اليوم -السعودية في فقه اللغة، تعني الثقافة: التقويم، أي اعتدال الشيء، وثقفت الرمح أي قوّمته وعدّلته، وهي تهذيب عام وكامل للحس والوعي والفكر، ولذلك قادت العمليات الثقافية على مر العصور إلى إنتاج حضارات المجتمعات، بحسب تمدنها وثقافتها، وتباينت في ذلك، وفقا لجرعتها الثقافية، ومتى تآكلت وانهارت القيمة الثقافية؛ تهدمت الحضارات والمجتمعات، ولذلك ظل المثقفون والمفكرون والمبدعون، انعكاسا لقيمة المجتمعات وأهميتها الحضارية والإنسانية لفكرة افتراضية أصيلة في السياق الاجتماعي، وهي أنهم قادة الرأي وصنّاع الرأي العام، ولا يمكنهم بالتالي الخروج عن المظلة الاجتماعية، والانفصام عن الجمهور. في تقديري، أنه مهما وصل الخلاف بين المثقفين، فلا يمكن أن يرتد إلى زاوية ضيقة، يحشر فيها أحدهما الآخر، ذلك ينطوي على ابتذال وإسفاف بفكر كلّي، وارتداد بالمجتمع إلى مسارات تفكيكية، ولا يمكن أن يكون ذلك دورا طليعيا لمثقف، يفترض أن يقود إلى أفق أكبر من الوعي. وتلك العلاقة الجوهرية بين المثقف والجمهور أيضا متباينة ومتفاوتة، فبعضهم ذو جماهيرية عالية، في مقابل أخرى محدودة أو منعدمة لدى الآخرين، وهي علاقة نتيجة تواصل وتفاعل عبر وسائل متعددة، وفي عصرنا الراهن، تبرز مواقع التواصل الاجتماعي كأفضل الوسائل التي تربط الجميع، وتبقيهم في حالة تفاعلية مستمرة تكشف الوعي والفكر والقدرات الإبداعية، ومن بينها يبرز موقع «تويتر» الذي جعل صورة بعض المثقفين أكثر وضوحا، فعملية الاحتكاك بالجمهور عبر هذا الموقع، تضع كل شيء فكري أو ثقافي أو إنساني، تحت المجهر، أي أن الموقع قد يمارس فضائحية على حالين، سلبية أو إيجابية، وذلك مما يصب في مصلحة المثقف أو ضده. هناك مثقفون كشف «تويتر» جزيئاتهم ودقائقهم، طالما نتحدث عن التفاعل، فإننا نستعين قليلا بمفاهيم كيميائية حتى تتضح الصورة، وذلك أخرجهم من أبراجهم ودنياهم الذاتية، فكان أن اتضحت صورهم المشوهة والصادمة لقرائهم ومتابعيهم، وفي الواقع لم يعد الوسط الثقافي على مستوى العالم في المستوى المأمول كسابق عهده، وهذه حقيقة تحدث بها كثيرون وربما يتطابق حال هذا الوسط مع رؤية الكاتب الألماني هنري برودر في تشريحه لمفهوم الثقافة، حين يقول: «إن الثقافة تتيح للآخر أن يهشّم رأسك، بينما الحضارة تطالب بمعاقبته»، وهذا بتقديري أسوأ وصف للثقافة في الوقت الحاضر. ما دفعني لهذه المقدمة، استعادة لفكرة مقال سابق عن «حروب تويتر»، التي يبدو أنها تخترق كثيرا من الأوساط، وفي المقام الثقافي، تستعر للأسف حرب بين المثقفين، أوجدت لديّ حسا بالاستياء، يحشد فيها الفرقاء متابعيهم و»مريديهم»، دون أن يعتبروا أنهم بهذا السلوك يسيؤون للثقافة، ومن المؤكد أن الوسط الثقافي ليس ملائكيا، فهو جزء من المجتمع الإنساني، الذي يحتمل الخير والشر، والصالح والفاسد، ولكن لكون المثقف جزءا من ترس التغيير في المجتمع فنظرة الجمهور له مختلفة، وفي مقام أرقى من أن تنهشه مظاهر تخريب وشغب لا يليق بهم. منذ أيام، اشتعلت في ساحة تويتر، حرب بين الكاتبين عبدالله فراج الشريف، وأحمد العرفج، وكلاهما يكتب في ذات المطبوعة، وتلك الحرب التي شنها الزميل الشريف، كانت من السوء بحيث إنها لم تكن هجوما علنيا وحسب، ولكن في أن يتعدى بالإشارة للزميل العرفج بما نصه «لم يكن العرفج حجازيا يوما، ولم يعد نجديا نبيلا، فآل أمره إلى أن يكون أشهر الناس غدرا بأصدقائه وأحبابه الذين ينفضون عنه كل يوم»، وفي تقديري، أنه مهما وصل الخلاف بين المثقفين، فلا يمكن أن يرتد إلى زاوية ضيقة، يحشر فيها أحدهما الآخر، ذلك ينطوي على ابتذال وإسفاف بفكر كلّي، وارتداد بالمجتمع إلى مسارات تفكيكية، ولا يمكن أن يكون ذلك دورا طليعيا لمثقف، يفترض أن يقود إلى أفق أكبر من الوعي، وليس قيادة الاتباع إلى هاوية الشقاق والاستعصام الرديء بتصنيفات اجتماعية، ينبغي تذويبها وليس التصلّب فيها واستعادتها للتشاحن، ذلك أسوأ أدوار المثقف، الذي لن يبقى بعدها مثقفا؛ لأنه حينها يمارس رذيلة الانحطاط الفكري. sukinameshekhis@ تويتر