من أكثر الأمور إدهاشاً لي هو وجود أشخاص على اختلاف مشاربهم وتخصاصاتهم لا يزالون متمسكين بدعم نظام بشار الأسد وبطريقة فدائية أحياناً قد تنطلي على كل غر بهذا النظام بأنهم أصحاب حق. ولا أجد نعتاً آخر لتلك النوعيات سوى ما قلته في مقال سابق بأنها باعت روحها للشيطان عندما دعمت رئيساً قاتلاً مستبداً ظاهر الفساد والإجرام كبشار. فهو لا يهتم لشيء سوى استمراره في الحكم، ولو بلغ به الأمر أن يُشيد قصره من جماجم شعبه. الذين يبدون في حملته الشرسة عليهم وكأنهم ينازعونه على ملك خاص له ولآبائه. وبعد كل هذه الدواهي من القتل والتدمير والتشريد والمأساة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من سنتين، يأتي بكل صفاقة هو وزبانيته ليزيفوا الحقائق أمام العالم وبكل امتهان واحتقار لدم الشعب السوري. من بين كل الثورات العربية التي حصلت، ليس هناك شيء أغرب بالنسبة لي من استمرار الأسد وعدم سقوطه حتى الآن. فهو في الحكم أسوأ من كل الحكام الساقطين مؤخراً.. من «بن علي» في تونس ومن نظام «مبارك» في مصر وكذلك «علي عبدالله صالح» في اليمن. بل إن نظام الأسد أسوأ وأفسد من نظام «معمر القذافي» في ليبيا. وقد لا أبالغ إن قلت إنه حتى أسوأ من نظام «صدام حسين» السابق في العراق. وفي الوقت الذي لفظت الشعوب الثورية حكامها الفاسدين، باستثناء «صدام حسين» الذي أُسقط بغزو أمريكي، فإن نظام الأسد بقي صامداً فترة طويلة حتى الآن وبتكلفة عالية على الثوار ودول المنطقة. وقد يكون مما ساعد نظام الأسد في الحكم والاستمرار حتى الآن، هو طريقة الحكم العنيفة والدموية لحزب البعث تجاه أي حراك سياسي حتى لو كان بسيطاً. وعلى إثره عَافَ الناس السياسة وانصرفوا عنها؛ عندما وجدوا أن مجرد الحديث فيها قد يهدد حياتهم وحياة عائلاتهم. واستطاع نظام الأسد أن يقطع دابر الانقلابات العسكرية التي عرفت بها البلاد، وجعل الطبقة المتحكمة بحق في الجيش والسياسة ودوائر صنع القرار والتأثير زمرة علوية ضيقة لا تدين بالولاء فقط للنظام، بل ربطت مصيرها بمصيره. ومما أخّر أيضاً في فرج سقوط نظام الأسد أيضاً، هو الإبطاء الشديد في تحديث سوريا وإبقاؤها تراوح مكانها تقنياً مما كان له أثر سلبي كبير في عدم رفع الوعي السياسي لدى الشعب السوري. ولا يخفى على الجميع دور حلفاء سوريا المقربين وعلى رأسها إيرانوروسيا وحزب الله في محافظة النظام على الرمق الدائم للحياة. مع الأسف، كنت أعرف كارهاً بأن الدول صاحبة القرارات المؤثرة في الحرب والسلام في المجتمع الدولي لن تتدخل في سوريا ببساطة وبسرعة من أجل نصرة شعب مظلوم يُباد بشكل تدريجي على يد رئيسه. رغم ذلك لم يكن هناك من خيار أمام الشعب السوري الحر سوى تقديم عدد أكبر من الضحايا؛ حتى تتحرك الدول العظمى. وها نحن نترقب ضربة ل«الناتو» على سوريا بعد أن أصبح من العسير اتخاذه بقرار دولي عن طريق «مجلس الأمن» في وجود روسيا والصين. يسقط في سوريا من الشهداء يومياً ما يقارب المائة أو يزيدون دون أي تحرك دولي لإيقاف هذه المجزرة اليومية، ولكن كانت نقطة التحول الكبيرة هي عندما أقدم النظام السوري على قتل المدنيين بالغازات الكيماوية الأسبوع الماضي في ضواحي العاصمة دمشق. وهي من أسوأ أنواع الجرائم الدولية وأسوئها ضد البشرية. ورغم أن النظام كان متهماً أكثر من مرة بإقدامه على استخدام الكيماوي إلا أن وضوح الصورة هذه المرة وانتشارها في كل دول العالم مَثلَ ضغطاً أكبر على الدول الكبرى لاتخاذ خطوة عسكرية ما تجاه نظام الأسد. هذه هي الغلطة التي كان ينتظرها الغرب من الأسد. وإن كان بشار ليس ساذجاً أن يؤلب عليه الدول والرأي العالمي أكثر إلا أن استخدامه للسلاح كان تعبيراً عن ترنحه وفقدانه السيطرة على مناطق أكثر حتى داخل العاصمة. الجيش السوري الحر رغم إمكاناته البسيطة، استطاع تحقيق انتصارات كبيرة على جيش الأسد ومعاونيه من إيران وحزب الله. لكن يبدو أن هناك تخوفاً من أن تتحول سوريا بسبب الحرب الدائرة فيها إلى مستنقعٍ لجذب التكفيريين الإرهابيين. وربما هذا هو السبب الذي أدى إلى تحير القوى الغربية في دعم الثوار. لكن المشكلة قد تبرز أيضاً لو تركت هذه القوى تلك الجماعات الجهادية للعمل في سوريا وحدها دون تدخل منها، مما قد يؤدي إلى فقدانها السيطرة الكاملة في توجيه التحولات مستقبلاً. إن كان سقوط الأسد هو أمر حاصل بإذن الله، لكن يبقى السؤال الأهم عن المدة التي سيأخذها النظام للسقوط. فمع تدخل الأطراف الدولية كإيران وحزب الله قد يطول سقوطه لفترة ما. وفي المشهد الأخير قد يكون حزب الله هو الأجرأ في استمراره في الدعم. ولا يبدو أن إيران ستنجر إلى حرب إقليمية من أجل الدفاع عن بشار. ويبقى أن روسيا قد تكتفي بالدعم العسكري لسوريا لبعض الوقت. وقد يُعقد معها صفقة من أجل شراء صمتها. آن الأوان أن يحاسب بشار على قتله الشهيد رفيق الحريري والشعب السوري. وآن لنا أن نفكر في مرحلة ما بعد رحيل الأسد.