يترقب العالم رد فعل الدول العظمى على قصف النظام السوري لأحد أحياء العاصمة السورية بقذائف معبأة بغازات كيماوية قاتلة قبل أسبوع تقريباً أودت بحياة المئات. هذه الدول وبالتحديد الغربية منها، وهي التي تؤلف «حلف الأطلسي»، وأقصد تحديداً الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، أصبحت على رغم تاريخ بعضها الاستعماري شرطي العالم الوحيد، وهي الدول المكملة لأعضاء مجلس الأمن الدائمين إلى جانب أميركا وفرنسا وبريطانيا، لا الصين ولا روسيا قادرتان على الوقوف ضد ممارسات بعض الدول الخارجة عن القانون كسورية في أيامنا هذه. في البوسنة وكوسوفو على سبيل المثال، لم تحرك جرائم ميلوسيفيتش لدى هاتين الدولتين أي ساكن، بل إن روسيا والصين غالباً ما تقفان ضد مثل هذا العقاب في مجلس الأمن إياه، وهذا يحيرني شخصياً، إذ كيف يمكن لأية دولة عظمى، لديها ولو الندر القليل من المسؤولية، أن تضع حساباتها السياسية المتشعبة عائقاً أمام محاسبة من يقدم على مثل هذه الجرائم. على أن الغرب هذه المرة وخلافاً لتصميمه الذي نتذكره في أعقاب البلقان ظهر اليوم متردداً كثيراً. فهل أصاب الغرب ما أصاب الشرق الذي يضع الالتزامات الأخلاقية لديه في ذيل القائمة؟ ربما صحيح، ولهذا فهناك أسباب متعددة ومعقدة. فالولاياتالمتحدة على سبيل المثال، لم تنس بعد كوارث جورج بوش في العراق قبل 10 أعوام، وهي التي أصابت العالم بالذهول. فعلى رغم التخلص من صدام حسين، فإن ذلك الغزو الغبي حوّل العراق في ما بعد إلى ولاية إيرانية وحتماً غير صديقة. مادياً كلفت تلك الحرب البلايين من الدولارات، وتسببت في ارتفاع العجز الأميركي إلى أرقام فلكية. الأهم من كل هذا أن العراق تحوّل إلى بؤرة للإرهاب الذي تقوده المنظمات الجهادية. هنا، في لوس أنجليس الأميركية، أسمع اليوم الكثير من الجدل والحوارات بين خبراء السياسة وخبراء الحروب، وهم ضيوف في العديد من الوسائل الإعلامية دائماً، والكثير منهم يردد الحديث، لا عن ضرورة الضربة بل عن كيفية تنفيذها. السيناتور الجمهوري جون مكين على سبيل المثال، يصر قبل قليل على ضرورة تأديب بشار الأسد من خلال قصف محدد، لمصالح النظام من مخازن للأسلحة، ومراكز محددة للسيطرة وتحكم ومطارات ومقرات حكومية أخرى، ولا يرى مكين أن هناك ضرورة للاستئذان من مجلس الأمن. في المقابل، يتساءل الكثيرون عن سيناريو تدخل أميركي كهذا، أسئلة على غرار متى تنتهي الحملة؟ ما تأثيرها؟ ما تكلفتها المادية؟ وهكذا. في استطلاع نشرته (سي إن إن) هناك 27 في المئة من الشعب الأميركي هم فقط المؤيدون لتدخل عسكري أميركي في سورية. انظر ماذا فعلت يا جورج بوش الابن قبل 10 أعوام، ولو كنت مكانك فسأشعر بالمسؤولية العظمى على هذا التردد أمام هذه الحال الإنسانية والأخلاقية. أكتب هذه المقالة قبل يومين تقريباً من نشرها، وقد يحدث قصف تأديبي لسورية في يوم النشر نفسه (اليوم الأحد)، هذا جائز جداً، لكنه في جميع الأحوال سيكون محدوداً جداً، وقد لا يطول أمده. إضافة إلى هذا الحذر فالحال السورية غاية في التعقيد، سورية هي الجارة الكبرى لإسرائيل، ونظام الأسد هو حامي حمى جبهة الجولان على مر العقود. كيف يمكن الاستغناء عنه في نظر الدولة العبرية؟ المقاومة القائمة اليوم في سورية ضد نظام بشار أصبحت ملونة ومعقدة هي الأخرى. صحيح أن ما يعرف بالجيش الحر هو الذي قاد الثورة هناك قبل عامين، إلا أن دخول جماعة النصرة في صفوف المقاومين لم يكن مناسباً على الأقل من الناحية السياسية. هذه الجماعة تنتمي إلى فكر القاعدة الذي تحاربه كل دول العالم، ولهذا فقد يكون قصف مراكز ومصالح النظام السوري مفيداً لهذه الجماعة التي لا تخفي كرهها للغرب. في المقابل، دخل حزب الله في المعمعة، ووقف في صف الجيش السوري التابع للنظام، ليس فقط بالدعم اللوجستي بل بالبشر، ويتردد أن هناك ما يقرب من 10 آلاف مقاتل مدرب من حزب الله في سورية، يقفون جنباً إلى جنب مع جيش النظام. الذي لا خلاف حوله هو أن نظام بشار اليوم يتنفس تحت الماء، وهو هالك وذاهب إلى مزبلة التاريخ. كيف لنظام يقتل شعبه بالأسلحة الكيماوية أن يبقى ويستمر حاكماً؟ أتفق مع محلل بارع ومتزن ظهر قبل قليل في إحدى المحطات الإخبارية هنا، عندما قال محاولاً طمأنة الشعب الأميركي، إن الشعب السوري سينتصر في النهاية، ليس فقط على نظام الأسد بل حتى على قوى التطرف والإرهاب التي تظن أنها ستجد لها موطئ قدم في سورية. نعم سيقوم الغرب بضرب سورية، ليس لإسقاط النظام كما فعل مع ميلوسوفيتش، ولكن فقط لحفظ ماء الوجه، والتشدق بتطبيق النظام الدولي الذي يحرم استخدام الأسلحة الفتاكة كالغازات. ذلك أن ثمن السكوت عن هذه الجرائم سيكون أكبر مستقبل. من أهم الأوراق التي ستسقط مع تداعيات سقوط نظام الأسد، هي «الجمهورية الإسلامية» في إيران التي ستتجرع طعم الهزيمة المر. خطط إيران ستفشل مع سقوط النظام، وكذا «حزب الله» الذي يراه البعض الخاسر الأكبر، وهو الذي ألهب مشاعر العرب قبل 15 عاماً فقط، عندما أوهمنا جميعاً بأنه هزم إسرائيل، وطردها من جنوب لبنان. ستسقط هذه الكيانات، لأنها تحولت بعد عقود من الزمن المحشو بالكذب والزيف إلى حقيقتها، وهي أنها ليست أكثر من مجموعة من الجلادين القتلة. رحم الله ضحايا سورية نساءً ورجالاً وشباناً وشيوخاً ذكوراً وإناثاً، وبدل حالهم، هم في النهاية أبطال هذه الجرائم على سوأتها وقبحها.