أبغض ما قد أسمعه أو أراه هو احتقار إنسان لإنسان على أساس أصله أو اسمه أو لونه أو فقره، فالناس يعلمون أنهم أولاد تسعة، لكنهم يخرجون من بطون أمهاتهم وبيوت أهاليهم مشبعين بالنظرة الدونية لهذا أو ذاك من الناس. ولدينا هنا في المملكة ما يمكن أن تُحدِّث عنه ولاحرج من أشكال التصغير والتحقير للناس. ولطالما سمعنا من يتهكم على اسم شخص أو اسم أسرته، التي لا تمت إلى هذه القبيلة أو تلك بصلة. وكل يوم تقريبا نسمع ألفاظا أستحي من ذكرها هنا، كما أستحي من عرضها على ما ورثناه من مكارم أخلاقنا. إليكم هذه الرواية من عصر النبوه: «اجتمع بعض الصحابة في مجلس.. لم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام. وكان أبو ذر فيه حدة وحرارة .. فتكلم الناس في موضوع ما .. فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح: أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا.. قال بلال: لا.. هذا الاقتراح خطأ. فقال أبو ذر: حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني. فقام بلال مندهشا غضبان أسفا .. وقال: والله لأرفعنك لرسول الله.واندفع ماضيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وصل للرسول عليه الصلاة والسلام ..وقال: يارسول الله .. أما سمعت أبا ذر ماذا يقول فيّ ؟ قال عليه الصلاة والسلام: ماذا يقول فيك ؟؟ قال بلال: يقول كذا وكذا .. فتغيّر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم .. وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر .. فاندفع مسرعا إلى المسجد ... فقال: يا رسول الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..وهنا يقول أبو ذر والله ما علمت أردَّ عليَّ السلام أم لا من هول الموقف وشدة غضب الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال عليه الصلاة والسلام: يا أبا ذر أعيّرته بأمه .. إنك امرؤ فيك جاهلية.،، فبكى أبو ذر .. وأتى الرسول عليه السلام وجلس.. وقال يارسول الله استغفر لي .. سل الله لي المغفرة .. ثم خرج باكيا من المسجد ... وأقبل بلال ماشيا.. فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب .. وقال: والله يا بلال لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك .. أنت الكريم وأنا المهان. فأخذ بلال يبكي .. واقترب وقبّل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا.»