تجاوزت الودائع المصرفية لدى المصارف 1.1 تريليون ريال، أي ما يزيد على ألف ومائة مليار ريال سعودي، منها تقريبا 700 مليار ريال بلا فوائد، أي 700 ألف مليون ريال تعمل بها البنوك مجانا. في المقابل سجلت المصارف ارتفاعا في أرباحها خلال النصف الأول من عام 2012 لتصل إلى 18.11 مليار ريال بنسبة ارتفاع قدرها 15 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2011. هذه الأرباح ارتكزت إلى الدخل من العمليات والعمولات الخاصة ونمو الإقراض والاستفادة من المشاريع الكبرى في قطاع البنى التحتية وزيادة الإقراض لقطاع التجزئة. لكن الصورة ليست بهذه الدقة من الوضوح، لذا سآخذكم في رحلة صغيرة إلى القوائم المالية لبعض المصارف العاملة في المملكة، ولنعرف السبب الحقيقي الذي يجعل هذه السوق جاذبة لمصارف دول المجلس التي تقبل مخاطر عالية جدا فقط من أجل أن ترسخ أقدامها في السوق، ومنها الإقراض بلا أي ضمان يذكر. فقد بلغ رأسمال أحد المصارف قريبا من عشرة مليارات ريال، بينما بلغت أصوله التي يعمل بها وتدر عليه الدخل قريبا من 180 مليارا، (أي أن المساهمين في المصرف وملاكه مولوا فقط 5 في المائة)، فمن أين حصل المصرف على الفرق الذي مول به الأصول؟ سنجد أن الودائع فقط بلغت قريبا من 150 مليارا. مصرف آخر تجاوز رأسماله ثمانية مليارات بينما الودائع قريبة من 100 مليار وإجمالي أصوله التي أنتجت الدخل بلغ 125 مليارا (أي أن المساهمين في المصرف مولوا أقل من 7 في المائة)، وهكذا في كل المصارف بلا استثناء وتحاول المصارف استجابة لضغوط بازل أن تصل من خلال الأرباح المبقاة إلى جدارة في حقوق الملاك قريبا من 8 في المائة. نأتي إلى جانب الأرباح وتوزيعاتها، ففي المصارف السعودية - وفقط - في المصارف السعودية على حد علمي - لا يأخذ المودعون مبالغ مقابل تشغيل أموالهم، وهذا معناه أن الملاك والمساهمين يستأثرون بكامل الدخل الذي أنتجته الأصول، التي مولوا منها فقط 8 في المائة لا أكثر في أحسن الأحوال. فمثلا أحد المصارف اقترب الدخل عنده من 1500 مليون ريال، ونحن نعرف أن هذا الدخل نتج من استخدامه الأصول التي خلقتها ودائع الناس - بصورهم كافة - والقروض ورأس المال المدفوع من قبل الملاك. لذا، فإنه يتم توزيع هذا الدخل بأن يأخذ المقرضون حقهم منه على شكل فوائد الإقراض - وهذا بقوة العقود والقانون - والباقي كله بعد المصروفات يأخذه الملاك الذين مولوا أقل من 6 في المائة، بينما يبقى المودعون الذين مولوا هذه الأصول بأكثر من 70 في المائة بلا شيء - وفقا للفتوى الحالية. فهل من العدل أن يستأثر من له أقل من 8 في المائة بكامل صافي الدخل، ومَن موّل الأصول بأكثر من 70 في المائة يخرج بلا شيء يذكر؟ من أعطى الملاك الحق في الاستئثار وحدهم بكل هذه الأرباح التي خلقتها أصول ليست ملكا لهم؟ قبل أسبوع كتب الدكتور حمزة السالم مقالا يستفتي فيه سماحة المفتي حول هذه الودائع وكيف تُحجب حقوق الناس عنهم بدعوى الربا. ورغم كل ما قدمه الدكتور حمزة السالم من مناقشة حول سقوط شبهة الربا عن الفلوس الورقية، ولو قلنا رغم ذاك إن الربا يقع فيها فلماذا لا توجد طريقة شرعية مناسبة كي يحصل الناس على حقوقهم من هذه الأموال وهذا التشغيل الضخم؟ ثم أليس في استئثار الملاك على هذه الأموال فعل حرام عليهم؟ وإذا قلنا إنه حلال فكيف يحل لهم أن يدفعوا 8 في المائة فقط ويحصلوا على كل الدخل الناتج من أموال المودعين التي بلغت أكثر من 70 في المائة من الأصول .. مَن أجاز هذا ومَن قال بحله؟ لِمَ هو حلال على الملاك حرام على المودعين؟ ألم تجد المصرفية الإسلامية حلا للمصارف في إقراض الناس وأخذ عوائد على ذلك؟ حلول الفقهاء لإقراض الناس من أموالهم وأخذ عوائد تخص الملاك فقط، فلماذا لم يجد الفقهاء حلا بعد للمودعين كي يصلوا إلى حقوقهم المشروعة عند المصارف؟ كتبت مقالا الأسبوع الماضي عن مشكلة انغلاق منافذ الاستثمار أمام الناس، خاصة البسطاء منهم والموظفين مهما علت مناصبهم. فليس أمامهم سوى أن يودعوا أموالهم لدى المصارف يدخرونها فقط ليوم أسود، بينما بيضاء أيامهم لا نفع منها، ثم إذا احتاجوا شيئا أكثر من متاع الدنيا ذهبوا للمصارف التي فيها أموالهم لتقرضهم منها ثم تأخذ عليها عوائد «حلال لها حرام عليهم». لذا أرفع صوتي مع الدكتور السالم: نريد حلا يا فضيلة المفتي.