سوء الأخلاق دائماً أسهل من حسنها. ولين الجانب تجاه الآخرين وكظم الغيظ والعفو عن الناس من صفات العظماء والنبلاء والشخصيات الأسطورية في التاريخ من القادة إلى الانبياء إلى الحكماء والدهاة والقدوات الاجتماعية والفكرية. يحدث أحياناً أن يجذبني الفضول لرؤية التعليقات على المقاطع التي تنزل على برنامج الكيك وهذا نادر بطبيعة الحال ذلك أن التعليق هو رأي المشاهد بما طرح وهو محترم لكن الغريب وقوعي على شتائم خطيرة وعجيبة. شتائم تهز الإنسان السوي، استسهال للشتيمة وللقذف وللعن ولكل ما يمس الذات موضع الشتم. تأملتُ: ماذا يستفيد هذا الشخص الذي شتم؟ ووصلت إلى بعض المقاربات. سلوك الإنسان هو نتاج تربيته. يحدث أن يقع البعض في عصاب في المنزل إما بسبب التفكك الأسري أو بسبب ضياع المسؤولية في البيت فيشعر الإنسان بالعداوة تجاه الآخرين جميعاً، فلا يقيم لأحدٍ وزناً ولا يلوي على أحد ولا يعتني بأحد بل جل همه أن يشتم ويقذع في الألفاظ ولأن الانترنت لم يضبط قانونياً ونظامياً بالشكل الكامل والمطلوب يجد هذا الإنسان العصابي فرصته للنيل من الآخرين. بعض الناس كالعقرب إن لم يلدغ مات، وإن لم يجد من يلدغه لدغ أقرب الأقربين إليه. الشتم صفة تعبر عن تربية ناقصة وعصاب ذاتي وانهيار أخلاقي نشأ ربما منذ الصغر أو بدأت جذوره منذ الصغر. الشخص الذي يشتم إنما يعبر عن أزمة نفسية عميقة تجاه ما حوله، البعض يعتبر كل شيء لا يفهمه هو السوء المحض والباطل المضل والطريق المعوج. لكن لا يسعفه الوقت ليهزم الخوف النفسي والوسواس القهري والهواجس الذاتية المرَضية لأن يتأمل بالكلام الغريب والفكرة الجديدة والمقولة الصعبة، سرعان ما يشتغل الوسواس القهري وإحالة كل ألوان الفكر والعلم إلى المؤامرة الخطيرة وفي ذهنه أن هذه الفكرة أو هذه "الكيكة" تودي به في النار سبعين خريفاً. الانترنت عالم يكشف العمق، والتقنية بعامةٍ كشفت عمق المجتمع، حين بدأت أولى التقنيات وهي "البلوتوث" قبل عقدٍ من الآن تقريباً وجدنا حالات التحرش وغيرها واكتشفنا أننا لسنا أحفاد الصحابة سلوكاً وخلقاً وإن رجع البعض إليهم نسباً. بآخر السطر، علينا أن نفهم أن كل كلمةٍ نقولها هي نتاج تربيتنا، ولا أحد يحرج والديه وأهله وبيته مثل الشخص البذيء سيء الخلق، إنه لا يشتمنا بل يشتم أهله ويشتم تربيته ويكشف عصابه النفسي لكن من خلالنا، يكشف سوأته من خلالنا، يشتم تربيته ويفرغ حقده من خلالنا.