كان حوارا شفيفا، ذلك الذي دار بين الأخوين الكريمين: د. أحمد التويجري عضو مجلس الشورى السعودي السابق، وبين الأستاذ جمال سلطان أحد أبرز الإسلاميين في مصر، ورئيس تحرير صحيفة (المصريون)، حول الأزمة المصرية الحادة، والجدل الذي يدور اليوم في الساحة السعودية الفكرية، وقد انقسمت -ككل البلدان العربية- حيال ما يحدث بأرض الكنانة. د. التويجري، وضع تلك الحوارات في تويتر(twitmail.com/1LdA) وكانت بها أسئلة مهمة جدا، ونقل بأمانة ما يعتور في أنفس الكثيرين من المتابعين، خصوصا من التيار الإسلامي، حيال السيسي والعسكر، وقام بعتاب صديقه سلطان، بسبب مقالاته ورؤيته لعسكر مصر، وانحيازه ضد (الإخوان)، وساءله عن أسباب مواقفه المصادمة تلك. الحوار الذي دار، وبرغم أنه كان عبر الإيميلات الخاصة، إلا أن مضمون أسئلة د. التويجري، وإجابات صديقه جمال سلطان، أضاءت لي ولغيري من المتابعين، زوايا جديدة في المشهد المصري الدائر، ما لم نكن نعرفه، رغم متابعتنا الدقيقة لما يحدث عبر الفضائيات والصحف، فمثلا قضية أن السيسي وعسكره يعملون، ليس ضد الإخوان وحسب، بل على هدم الإسلام عموما واجتثاثه من أرض الكنانة، فقد نقل د. التويجري -بأمانة- ما يروج في أوساط الإسلاميين حول هذا الموضوع، بقوله: "إن ما تواجهه مصر ليس انقلاباً ضد الإخوان، ولا انقلاباً ضد إرادة الشعب المصري، وإنما هو انقلاب ضد الإسلام والهوية الإسلامية لمصر، وضد كل قيم العدالة والنزاهة والاستقامة". أجابه جمال سلطان، وهو الرجل المحسوب على التيار الإسلامي، وتاريخه حاضر دوما عبر كتبه ومقالاته وبرامجه، بقوله: "أؤكد لك بشكل لا لبس فيه؛ تأييدي الكامل والتام لقرار عزل مرسي، وأعتقد جازما أنه أنقذ مصر من مشروع دولة فاشية مروعة.. وأؤكد لك أن ما حدث؛ صراع سلطة، يخوضه (الإخوان)، وأن السيسي أكثر ديانة وحبا للإسلام من خيرت الشاطر". موقف كاتب السطور هو الحياد التام بين الأخوين الفاضلين، وقد استمتعت بالرقيّ العالي الذي كانا عليه في الحوار، والشفافية التي تحدثا بها، وإنني إذ أنقل اليوم بعض ما دار بينهما؛ لأنني وجدت إجابات لكثير من الأسئلة، وتصحيحا لبعض المفاهيم المغلوطة التي تروج في أوقات الاحتدام، بما نشهده اليوم في أرض الكنانة. فعندما ردّ د. التويجري على سطان حيال تديّن السيسي، ولامه على هذه المجازفة منه، ردّ عليه بقوله: "أما ديانة السيسي، فتلك شهادة (الإخوان) أنفسهم له قبل الأزمة، وشهادات عديدة من علماء ورموز إسلامية التقوه مرارا، وسمعت منهم ذلك بنفسي، كما أن التقارير الغربية التي استندت إلى شهادات أساتذته في أميركا، والتي قالت ذلك، وحدّدت أن بناته منقبات. صدقني أن الصورة على غير ما تتصور في مصر، وأعرف أن (الإخوان) نجحوا في صناعة غيمة كثيفة من التضليل الإعلامي، جرفت كثيرا من الإسلاميين داخل مصر وخارجها". للأسف الشديد، تطال كل من ينقد اليوم "الإخوان" تهم العمالة الأمنية، والارتزاق، وبيع الضمائر، وتأجير القلم، رغم كونهم بشرا، يصيبون ويخطئون، وهو ما رُمي به الزميل جمال سلطان، ودافع به عن نفسه، أثناء الحوار، وقال: "وأما مسألة توصيفي فلا أعبأ بذلك، واعتدت عليه من سنوات، و(الإخوان) لا يعرفون شيئا اسمه المختلف في الرأي أو الموقف السياسي. وإنما دائما المختلف؛ منافق أو خائن أو عميل أو مرتزق أو مرتش أو فاسد أو مأجور، وقد وصفوني بكل تلك الصفات فلا داعي لإكرامي بنفيها". أتمنى من أحبتي هنا الوقوف طويلا في هذه النقطة، وألا تجرفنا عواطفنا بعدم تحكيم العقل، وأطلب من باقي أحبتي تفهّم المرحلة، ولو عاد مرسي لكرسيه، بدون أن تتضرّر مصر، أو تدخل أتون حرب أهلية، أو تفتيت للجيش المصري، لهو أحبّ والله لي ولكثيرين غيري، لتُجرى انتخابات بعدها، يقرر الشعب المصري من يحكمه. ولكن إن كان ثمة دماء وفتنة داخلية، فالأصحّ في رأيي، عدم المعاندة، وطأطأة الرأس حتى تعبر هذه الريح الشؤم، فمصلحة مصر وحقن دماء أبنائها، فوق كل الحزبيات، وفوق أي اعتبار آخر. مثل هذا الطرح، لم يتقبله بعض الذين يرون السير نحو استرداد الشرعية، حتى لو خاضوه في بحر من دماء المصريين، ويتشنجون حيال أي صوت ينادي بالتهدئة، ويقولون: "وجهوا مواعظكم للعسكر، فهم الباغون"، ولا يدري هؤلاء النفر، كيف هي عقلية العسكر في كل العالم، وعلى مدى الأزمنة والعصور، ليتهم يعودون للتأريخ ويقرؤوه. أما أنا فسأعود للحوار الشائق، فقد وجّه د. التويجري سؤالا لصديقه سلطان، قائلا: "أيعقل أن مثقفاً ومناضلاً مثلك، يقبل أن يُعطّل الدستورُ بقرار عسكريّ -مهما كانت أخطاء الرئيس- دون العودة إلى الشعب من خلال القنوات الدستورية المشروعة؟"، أجابه جمال سطان مباشرة بقوله: "أؤكد لك أني مؤمن تماما بأن ما حدث إنقاذ لمصر من كارثة"، مضيفا: "العواطف الهائجة التي يتورط فيها أهلنا وإخواننا في الخليج لن تساعدهم على رؤية رشيدة للواقع في مصر". اللهم احفظ مصر وأهلها، وأسبغ عليها رحمتك، وولي الخيار عليها، ومن يقودها لعزتها ومجدها.