مكة أون لاين - السعودية ها هنا تكبرني بشيءٍ قليل، هي مِن أجملنا صورةً، وأكرمنا خُلُقاً، وأكثرنا للآخرين نفعاً؛ ذلك أنّ معروفها قد طَاول كلّ أحدٍ في: (أسرنا). ولقد جمعت بين أشياء متميّزةٍ ما لو فرّقت بين مجموعةٍ من «الناس» رجالاً ونساءً لكفتهم.. هي الأخفُ روحاً.. والأمتنُ عقلاً.. والأكثرُ صبراً على الابتلاء، وما من مكانٍ تغشاه إلا وامتلأ أُنساً وازدان بهجةً.. هذه بعضٌ مما تتمتع به أختي: «حصة»! قُدّر لها أن تولد ببشرةٍ: «بيضاء»، غير أنه أخفُّ بياضاً من حيثُ الدّرجة، بالنسبة لما هي عليه (العائلة) من «بياضٍ»، ما رشّحَ: «حصة» بالتالي إلى أن تكتسب الوصفَ ب«العبدة» فيما بيننا. وفي حال اختصمنا -لما أن كُنّا صغاراً- لم نكن ننعتُها إذ ذاك إلا ب«العبدة» تعييراً! ومما يُضحك ذكره هاهنا: أنّها صبيحة يوم زواجها كشفت عن ذلك السّر إذ روت ما يلي: (لم أفق ضُحى ذلك اليوم إلا على صراخِ الصبية قريباً من غرفتنا وهم يرددون: "العبدة"! "العبدة"! نهضتُ فزعةً ويدي على قلبي الذي سقطَ حينها واستقر ببطني.. لم تقو قدماي على حملي.. زحفتُ على ركبتي اعتمدت بيديّ على التسريحة، انتصبت واقفةً قبالة المرآة، تسمّرتُ أحدّق بي للتأكد من لون بشرتي.. اطمأننتُ.. وارتسمتْ على شفتي ابتسامةُ الانتصار على الصبية.. ثم سألت نفسي: ولكن هؤلاء العفاريت كيف عرفوا أولاً «العبدة» ولم يعرفوا بأن لي اسماً هو: «حصة» خوش صباحية زواج! أسررتُها في نفسي ولم أخبر بها زوجي.. وما هو إلا أسبوعٌ حتى علمتُ أن لديهم بنتاً صغيرةً شقيقة لزوجي أقل منهم بياضاً هي الأخرى قد حظيت في بيتهم بلقب «العبدة» ومن حينها عرفت أن في كلّ بيتٍ عبدة صغيرة كانت أم كبيرة) من هنا يمكن القول: إنّ «مريم هوساوي» لم تكن قد أفلحت حينما قاضتْ مَن نعتتَها ب«العبدة»، ذلك أنّ الأولى ب«مريم» أن تُقاضي المجتمعَ كلّه؛ إذ أَلِفَ الإزراء بالآخرين متوسلاً بذلك «اللون» تمييزا للحط قدراً من قيمةِ مَن كانَ لونه كذلك! وتلك دعوى «جاهلية» قد قارفها قبلاً: «أبو ذر الغفاري» حين عيّر «بلالاً» بأمه قائلاً أثناء ملاحاتهم: «يا ابن السوداء»! وما من أحدٍ يتفوّه بمثل هذه المقالةِ، إلا وفيه نصيبٌ كبيرٌ من «بقايا جاهليةٍ» مقيتةٍ، وذلك ما حفظناه جميعاً؛ من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية)! ولأنّ: «أبا ذرٍ» كان يعي جيدا أنّ مثل هذه الجاهلية، لا يمكن لها أن تزول إلا بعملٍ كبيرٍ، يُضاهي جُرم القولِ وإثمَهُ؛ فما كان منه إلا أن وضع خده الأيسر على التراب أرضا، وأقسم على «بلالٍ» إلا أن يطأ على خده الأيمن بقدمه الشريفةِ. لعلّ الجاهلية العالقة بأبي ذر أن تزول! أنا متفائل بأنّ ثمة قراراً سيصدر قريباً يُجرّم -ويعاقب- على التنابز بالألقاب (العنصريّة) وما شابهها.