لا يتقبل بعض الفقهاء فكرة تقنين الأحكام الشرعية فهم يرون فيها انحرافا عن الشرع وتحولا نحو الأخذ بالقوانين الوضعية ولهم في تجارب بعض الشعوب والدول ما يجعل لتخوفهم مبرره ولإنكارهم ما يكون لهم العذر فيه. وإلى جوار هؤلاء الفقهاء يقف فقهاء آخرون يشاركونهم بعض هذا الفزع غير أنهم لا يرون ضيرا في اعتماد مضبطة للأحكام الشرعية يكون هدفها تقريب الأحكام الشرعية، والتقريب ليس تقنينا بقدر ما هو محاولة لتقليص الفرق بين الأحكام التي يصدرها قضاة مختلفون في قضايا متشابهة. وبصرف النظر عما يمكن الاتفاق عليه أو الاختلاف حوله من التقنين أو التقريب فإن ما يتم الحديث عنه في هذا الصدد إنما هو ما يتعلق بأحكام التعزير، وهي تلك الأحكام التي بجرائم مستحدثة ليس في الشرع حكم محدد لها ولم يفت العلماء الأوائل بأحكام فيها أو تلك الجرائم التي لم تكتمل أركانها بحيث يتم الحكم فيها بالحكم الشرعي المنصوص عليه ولذلك يدرأ الحد فيها بالشبهة ويكتفي القاضي فيها بحكم تعزيري يراه رادعا لمن وقع في ذلك الجرم. التقنين والتقريب يتصل إذن بأحكام التعزير ولا علاقة له بالحدود التي أوضحها الله في منزل كتابه ولا بالقصاص الذي تتجانس فيه العقوبة مع الجرم، وطبيعة أحكام التعزير متصلة باجتهاد القضاة، وقد تم تقنين بعضها كجرم تهريب المخدرات دون أن يكون ذلك التحديد والتقنين مثارا للريبة ما دام ولي الأمر يرى فيه مصلحة الأمة وحمايتها ممن يريد إفسادها. وإذا كان التقنين متصلا بأحكام التعزير فهو متصل بالجانب البشري المتمثل في اجتهاد القضاة فيما لا نص لحكم شرعي فيه، وحين يتم التقنين على يد فقهاء وعلماء في الفقه والشريعة فسوف يكون مستندا إلى روح الشرع مراعيا لفقه الواقع على نحو لا يكون بعده مكان لشبهة أو موضع لتخوف.