالاستعانة بجهات استشارية متخصصة ومحترفة في الصياغة التشريعية لأجل الوصول للهدف مهما كلفت، طالما أن البلد سيستفيد بالتأكيد، وإذا لم يكن لمشروع تطوير القضاء دور رئيس هنا فأين سيكون يا تُرى؟ قوانين المرافعات (وتسمى أحيانا أصول المحاكمات) بدأت منذ فترة مبكرة جدا، ففي بريطانيا سُنّ أول قانون يؤسس للمرافعات في عام 1362م (The Pleading in English ct) أي قبل أكثر من 650 عاما، وهو الذي أسس للقانون الإنجليزي بترك اللغة اللاتينية في المحاكم الإنجليزية بعد أن كانت محكومة بها من خلال القوانين الكنسية آنذاك، ثم تلاه قانون آخر في 1730م (Proceedings in Courts of Justice Act)، والشاهد أن قوانين المرافعات قديمة وقد تطورت كثيرا في الدول المتقدمة وما أسهل الاستفادة من أحدث ما لدى الآخرين. سآخذ بعض فقرات النظام الجديد لتكون أمثلة على ما سبق وأكتفي بها، وقد أقارنها بقوانين أخرى. فالنظام في بدايته تحدث عن طرق إبلاغ الخصوم من خلال المحضر في المحكمة، والإشكال أن كثيرا من المماطلين يتهربون من الإبلاغ الرسمي لمعرفتهم بهذه الثغرة النظامية لدينا، بل وكثير منهم لا يُعرف له عنوان، إلا أن النظام وللأسف لم يعالج هذه المشكلة بشكل حديث. ففي المادة 17 فقرة (ط)؛ نص على أن إبلاغ "من ليس له مكان معروف أو مكان إقامة مختار في المملكة إلى وزارة الداخلية بالطرق الإدارية المتبعة لإعلانه بالطريقة المناسبة"، وهي نفس عبارة النظام القديم بلا أي تغيير، وكَمُهْتم متخصص أعتبر هذا تخلياً عن البحث عن الحلول القانونية، ورميها على جهة أخرى، بالرغم من أن الحلول حتى موجودة في قوانين غير متطورة! ننظر مثلا في قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني والذي صدر في عام 1988م، حيث وضع حلا لهذه المشكلة، خاصة أن خدمات البريد والعناوين المنزلية لا يستخدمها أغلب الناس في المملكة هنا، فنصت المادة 12 (1) "إذا وجدت المحكمة أنه يتعذر إجراء التبليغ وفق الأصول المنصوص عليها في هذا القانون جاز لها أن تقرر إجراء التبليغ بنشر إعلان في صحيفتين محليتين يوميتين..". كما نصت المادة 9 من نفس القانون على أنه في حال لم يجد المحضر من يستلم ورقة التبليغ؛ فإنه يُلصق الورقة في مكان ظاهر، وبهذا "يعتبر إلصاق الأوراق على هذا الوجه تبليغاً قانونياً"، فلا يكون الحكم غيابيا في حال حكم القاضي. وبهذه الطريقة يعرف المتلاعبون أنهم بامتناعهم عن حضور المحكمة قد يخسرون أكثر ويشعرون بهيبة القضاء والمحكمة، بالرغم من أن هناك طرقا وأساليب أخرى أكثر حداثة في القوانين الأخرى. كثيرا ما يحضر بعض المماطلين جلسة ويتخلف عن البقية، وللأسف أن المحكمة لا تُلزم الخصوم بتقديم بيانات عن معلوماتهم الشخصية كالعنوان، كون النظام لم يذكرها ولم يرتب عليها التزامات، فنجد مثلا أن بعض اللجان شبه القضائية في المملكة أكثر تطورا في هذا المجال، بالرغم من فارق الإمكانيات! فالإبلاغ لدى بعضها يكون قانونيا بإرسال الحكم أو مواعيد الجلسات حتى لو أرسلت بالإيميل الذي سبق وأن زود المترافعُ به اللجنةَ! (اكتفى النظام بجواز الحكم عليه ويكون حكما حضوريا في المادة 57 فقرة 2). ماذا عن إبلاغ النساء؟ لم يتحدث النظام إطلاقا عن هذا الأمر المهم! وكم من الحقوق الضائعة التي لا يستطيع أصحابها الوصول لخصومهم كونهم من النساء! بل إن كثيرا من المماطلين والنصابين يضعون أموالهم وبعض تعاملاتهم بأسماء النساء لمعرفتهم بهذه الثغرة القانونية! وكان بالإمكان النص على آلية تحسم الخلاف فيها. ماذا عن إبلاغ القاصر؟ لم يتحدث النظام عن إبلاغ القصّر أيضا! وقد يُقال إنهم يدخلون في المحجور عليه (لحظ أنفسهم) في عموم المادة 17 (ز)، إلا أن هذا التعبير غير مناسب ولا أعتقد أنهم مقصودون في هذه العبارة. الملاحظات كثيرة، ورغبتي والله لم تكن لمجرد النقد، وإنما رغبة في النقد البنّاء الهادف، وأرجو أن تتدارك وزارة العدل مثل هذه الملاحظات من خلال كتابة لائحة النظام بشكل مهني احترافي، تستعين فيه ببيوت خبرة متخصصة.