بالكاد نذكر كيف بدأ صدام حسين حربه مع إيران (عام 1980) ولكن في زمن أقرب يتذكر معظمنا كيف غزا الكويت (عام 1990) وكيف عاد بوش الصغير لاحتلال العراق بأكمله (عام 2003). ولكن ماذا لو قلت لك ان كل هذه الأحداث كان مخططا لها منذ البداية!؟ ماذا لو أخبرتك أنها أتت بدوافع أمريكية مختلفة في كل مرة؟ ماذا لو علمت أن صدام حسين - الطرف المشترك في كل أزمة - لم يتحرك دون مساعدة أمريكا أو ضمان موافقتها المسبقة؟! سيبتسم البعض ويعتقد أنني أتحدث من منطلق تآمري معتاد.. ولكن الحقيقة هي أن الحرب العراقية - الايرانية بدأت بتحريض من أمريكا للانتقام من احتلال ايران لسفارتها في طهران واحتجاز دبلوماسييها (فور قيام ثورة الخميني).. فقد وعدت صدام بالمساعدة وضمان وقوف العالم بجانبه، ناهيك عن تحقيقه لمجد شخصي وعربي يتمثل في سيطرته على كامل شط العرب. وبالفعل وقفت معه أمريكا ووفرت له كافة التقنيات المتقدمة (بما في ذلك صور يومية تظهر تحركات القوات الإيرانية عبر الأقمار الاصطناعية).. بل إن دونالد رامسفيلد زار العراق عام 1983 (مبعوثا من الرئيس ريغان قبل أن يصبح وزيرا في إدارة الرئيس بوش) وزود صدام حسين بالأسلحة الكيماوية التي استعملها ضد القوات الايرانية والأكراد في حلبجة. غير أن المساعدات الأمريكية كانت محسوبة بحيث تضمن عدم انتصار أي طرف.. كانت مقننة بحيث تتحول الى حرب استنزاف تُضعف البلدين، لدرجة عاد خلالها العراق ثلاثين عاما الى الوراء. وحين توقفت الحرب بعد ثماني سنوات كانت الأولويات الأمريكية قد تغيرت فبدأت بحياكة مؤامرة جديدة.. فرغم أن النظام البعثي كان يصر على انتماء الكويت للعراق، إلا أن صدام لم يفكر باحتلاله قبل أن توحي له أمريكا بذلك.. فبعد توقف حربه مع ايران التقى عام 1991 مع السفيرة الاميركية "ابريل جلاسبي" التي قالت له بكل وضوح: "أمريكا لن تتدخل في أي نزاع مسلح ينشب مستقبلا بين العراق والكويت". وهذا الإيحاء لم يكن فقط قويا وواضحا، بل وأتى في وقت كان فيه صدام يحتاج الى أموال الكويت (وأيضا الى معركة مضمونة تشغل العراقيين عن فشل حربه مع إيران).. لم يدرك أن أمريكا انتهت من هدفها الأول (الانتقام من إيران) وأنها تخطط الآن للاقتراب من منابع النفط في الخليج، خصوصا بعد احتلال روسيا لافغانستان واقترابها من المنطقة.. وحين ابتلع صدام الطعم تقدمت هي لحماية الخليج وتحرير الكويت، ولكنها لم تسقط النظام العراقي لتوفير حجه بقائها قريبا!! .. أما حرب الخليج الثالثة فبدأت في ظل تحولات جديدة قادتها مصالح داخلية في أمريكا.. فرغم أن العراق هذه المرة كان قد ضعف بفعل سنوات الحصار الاقتصادي.. ورغم عدم وجود مبرر للحرب معه (كما كان الحال حين غزا الكويت) إلا أن البيت الأبيض أصبح يدار من قبل لوبي تابع لشركات الأسلحة والنفط. كانت الإدارة الأمريكية برمتها - وعلى رأسها رامسفيلد وبوش الابن - أمام تملك مصالح غير مباشرة مع شركات عملاقة يهمها استقطاع ميزانية كبيرة للحرب.. وليس أدل على هذا من رفض الأممالمتحدة إصدار قرار يخول أمريكا غزو العراق، وفشل البيت الأبيض في إقناع فرنسا وايطاليا وألمانيا بالمشاركة مع قوات التحالف (كما فعلت في حرب تحرير الكويت).. فالجميع كان يدرك أنها حرب مفبركة تحركها مصالح داخلية، ولم يصدق أحد أن العراق بعد كل هذه السنوات يملك "أسلحة دمار شامل"!! .. أيها السادة؛ من يحتفظ بابتسامته حتى الآن ما عليه سوى البحث في النت عن تاريخ (دونالد رامسفيلد) أو المرأة التي حرضت على غزو الكويت (أبريل غلاسبي).