بين تقنين أحكام التعزير والعقوبات البديلة للسجن علاقة وثيقة، وإذا كانت اجتهادات عدد من القضاة الذين اعتمدوا عقوبات بديلة قد فتحت الباب لتوسيع الأخذ بمثل هذه الأحكام التي تجنب أصحاب بعض الجرائم دخول السجن فإن من شأن تدوين هذه الأحكام البديلة أن يضع القضاة جميعا أمام مضبطة قضائية تتضمن الأحكام البديلة يسترشدون بها في ما ينظرون فيه من قضايا وما يصدرونه من أحكام ضد جناة لاتكون هناك حاجة لمعاقبتهم بالسجن. ومن المعلوم أن الشريعة تتضمن 3 أنواع من الأحكام، نوعان منهما غير قابلين للاجتهاد، وهما المتصلان بالحدود والقصاص، فلا اجتهاد مع ما ورد من نصوص تتعلق بالحدود كحد الردة والسرقة والزنا، وكذلك لا اجتهاد في ما يتعلق بأحكام القصاص، فالعين بالعين والسن بالسن، ومن يقتل نفسا بريئة جزاؤه القتل قصاصا وصاحب الحق هو من يمتلك الحق بالعفو أو الإصرار على استيفاء حقه، أما النوع الثالث من الأحكام فهو ما يتصل بأحكام التعزير، وهي الأحكام التي تصدر في نوعين من الجرائم، أحدهما ما لم تؤكد البراهين القاطعة أنه مما يستوجب تطبيق أحكام الحدود كالخلوة التي لا يقوم فيها دليل قاطع على ارتكاب الفاحشة، أما النوع الثاني مما تصدر فيه أحكام التعزير فهو تلك الجرائم المستحدثة التي لم تكن معروفة من قبل ولاتندرج تحت ما تم تحديده من أحكام الحدود. وقد ظلت أحكام التعزير مدار اجتهاد القضاة، وهو الأمر الذي أدى إلى تباين بينها مآله إلى اختلاف النظر إلى القضية الواحدة باختلاف القضاة، على نحو جعل من تقنين أحكام التعزير مسألة ملحة، فهي سواء كانت ملزمة أو مرشدة جديرة بأن تضيق الفجوة وتقلص التباين بين الأحكام التي تصدر في قضايا متشابهة. ومن المتوخى أن تتضمن مضبطة الأحكام أحكاما بديلة لعقوبة السجن تكون أكثر ملاءمة لبعض الجرائم التي لا تستدعي سجن أصحابها بقدر ما تستوجب عقوبة تحقق الهدف من العقاب وهو تأديب المذنب وتصحيح العلاقة بينه وبين المجتمع الذي أذنب في حقه.