يمكن القول إن 'الإفراز السياسي' الطاغي في الساحة السعودية، بعد عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز الجاري، هو تصاعد حالة 'الانقسام الشديدة' بين أطياف المجتمع السعودي إزاء ذلك، فمصطلحا 'العزل' و'الانقلاب'، كانا العنوان العام لذلك الجدل المحلي، وبخاصة أن تهنئة حكومتهم جاءت بعد أقل من نصف ساعة من إعلان الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بيان الجيش والقوى السياسية المؤيدة له. ويمكن ملاحظة ذلك 'الجدل' بين مستويي الإعلام المحلي التقليدي، وشبكتي التواصل الاجتماعي 'فيسبوك' و'توتير'. ويرى مراقبون محليون أن التوجه العام لوسائل الإعلام المحلية، وبخاصة المطبوعات الصحافية، يركِّز في هذه الأيام على إقناع الرأي العام الداخلي بأجندة الرياض السياسية، وإظهار ما جرى بكونه يمثل 'حفظاً لوحدة الأمة المصرية'، وانتصاراً لمصلحة الدولة العامة، على مصلحة الجماعة (في إشارة إلى الإخوان المسلمين)، وحاولت افتتاحيات الصحف السعودية -خلال اليومين الماضيين- وصف التجمعات المليونية المطالبة بعودة الرئيس المعزول إلى منصبه ب'التحريض الإخواني على العنف'. وهنا يرى الكاتب وأستاذ الإعلام السابق بجامعة الملك سعود بالرياض الدكتور محمد الحضيف، أن الصحافة المحلية هي 'مرآة عاكسة' للموقف الرسمي السياسي، من عملية الانقلاب على الرئيس الشرعي -بحد وصفه- ويضيف للجزيرة نت في شكل تحليل مهني، أن نتيجة ذلك التأييد عدم وجود صحافة مستقلة، 'ويظهر ذلك بشكل جلي في الافتتاحيات والتقارير التي تحاول شيطنة الإخوان المسلمين'، إضافة إلى عدم وجود كتاب رأي مستقلين, باستثناء القليل من الكتاب الموضوعيين. ويشير الحضيف -الذي يبلغ عدد متابعيه في 'تويتر' 300 ألف، وقد دخل في جدل تويتري مع وزير الخارجية البحريني خالد آل خليفة بشأن تغريدة مست الرئيس مرسي- إلى أن 'الصحافة المحلية ظاهرة صوتية قائمة على المصالح لا القناعات، إلا أنها تؤثر في رؤية المجتمع السعودي مما حدث'. ويقول إذا أردت أن تعرف موقف السعوديين, فعليك بتويتر وفيسبوك واليوتيوب، الذي لا يساندون انقلاب السيسي، ولا يستطيع الإعلام المحلي أن يظهر ذلك. كما حاولت الجزيرة نت الاتصال بعدد من قيادات الصحافة المحلية، لمعرفة وجهات نظهرهم إلا أنهم اعتذروا عن التعليق، لأسباب لم يوضحوها. الرياض والإخوان ضمن الأسئلة المثارة في وسائط الإعلام الجديد، التي يدور عليها نقاش واسع بين السعوديين، وتدور رحاها بشدة 'أفق العلاقة المستقبلية' بين جماعة الإخوان المسلمين والقيادة السياسية السعودية، والتي يجيب عنها الكاتب الصحافي ومدير قناة العرب الإخبارية جمال خاشقجي، قائلاً 'في تصوري لن يكون هناك علاقة سياسية بين الطرفين، ما دام الإخوان في صف المعارضة لا سدة السلطة'. ويعد التساؤل الأبرز عن سرعة تهنئة السعودية وتأييدها ما جرى بعد إعلان السيسي عزل مرسي، هو المسيطر على حزمة التساؤلات الكبيرة عن الحدث، والتي يميط اللثام عنها خاشقجي بقوله 'إن استقرار مصر، يمثل للمملكة عمقاً إستراتيجياً، ومن ينظر إلى العلاقات بين الطرفين، يدرك ذلك جيداً'. ويمضي خاشقجي -الذي سبق أن عمل مستشاراً بسفارة السعودية في واشنطن- قائلاً إن مظاهرات الإخوان المطالبة بعودة مرسي ما هي إلا 'رسالة احتجاجية' لمن يهمه الأمر، ويتصور خاشقجي أن هناك حوارات جادة بين مكونات الإخوان من الجيل القديم والجيل الجديد، بشأن بروز قيادات معتدلة في المرحلة السياسية المقبلة، تستطيع أن تتحاور مع أطراف القوى السياسية المصرية المعارضة دون أي ضغوط فكرية وسياسية. وقال خاشقجي 'إن مظاهرات الإخوان ستعجز عن إعادة الشرعية، وإسقاط النظام الجديد المختلط بين عسكر ومدنيين، ويتمتع بمباركة الدولة العميقة (نظام مبارك)، وقوى إقليمية، فالتظاهرات الحاشدة التي أسقطتهم سُمِح لها، وشُجِّعت، وموّلت من دولة عميقة، وقوى خارجية، وإعلام متواطئ ضدهم، أما تظاهراتهم فهي تفتقد كل ذلك، وسيتم التعامل معها بقسوة لأنها تهدد الوحدة الوطنية'. ونصحهم خاشقجي -أي الإخوان- بالعودة إلى الساحة، وقبول القواعد الجديدة، ومراجعة تحدياتهم وأخطائهم، ودراسة مآلات الأمور التي وصلوا إليها خاصة في الخانة الشعبية.