مكة أون لاين - السعودية "التمييز بين الرجل والمرأة قاد إلى حرمان الفتيات من أبسط الممارسات، فقط لأنهن »بنات« وليس لأي سبب آخر" بالتأكيد ليست المساواة بين الرجل والمرأة هي تبادل الأدوار البيولوجية ولا حتى وظائف الحياة فهذه أشياء تحدث بتوافق الناس واختلاف تمايزاتهم. تعني المساواة أن تكون المرأة فردا كامل الأهلية في المجتمع، مثلها مثل الرجل، أمام القانون وأمام الأخلاق. وهذا يعني ألا يكون للرجل أي ميزة قانونية تسمح له باستغلال المرأة «لأنها امرأة فقط»، أو أن تكون حياتها متوقفة على وجود وصي ذكر. كما تعني أن تكون مسؤوليتهما الأخلاقية متساوية، بحيث لا تكون المنظومة الأخلاقية تسمح للرجل بشيء تمنع منه المرأة فقط لأنها مرأة، أو تكون المسؤوليات المترتبة على خيارات المرأة أكثر «إقصاء اجتماعيا» أو أقل منها تجاه خيارات الرجل. نعرف ما الذي قاد إليه هذا التمييز القانوني: تعنيف داخل بيت الزوجية، عضل، ابتزاز بالأطفال، ما يسمى «تعليق» حين ترغب المرأة بالانفصال فيبتزها الزوج بفضل الميزة القانونية التي له، وحرمان كثيرات من الابتعاث بسبب عدم وجود محرم (وصي ذكر يرافقها)، وعدم قدرة المرأة على أن تقود سيارتها إلى العمل رغم أننا نفاخر أمام الإعلام الخارجي بأن المرأة في مجتمعنا وصلت إلى أرقى المناصب. وفيما يتعلق بالأخلاق (لاحظ أن الأمثلة أعلاه ذات جذور أخلاقية، فالمجتمع لا يستنكر مثل تلك السلوكيات من قبل الرجل وقد يجد لها المبرر) فإن هذا التمييز قاد إلى حرمان الفتيات من أبسط الممارسات فقط لأنهن «بنات» وليس لأي سبب آخر، وما يخلقه ذلك من شعور بالظلم داخل المجتمع وكل ما يترتب عليه من تفاعلات نفسية قد تؤدي أحيانا إلى الشعور بالرغبة في الانتقام. واستوقفتني تغريدة عميقة وساخرة ومؤلمة في نفس الوقت تقول «في مجتمعنا تحتاج المرأة إلى محرم في كل شيء سوى في الانحراف، فهي تفعله دون الحاجة إلى محرم». من المسؤول عن هذا الوضع وكيف يمكن أن يبرره؟ ثمة تمييز فاضح ضد المرأة في مجتمعنا. هذا أمر لا يمكن أن تغطيه المواعظ والأغاني والكليشيهات ولا تعيين بضع نساء، وصل بعضهن بتلميع إعلامي كاذب. ولكن إذا ما حاولنا أن ننظر إلى جذور التمييز القائمة في مجتمعنا، ماذا نلاحظ؟ هناك جانبان أساسيان يمكن أن نُرجع لهما الوضع القائم: أولا، التنشئة الاجتماعية. ما نلاحظه هو أنه يغلب طابع التمييز في التربية داخل الأسر بين الأولاد والبنات. ليس بسبب فوارق في الذكاء أو القدرة على تحمل المسؤولية ولكن فقط لأن البنت «بنت». والغريب أن التضييق الشديد على الفتيات يقابله تساهل مبالغ فيه لم أر مثيلا له في أي مجتمع آخر مع الأولاد. والواقع أن هذا لا يؤدي فقط إلى معاناة الفتيات في محاولة تحقيق ذواتهن داخل المجتمع، ولكنه قاد أيضا إلى ما نلاحظه من سلوك لا مسؤول من قبل الشباب الأولاد. لست في معرض إيراد قائمة بكل التمايزات في التنشئة الاجتماعية بين الأولاد والبنات، فالقارئ يستطيع أن يستعرض ملاحظاته الخاصة، لكن السؤال هو: هل يوجد مبرر لمثل هذا التمييز؟ ما هي هذه المبررات؟ وهل هي مبررات ذات معنى؟ الجانب الثاني هيكلي، أي متعلق بالبنية الإدارية (القانونية) في المجتمع. في المدرسة تتلقى الفتيات تعليما «مختلفا» يهيئهن -ضمنيا- لأدوار محددة في الحياة. أدوار تعتمد فقط على عناصر بيولوجية وليس لأي أسباب أخرى. في القانون، المرأة ليست فردا كامل الأهلية، فهي دائما بحاجة إلى وصي ذكر حتى لو كان - يا للعجب - ابنها أو أخاها الأصغر! وهي لا تستطيع قيادة سيارتها لأنها تحتاج إلى وصي ذكر يقود سيارتها ويقلها إلى التزاماتها، ولكن هذه المرة فالوصي قادم من ما وراء البحار. وفي هذا الجانب أيضا يستطيع القارئ الكريم أن يستعرض ملاحظاته الخاصة ويسأل نفسه: ما المبرر لذلك؟ تعني المساواة أن تكون المرأة فردا كامل الأهلية أمام القانون والأخلاق وأن تكون مسؤولة وحدها عن خياراتها في الحياة بما يحميها من تسلط الرجل عليها واستغلالها، حتى لو كانت أكثر منه تأهيلا وقدرات فكرية، فقط لأنه رجل وهي امرأة. وتعني -ضمن ما تعني- أن تكون لها حرية اختيار مجال تعليمها ومجال عملها وحرية اختيار شريك الحياة بالتساوي مع الرجل، وتكون مسؤولة وحدها عن خياراتها. نعيش في مجتمع لا تتحقق فيه كل منظومة الأخلاق (أو: ما هي منظومة الأخلاق في المجتمع) لذلك يعتقد البعض أن المساواة تعني انحطاط المرأة، لكنها في النهاية تعني الارتقاء بالرجل والمرأة معا. [email protected]